الإسهال الثوري..

كتب
الجمعة ، ١٢ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٠١ صباحاً

 

 لست ممن تستهويه الثورات، فهي ليست جيدة دائما، لكن من قال أنها الآلية الأفضل أو الأنسب لحسم الصراعات السياسية في المجتمعات الديمقراطية أو تلك التي لا تزال في طور التحول.

فالثورات حالات استثنائية وطارئة والاستقرار الدستوري هو الثابت، والعيش في المتغير لا يولد الاستقرار حتما، فقد خاضت مجتمعات سلسلة من الثورات قبل التوصل لآليات دستورية لحسم الصراع السياسي فيها، فالقول أن الديمقراطية ليست صناديق الاقتراع قول صحيح، لكن الصحيح أيضا أن لا ديمقراطية بدون احترام إرادة الصناديق أيضا.

لا أحد هنا يحضر نفسه لجدل بيزنطي لتوصيف الذي حدث في مصر مؤخرا بين كونه انقلابا أو ثورة، فافتراض أنها ثورة لا يعطيها ميزة كذلك، فالإسهال في استخدام الثورات لحسم الخلاف السياسي ليس جيدا أيضا، ولا يبشر إلا بالفوضى..

فقد كان هناك رئيس منتخب، في أنزه انتخابات حصلت عليها مصر حتى الآن، كما كان هناك دستور مستفتى عليه بنسبة 64% بغض النظر عن الخلاف على صياغته، فقد أيدته إرادة ناخبة وكان بالإمكان تعديله بإرادة ناخبة أيضا.

لكن ماذا يوجد الآن، رئيس أتى به الجيش، ودستور معلق، ولا إرادة غير إرادة الأمر الواقع، في شرعية يقال أنها ثورية استنادا لخروج جماهير 30 يونيو إلى الشارع، وأياً كان عدد هؤلاء المعترضين على حكم الرئيس مرسي هل كان يعطيهم ذلك الحق مع قوة الجيش في فرض آلية للتغيير تكسر وتلغي الطرف الآخر وبلا سقف أو إطار دستوري يرضاه الجميع.

فالمحصلة أن تيارا من الشعب لا يهم كم كان عدده تغلب على تيار آخر بقوة الجيش، الذي كان يفترض ألا ينحاز لطرف، ويظل هو الطرف "المحكم" في مجتمع لا يزال منقسما ويخطو خطواته الأولى إلى الديمقراطية. إن لم نقل أن الجيش هو من تغلب بتلك الجماهير للانقضاض على السلطة.

ففي الأخير زاد هذا الإجراء الشعب انقساما واستقطابا، لكن هذه المرة في وجود الجيش وتيار من الشعب في مواجهة تيار آخر يستند للشرعية الدستورية والإرادة الانتخابية التي أتت بالرئيس والدستور، تلك الإرادة التي لم يكن من السهل الاستهانة بها واعتبارها عدما لكون الطرف الآخر لم يعد يرغب بها.. مع أن لا أحد يقول هنا أن هذه الإرادة الانتخابية تبرر لمرسي ولمؤيديه عدم الالتفات لتك الجماهير التي خرجت ضده.. إلا أنه كان بالإمكان التوصل لصيغة توافقية تستوعب الإرادتين.

فقد كان أرعنا الذي حدث، وقد تورط الجيش في هذه الخفة تحت دعوات الكراهية للإخوان والخشية من نواياهم المستقبلية، إلا أن المباراة التي تحدث الآن بين المؤيدين للرئيس الشرعي من جهة ومعارضيه مع الجيش من جهة أخرى من خلال الشارع وتحت الدعاوى الثورية التي يتم استخدامها في الجهتين منهكة للبلد أمنيا واقتصاديا ولا أحد يضمن عدم انجرارها لحرب أهلية كتجارب مماثلة.

وربما لن تحدث تلك الحرب، لكن لا أحد يضمن استقرارا سياسيا قريبا في البلد، فالانقسام المجتمعي أكثر حدة الآن، وقد سُن سنة سيئة لحسم الخلافات السياسية تقوم على الكسر والإلغاء ولا تحترم سقفا ولا دستورا، حيث صار بإمكان أية جماعة معارضة أن تطيح بسلطة انتخابية متى ما توفر لها حشد في الشارع وتواطؤ من الجيش.. وليس هذا مهمة الجيوش الطبيعية..

إلا أن شرعية تقوم على فكرة الإسهال الثوري لا تصمد ولا تستقر، وبغض النظر عن استمرار احتجاج الاخوان من عدمه، لا تملك السلطة البديلة ضمان استمرارها واستقرارها، فقد أسس لها من أول يوم على الفوضى لا الاستقرار.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي