انتصاراً للعدالة والإنسان.. ورفضاً للتحكيم!!

كتب
الأحد ، ١٩ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠١:٣٩ صباحاً


بقلم - سامي نعمان :
حادثة مقتل الشابين حسن جعفر أمان وخالد الطيب، نهاية الأسبوع الماضي، تؤشر إلى ارتفاع مستوى الخطر في انتشار السلاح في صنعاء والمدن الأخرى.. وتؤشر أكثر إلى الخفة والاستهتار في استخدامه من قبل المسلحين ولأتفه الأسباب.
القتل سلوك ونزعة فردية أو جماعية منظمة (ربما)، وليست مقتصرة على فئة دون غيرها.. كذلك القاتل هو كذلك من أي حزب كان أو قبيلة أو محافظة..
الحزبية مجرد ارتباط يعرف بالخيار السياسي للمواطن، والقبيلة أو المنطقة أو الأسرة التي ينتمي إليها القاتل إنما تعرف بالإطار الاجتماعي الذي ينتمي إليه، وليست الجريمة إدانة للحزب أو للقبيلة، أو المنطقة الجغرافية، إذا لم تتورط تلك المكونات في أي عمل من شأنه التحريض على القتل، أو التستر على منفذه.
وطالما تبين أن قتلة الشابين، كانوا في زفة أقارب عضو مؤتمر الحوار الوطني الشيخ علي عبد ربه العواضي، فلا يكفي إبداء استعداده للتعاون مع الأمن للقبض على القتلة، بل هو معني بالمبادرة بتسليم القتلة، انتصاراً للعدالة وقيم الدولة، إذ لا يعقل أن قبائل تخشى الثأر ويدخل في زفتها مسلحون لا يكونون مقربين جداً من أهالي ذوي الزفة.. لا يمكن أن يبرر القتل بأنهم تجاوزوا موكب الزفة بسرعة جنونية أو عاقلة، أو حتى لأنها اصطدمت بإحدى سيارات موكب الزفة..
المؤتمرون في موفمبيك جميعاً يجب أن يجسدوا الانتصار لقيم الدولة أولاً على حساب أنفسهم.. العدالة والمساواة يجب أن تسود بين المواطنين.. وليكف دعاة الدولة قليلاً عن هذا السلوك الذي يعرف بالتحكيم، وليتركوا فسحة أمل نشعر معها –كمواطنين- ببعض الأمن وحضور الدولة..
****
سياسة التحكيم بخصوصيتها اليمنية مناقضة لمقتضى العدالة وانتقاص للكرامة الإنسانية ولأرواح الناس..
اتضح أن هذه السياسة التي طغت إنما هي تعطيل للقضاء، وإلغاء للدولة بكل قيمها، وأهمها المساواة بين الناس أمام العدالة، خصوصاً في ظل بقاء المجرمين تحت حماية مراكز القوى والنفوذ، وصيرورة التحكيم كخيار إلزامي لا ثاني له.
التحكيم بما هو منافٍ ومناقض لمقتضى العدالة، تغرير باسم الصلح “والصلح خير”، هو إحدى الأدوات المشجعة على القتل والإجرام، بل هو أداة مثلى لإنقاذ القتلة، إذ يفضي غالباً لذبح ثيران “بريئة”، وجبر ضرر الضحايا بالإحراج، ووساطة الوجاهات، وبضمان أدوات قتل غالباً (بنادق)..
لا ينبغي أن تغيب العدالة كأبرز سمات الدولة، بسلاح الأعراف القبلية، وليكن العفو خياراً متاحاً لأهالي الضحايا متى أرادوا ذلك.. وإلا فهو القصاص.
لنجرب العدالة والدولة كقيم تحكمنا جميعاً، وبعدها لأهالي الشهداء الحق في تقرير ما يرونه مناسباً من خيارات تجبر ضرر مصابهم الفادح، دون إجبار وفرض خيارات باسم تحكيم ظاهره تسليم زمام الأمور إلى أهالي الضحايا، لتقرير حكمهم وباطنه إعدام للعدالة، وانتقاص حقوق المواطنين وكرامتهم وحقهم في الحياة والقصاص، بما يشجع المجرمين والقتلة على ارتكاب جرائمهم، طالما أن النتيجة ستكون عفواً وخلاصاً إجبارياً..
تعازينا لأسر الشهيدين الخطيب وأمان.. انتصارنا الوحيد لهم يكون بالانتصار للعدالة ضد أدوات القتل، ومنها “عرف التحكيم”..
****
انتشار السلاح هو الخطيئة، بل هو الجريمة الكبرى في البلاد.. ولا قيمة للإجراءات المهترئة التي تطبقها الأجهزة الأمنية والعسكرية المعنية بالحد من انتشار السلاح، طالما ترافقت بذلك القدر المهول والمخزي من الاستثناءات للميليشيات والنافذين والمرافقين، الذين يحضر كثير من قياداتهم بجلبة واستفزاز إلى مؤتمر الحوار المنعقد في موفمبيك، في ظل “إجراءات أمنية مشددة”.
هذه الحادثة، وغيرها، انتهاك صارخ لهيبة الدولة في المقام الأول، الدولة التي لم تستطع توفير أسباب الأمن لمواطنيها في مركزها.. الدولة التي لم توفر بعض هيبة وحزم يسترجعها أي متهور أو منفلت، ليفكر ملياً قبل أن يباشر جريمته ويطلق النار على أي إنسان بريئاً كان أو مذنباً.. الدولة التي باتت تلجأ لأدوات تغتصب هيبتها، وتنتهك صلاحياتها وسيادة العدالة والمساواة في أجهزتها بلجوئها إلى أعراف القبيلة ومن بينها التحكيم.
لا تحتمل البلاد مزيداً من الضحايا والدماء، والدولة تتحمل نصيباً من المسؤولية المباشرة في كل جرائم القتل التي تقع في البلاد شمالاً ووسطاً وجنوباً، ولا ينبغي توفير الحماية المفرطة لجماعة من المواطنين في موفمبيك، دون غيرهم، كذلك لا ينبغي انتظار ما يخلص إليه هؤلاء لتحقيق الدولة وحضورها -هذا إن فعلت- لأن غياب الدولة والعدالة وحضور السلاح سيكون له من الضحايا
ما هو كفيل بنسف كل الأحلام التي يتطلع نحوها المخلصون في هذا البلد.
لا بديل لغياب الدولة سوى حضورها، ولا حل يحمي المواطنين سوى مساواتهم أمام العدالة وفرض النظام والقانون على الجميع.

[email protected]

عن الجمهورية 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي