اليمن – متى يتحول الى وطن؟!

كتب
الأحد ، ٢١ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٣٥ صباحاً

 

في بلد كاليمن تتجاذبه المتناقضات وتتنازعه صراعات التنظيمات الحزبية والتشكيلات الجمعوية والكيانات القبلية وتهتز فيه الثوابت دون ان يكون لذلك مستغرب ولا مندهش فان كل شيء يصبح بحاجة الى مراجعة وتصويب حتى لا يظل كل منا يغرد في وكره وبرجه العاجي المعزول عن الاخرين بسياج من المزايدات والتجاذبات العقيمة والاصابع المزدوجة. 

فالمتابع لرقصة شد الحبال التى يمارسها سياسيونا في مؤتمر الحوار الوطني سيجد نفسه امام رقعة شطرنج من نوع غريب تفتقر الى عنصر حيوي وهو (الجندي الصادق) او ما يسميه لاعبو الشطرنج (غامبي) الذى يضحي من اجل انارة الطريق امام حركة الفعل المنهجي التى تقود الى النصر في المعركة مع ان حواراً كهذا يعول عليه ان يؤسس لمراجعة شاملة لمختلف قضايانا ويضع المداميك التى سنقيم عليها بناء المستقبل هو من يوجب على جميع المشاركين فيه ان يكونوا صادقين مع انفسهم اولاً ومع شعبهم ثانياً ومع الامانة التى حملوا بها ثالثاً وان تكون لديهم الشجاعة الادبية التى تسمح لهم بتناول جوانب القصور بغية تصحيحها ومعالجتها بواقعية لا مبالغة فيها ولا شطط وذلك من خلال اقتراحات مدروسة قابلة للتحقيق على ارض الواقع يستوي في ذلك من يمثلون الحراك الجنوبي او مكون جماعة الحوثي او الاحزاب السياسية لان المفترض ان يكون هدف الجميع هو بناء اليمن الجديد القادر على النهوض ومجاراة ركب العصر. 

ومن الثابت هنا ان محنة اليمن الاساسية التى ابقت عليه جاثماً في تخلفه واحتقاناته و صراعاته وانتكاساته لا تعود الى ضعف البنية الدستورية او التشريعية او القانونية او شكل النظام السياسي او نموذج الدولة القائم وانما هي التى تبدو شاخصة في غياب الترابط بين مفهوم الانتماء للوطن ومضمون الوطنية وبسبب هذا الغياب فلم تتبلور الهوية الوطنية الجامعة ولا فكرة الوطن الجامع .. فالجنوب لم يعرف شكل الدولة الا بعد الاستقلال عام 1967م فيما كان قبل هذا التاريخ متشظياً في هوايات وانتماءات 23 مشيخة وسلطنة وامارة والحال نفسه في الشمال فقد ظل الولاء للقبيلة و المنطقة ومكان المولد والنشأة يتفوق في حالات كثيرة على الهوية الوطنية الواحدة. 

ولا بد من الاقرار ايضاً انه وحتى وفي ظل الدولة اليمنية الحديثة التى نشأت في عقد الستينيات من القرن الماضي فان هذه المرحلة لم تشهد اي تحول يعيد لمفهوم الوطن بعده القيمي والانساني بل ان مرحلة الجمهورية رافقتها الكثير من صور القمع والصراع والانقلابات ودورات العنف والانقسامات الخطيرة بكافة الوانها وعناوينها بما انعكس في تعميق الشروخ التى ظلت تعاني منها الوحدة الوطنية حتى بعد اعادة توحيد شطري اليمن في كيان واحد. 

ولذلك فلا يكفي ان يخرج مؤتمر الحوار الوطني بكتابة دستور عصري ينظم شؤون الحكم والتداول السلمي للسلطة دون ان يرافقه عقد اجتماعي يصيغ علاقة المواطن بوطنه ويعمل على تشكيل وعي حقيقي بمفهوم الوطنية او الهوية وبما يدفع الى ان تصبح الوطنية هي وعي للذات وهي المصير التاريخي الواحد وهي القاسم المشترك الذى يشعر الفرد بالرابطة الوثيقة بينه وبين افراد مجتمعه الذين تجمعه بهم السمات والمصالح المشتركة سواء عبر اللغة او الدين او الثقافة او الحضارة او التاريخ او الجغرافيا او الذاكرة الواحدة بحيث يتحول اليمن من قطعة ارض او مساحة جغرافية في مجموعة العواطف والاحاسيس والانفعالات والمشاعر الى وطن يعيش فيه المواطن وهو من يشعر انه من يمتد به الى بداية الكون والى المستقبل الى اخر الزمن. 

والوطن بهذا المفهوم هو امتزاج التاريخ بالجغرافيا واقتران كل منهما بالاخر وذلك مانحتاجه في ظل عوامل التشويه والتشويش التى تتعرض له الهوية الوطنية من قبل بعض التابوهات المريضة من غلاة المناطقية والجهوية التى تتنقل بين عواصم الشرق القديم والغرب الجديد للمتاجرة بالقضية الجنوبية وتسويق مشروع الانفصال واحدث تحرك قام به علي سالم البيض هو ظهوره في العاصمة المصرية ولقائه بامين الجامعة العربية واجتماعه بعدد من الشخصيات والقيادات الجنوبية المتواجدة في القاهرة بغية استمالة هذه القيادات والحصول على دعمها لمواقفه واتصالاته مع المنظمات الاقليمية والدولية التى يطالبها بدعم حق ابناء الجنوب في استعادة دولتهم المحتلة من الشمال اليمني كما يزعم. 

ولعل ما يلفت النظر في تلك اللقاءات ليس تقاطع المصالح والمواقف والتوجهات بين القوى التى تتصارع على قيادة الجنوب وادعاء تمثيله وليس ايضاً في اصرارهذه التابوهات الحاقدة على افشال المساعي المبذولة لتنفيذ النقاط الـ 31 والخاصة بمعالجة الاوضاع في الجنوب ولكن فيما يصدر عنها من تعبيرات مخجلة لنا كيمنيين .. فحينما تظهر على الملأ قيادات كانت ذات يوم من رموز هذا البلد لتفتري على هويتنا وتاريخنا ورابطتنا الروحية بهذا الوطن وتجاهر في الوسائل الاعلامية بشكل مهين ومنطق رديء وسخيف لتؤكد على ان الوحدة بين الشمال والجنوب كانت خدعة كبيرة وانه لا يوجد هناك يمن يمتد من المهرة الى صعدة فانهم بذلك يسيئون بكل وضاعة لشعب يصل تعداده الى 25 مليون انسان. 

اليس من مفارقات الزمن ان ينصب هؤلاء انفسهم كاوصياء على الجنوب فيما رائحة فضائحهم وجرائمهم المشينة التى ارتكبوها بحق ابناء هذا الجنوب تنضح بافعال يندى لها كل ضمير انساني ومع ذلك فان المثير ليس فيما يصدر عن مثل هذه المجاميع المفلسة ولكن في صمتنا عن هذا التطاول وعدم غيرتنا على هذا الوطن الذى يستباح في ثوابته وكأن هذا الوطن ليس لديه ابناء يدافعون عنه مع ان مسألة كهذه لا ينبغي ان تكون محل تردد باعتبار ان الدفاع عن الوطن هو دفاع عن العرض والشرف. 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي