المجد لتعز

كتب
الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٥٩ صباحاً

بقلم- محمود ياسين :

كنت أختزل تعز، وأنا طفل في رجاح، على أنها المكان البعيد الذي يوزع فيه كهول لحاهم بيضاء أرتالا من الشكلت والبسكت، لو قلت "الشوكلاتا والبسكويت" كان ذلك ليحول بيني وبين لعاب مجهالة رجاح يسيل على حرف الزاي الحلو في آخر اسم تعز، ويلونها بالأرجوانية، ذلك اللون الذي كان توقي الشكلاتي يلون به تعز دون أن أعرف أيامها كلمة "أرجواني". وكبرنا وتعز تتخصص أكثر في "هايل سعيد"، وتوقفنا أيامها عن نطق "جعصول" كلما أردنا من صاحب الدكان "نصف علبة أبو ولد". يرتبط ذلك الكيس المدور الشفاف النافذ الى أقراص "أبو ولد"، بفكرة المتاح النصفي والقسمة بين صاحبين قرويين يستذوقان البسكويت على المشهي النطقي لكلمة "جعصول".

بعدها تطورت تعز الى حالة من الاستشفاء لمرضى بلادنا المتطلبين المتعالين نوعا ما على طبابة إب، وكانت بنية تأتي من تعز الى عند خالها الذي منا، ونجدها ترتدي البلوزة والتنورة، وتبتسم بحرية، متجاوزة للوجود الوجل في مشية بنات قريتنا، ورجائهن حسن الختام ولم يتجاوزن الـ15 بعد، بينما كانت أحلام التعزية تحرجنا بحفظها للنكات، وإيماءاتها، ووجودها المتأنق العزيز الذي ليس في المتناول، مثيرا فينا إحساسا بفوات دنيا تمر متجنبة طبعنا القروي الأخرق في الصفوف الأولى من الدراسة، إذ كنا أيام زيارات أحلام ما بين الصف الثالث والرابع، بينما كانت هي في صف سادس، ومختصرة هكذا، وحاضرة، وأصغر من بعضنا سنا، كأن أحلام قفزت من أحد المسلسلات المصرية التي كانت تدور خلف شاشة التلفزيون 17 بوصة.

كانت تعز في مرحلة ما، قد نجحت في الإفلات من المزاج اليمني الكابي، ضمن اتكائها على محاكاة مزاج عدن العائد من التجول المزاجي بين مناطق القابلية للتطور بدون اكتراث لبرميل الشريجة. وكان التعزي أيامها ابن مدينة بامتياز، قبل أن نتعلم ملامسة تعز من خلال أصابع السياسة.

يرتكب منير الماوري خطأ فادحا إذ يقارن بين شوقي هائل وحميد الأحمر، معتمدا على المعيار الثوري بين رجلي أعمال يمثل كل منهما هوية عائلية لها اسم مؤثر في الوجدان اليمني.

المعيار الثوري لم يعد بيد الثورة أولاً، وليس صالحاً للاستخدام في تقييم الخير والشر من أحداث تعز الآن.

لا أدرك شخصيا ما يحدث الآن في تعز، ولا ماهية الخصومة بين الإصلاح وبيت هائل الآن.

وإذا كان عليّ الانحياز ومنح الثقة المبدئية، فسأمنحها لشوقي، وليس لحميد؛ للمدني وليس للقبيلي، لمنتج "أبو ولد" ابن الحاج، وليس للنخاط ابن الشيخ. أنا لا أكره حميد، لكنني أيضا لا أثق به، ولا أقارنه بشوقي، وإن احتفظت بتساؤلاتي حول بعض أخطائه التي يمكنني مناقشتها معه دون أن أخشى المرافقين.

الإصلاح ليس الشيطان الذي هبط من مغارته على ليل تعز الآن، وشوقي ليس الملاك التعزي، ولا روح الأب الطاهر الذي تتجلى فيه روح تعز المدنية حد الكمال.

الإصلاح موجود في تعز قبل هذه الصرخة التي استجلبها على نفسه، مانحا لتعز السبب الأمثل لاختلاط صوتها الصادق الممتلئ بالغوغائي المستعذب للعبث بوجه حزب قوي ويتصرف بسذاجة، جاعلا من نفسه خصما للمدنية، وللحقوق، ولتعز.

إن غوغائية العمل الإصلاحي وخياراته في تعز، وسوء التوقيت والتهافت، شكلت في مجموعها صورة لشوقي، غير صورته الحقيقية تماما. هو أفضل من حميد الأحمر، لكنه ليس البانديت نهرو الذي يخص تعز. ولقد أصبح على الإصلاح التوقف فورا عن منح وجوده لكل هذا القدر من الهزء، وليكف عن كونه أضحوكة، إذ يحشد كل إمكاناته لمواجهة محافظ لم ينجح كما كان متوقعا، لكنه أقل سوءا من خيارات الإصلاح.

ليس كل من التقط أخطاء شوقي إصلاحيا، وما كان على الإصلاح الزج بنفسه الى هذا الخندق الغبي.

كان واضحا من أول يوم أن الإصلاح اختار الشخص الخطأ والمعركة الخطأ في المحافظة القلب.

الناس يحبون بيت هائل، وأغلب الأصوات المثقفة في رمزية تعز وتفوقها، أغلبهم لا يحبون الإصلاح.

"الفيسبوك" مقياس مهم جدا يا إخوة، توشكون كحزب على أن تظهروا في مواجهة مباشرة وتاريخية مع تعز.

حتى بمعيار البراجماتية السياسية والتخطيط المحض، لا تقاتل خصما يحظى ببعض الحب.

روايتي الضائعة "قبل أن أقتل رويدا"، وجدتها الآن في تعز.

هي الآن بيد صديقتي هناك.

كنت قد أرسلت إليها المسودة الأولى، ونسيت.

المجد لتعز.

- الأولى-

الحجر الصحفي في زمن الحوثي