عن ليلة الوفاء للزعيم

كتب
السبت ، ٣١ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٢٠ صباحاً

بلقيس عبدالإله الشعبي

اكاد أجزم أن المخلوع علي عبدالله صالح لا يعرف على الإطلاق تاريخ ميلاده، وأتحداه أن يأتي بدليل يثبت أنه ولد في 21 مارس 1942. والحقيقة أنه زيّف كعادته تاريخ ميلاده، فسلوك التزييف عهدناه في سيرة حياته وحكمه.

والواقع أن من يعود إلى الأدبيات المطبوعة التي سجلت سيرته الذاتية خلال الفترة التي حكم فيها، سيجد تناقضات فاضحة، واستقر أخيراً على 21 مارس باعتبار أنه يصادف عيد الأم الذي لا يمكن أن ينسى، وقد اختير تكريماً للأم ووفاءً لها، ولعله لم يدر بخلده أن هذا اليوم يصادف أيضاً مفتتح فصل الربيع، فبينه وبين هذا الفصل كراهية منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي التي أسقطت الجملوكيات العربية وكان هو واحداً من رؤوسها المزمنين. أضف إلى ذلك إنه أتى من بيئة، وهذه حالة معظم اليمنيين، لا يوجد لدى أحد فيها شهادات ميلاد أصلاً، إلا في الفترة الأخيرة في بعض المدن، وباستثناء عدن من أيام الإنجليز حيث كان يتم تسجيل المواليد ومنحهم شهادات ميلاد.

وقليل جداً من أقرانه، وحتى عهد قريب، كان أقاربهم يسجلون تاريخ المواليد على هامش المصحف بالتاريخ الهجري. ولا أعتقد أن أحداً من أهل علي عبدالله صالح سجل تاريخ ميلاده ومن ثم جرى من خلال برنامج في الكومبيوتر مؤخراً تحويله إلى الميلادي، فإلى جانب أنه زيّف لنفسه تاريخ ميلاد، تنكر لبيئته، وليس عيباً أن يعترف بالواقع الذي يعرفه كل اليمنيين الذين ولدوا في الأربعينات وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين.

إنها عقدة النقص والتعويض النفسي، ولعلنا تذكر أنه أخذ يقلد صدام في الاحتفال بعيد ميلاده في بعض السنوات الأخيرة، فزيّف أولاً تاريخ ميلاد، ودعا مجاذيبه للاحتفال به، مع العلم أن هذه العادة جديدة على مجتمعنا، ولم يعرفها إلا صغار السن مؤخراً في المجتمع اليمني، أما من هم في سن المخلوع فهي مسخرة.

في محارم جملوكية النهدين وفي ميدان السبعين نظّم المخلوع حفل عيد ميلاده الذي يصادف الاحتفال به هذا العام بعد أن خلعه الشعب اليمني. لم يحضر المخلوع الاحتفال رغم أن العيال حشدوا قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي لتأمين المنطقة وأغلقوا شوارع عدة منعوا فيها المرور، وبالرغم أيضاً أنه يتمتع بحصانة قضائية من أي ملاحقة قانونية ضد ما ارتكب من جرائم بحق الشعب طوال فترة حكمه، وربما عمل حساباً إلى أن ما يرتكبه من جرائم بعد خلعه يتطلب الحيطة والحذر، فآثر أن يتابع الاحتفال من خلال قناته «اليمن اليوم» التي نقلت الحفل من خلال عربة النقل التي سرقها من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ضمن مسروقات عديدة.

ولأن شر البلية ما يضحك، فقد غصبت نفسي على المتابعة. «لفلف» لحضور ليلة الوفاء للزعيم المتردية والنطيحة وما أكل السبع، وتداول شر الدواب من مذيعين ومذيعات ومغنين وهتّيفة التسبيح بحمده، والحقيقة أن هؤلاء –بصرف النظر عن أي شيء- لا يستحقون اللوم أو الاحتقار، بل يستأهلون الشفقة وقليلاً من الشكر لأنهم أحسوا بالمعاناة النفسية لزعيمهم المحصّن ضد ما ارتكب من جرائم بعد أن خلع من الحكم، وعسى أن يأتي يوم ترتقي أحاسيسهم فلا يكون الوفاء لمن ارتكب المجازر ضد أبناء شعبه العزّل. وإن كان هناك من يؤكد أن مثل هؤلاء لا خير فهم، إنهم يميلون إلى من يشبههم، مثل هؤلاء الذين يؤيدون القتل والدمار والاختطاف والتعذيب والنهب والفساد أقل ما يمكن وصفهم أنهم فاشست.

يبعث له شخص من العائلة سيكوباتي مثله: يحيى محمد عبدالله صالح، ومن مرتكبي السوابق الإجرامية ضد الشعب وضد شباب الثورة السلمية، يبعث رسالة كتبها له أحد الأتباع وقرأتها مذيعة «عائدون عائدون».

إنها مجرد أوهام تستجيب لأوهام المخلوع الذي ما زال يتقمص دور الرئيس بعد أن جرى خلعه وبالصندوق وبالحصانة. كان أولى بأوفياء المخلوع أن يعرضوه على طبيب نفسي عسى أن يساعده على التخلص مما يعاني، ومن احتفاظه بدوافع إجرامية نخشى أن تقوده إلى المحاكمة أو إلى ما لا يحمد عقباه. وكل ربيع واليمن بخير.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي