ابتسامة مبارك الشامتة بالثورة

كتب
الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٨ مساءً

 

 

 

عولنا، وما زلنا نعول كثيرا على الثورة المصرية، التي اطاحت بديكتاتورية الفساد في مصر، ولكننا نعترف باننا نشعر بالقلق والخوف على هذه الثورة، كلما طال امد حالة انعدام الوزن التي تعيشها مصر حاليا، حيث تبدو سفينتها تائهة، وربانها عاجزا عن السيطرة عليها في مواجهة الامواج العاتية.

من شاهد منظر الرئيس المخلوع حسني مبارك وهو في ابهى حلته، يحيي انصاره من خلف القضبان، الذين كانوا اكثر عددا وصراخا من اهالي الشهداء للمرة الاولى منذ بدء المحاكمات، يدرك جيدا حجم الفارق الكبير في النظرة الى هذا الرجل، مثلما يدرك في الوقت نفسه حجم التغيير الذي طرأ على البلاد والمزاج الشعبي العام فيها، بعد عامين من اندلاع شرارة الثورة.

مبارك بدا في قمة الثقة، وعلامات الثقة والارتياح بادية على وجهه، ووجهي نجليه اللذين وقفا الى جانبه في القفص يهمسان في اذنه بين الحين والآخر، مصدر الثقة ليس الاطمئنان فقط الى امكانية اخلاء سبيله لاسباب قانونية بحتة، وليس لبراءته من التهم التي حبس احتياطيا بسببها، وانما لتدهور الاحوال الامنية والاقتصادية والاجتماعية في مصر الثورة.

مصر تعيش حالة من الضياع وعدم الاستقرار، فالنخبة السياسية التي وحدتها الثورة وفساد النظام السابق باتت تتقاتل فيما بينها، وتكره بعضها البعض اكثر من كرهها للنظام السابق، بل لا نبالغ اذا قلنا انها نسيت ذلك النظام، او تناسته، في غمرة اعمال الشحن التحريضي، من خلال وسائل اعلام محسوبة على هذا الطرف او ذاك.

لا نعرف مشاعر اهالي الشهداء وهم يستمعون الى القاضي يوم امس ينطق باخلاء سبيل مبارك من التهمة الاساسية التي جرى حبسه احتياطيا من اجلها، اي المسؤولية الاولى عن قتل هؤلاء، او عندما شاهدوا الفرحة على وجوه انصاره في المقابل، لكنه يوم كئيب بالنسبة اليهم دون ادنى شك.

‘ ‘ ‘

للمرة الاولى، ومنذ نجاح الثورة المصرية قبل عامين، تتزايد وتيرة المقارنات التي تخلص الى نتيجة الترحم على حكم مبارك، والاشادة بـ’انجازاته’ في حفظ الامن وتحقيق الامان للشعب لاكثر من ثلاثين سنة، ونمو اقتصادي ناتج عن استقرار وتدفق الاستثمارات الخارجية، وان كان هذا النمو انحصر في اوساط القطط السمان والطبقة الطفيلية المحيطة بهم ولم يصل الى الشعب الذي عاش اكثر من نصفه تحت خط الفقر وما زال.

النخبة السياسية بشقيها الاخواني الحاكم وجبهة الانقاذ المعارضة، تتحمل المسؤولية الكبرى عن هذا الصعود المتسارع لانصار الحكم السابق، وتدهور الاوضاع الامنية والاقتصادية في البلاد، عندما فشلت في الاتفاق على خريطة طريق تقودها، اي البلاد، الى بر الامان، وتقديم مصلحة مصر على كل اوجه الانانية الحزبية والشخصية التي تجلت في ابشع صورها في التنافس على الحكم.

حركة الاخوان تتحمل المسؤولية الاكبر لانها فشلت في التعايش مع الآخرين، بمن في ذلك المقربون منها مثل التيار السلفي، وعجزت كليا، عن ادارة دفة الحكم بطريقة عصرية حديثة، من خلال وزارة قوية من اهل الخبرة والتجربة.

وجبهة الانقاذ تشارك بحسن نية او سوئها، في حالة الانهيار التي تعيشها البلاد، لان كل همها بات محصورا في افشال الرئيس مرسي، وحكومته، من خلال تصعيد حالة التوتر، وهز الاستقرار، بل وفي بعض الاحيان مطالبة بعض احزابها بتدخل المؤسسة العسكرية واعلان حالة الطوارئ.

مبارك اذل الشعب المصري، وهمش دور بلاده، وفرط بسيادتها، وهز صورتها، وحولها الى تابع لقوى ومصالح اقليمية وخارجية، وسلم الحكم وادارة شؤون البلاد الى نجل ارعن، ومجموعة من الانتهازيين، الذين لا يجيدون الا شيئا واحدا هو نهب عرق الفقراء والبسطاء والمحرومين.

لو كان حكم مبارك رشيدا مثلما يطالب بعض انصاره والمطبلين لنظامه، في بعض وسائل الاعلام، لما خرج ملايين المصريين الى الشوارع للمطالبة باسقاطه والقصاص من كل رجالاته الذين عاثوا فسادا في الارض.

‘ ‘ ‘

مصر تواجه اخطارا كبيرة هذه الايام، ابرزها الخطر الطائفي الذي تنفخ في قربته قوى عديدة داخلية وخارجية تريد اشعال فتنة طائفية في مصر على غرار ما حدث في العراق، وما يحدث في سورية، وبما يؤدي الى تحويلها الى دولة فاشلة بحكومة ضعيفة.

ثلاث دول رسمت تاريخ المنطقة العربية لالاف السنين، وهي مصر والعراق وسورية، وقد جرى تدمير الدولتين الاوليين، وهناك من يتطلع الى تدمير الثالثة والمؤشرات كثيرة في هذا الصدد.

نتمنى على المعارضة والسلطة في مصر ان ترتقيا الى درجة الوعي الكافية بما يمكنهما من ادراك ابعاد المخطط المرسوم لبلدهما، حتى لا ينزلق الى هاوية بلا قاع حيث قد يتعذر الانقاذ.

السلطة في مصر اضعف من ان تكسر المعارضة، واقوى من ان تهزم وتخسر الحكم الذي وصلت اليه، اتفقنا او اختلفنا، عبر صناديق الاقتراع، في انتخابات حرة نزيهة وشفافة. مما يعني ان الجانبين بحاجة الى وقفة جادة.

نأمل الا تكون ابتسامة الرئيس مبارك اثناء مثوله امام المحكمة بعد اسبوعين اكبر من ابتسامته الاخيرة، مثلما نأمل ان يكون عدد اسر شهداء الثورة اكبر عددا، واكثر تذكيرنا بحكم هذا الرجل الديكتاتوري الفاسد.

نكتب عن مصر لانها القاطرة لهذه الامة، ومركز الثقل فيها، وعنوان الخلاص لنا جميعا، والشعب المصري في مقدمتنا.

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي