الخارطة السياسية بين اليوم والأمس

كتب
الخميس ، ٢٨ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٢ صباحاً

 

د. عبدالله أحمد الذيفاني 

القلب يتفطر اليوم حسرات على الخارطة السياسية اليمنية التي تشكلت في فترة مبكرة من النصف الثاني من القرن العشرين، وكان تشكلها على أساس قضايا وهموم وطنية وقومية وإنسانية، ولم يكن تشكلها قروياً بأي حال من الأحوال، أو محلياً على مستوى محافظة أو محافظات، بل كان التنافس بينها على أشده في تبني القضايا الوطنية، والتفاعل مع القضايا القومية، واعتبارها من صلب قضاياها، والمساندة والدعم للقضايا الإنسانية في كل بقاع الأرض، في ظل الانتصار لحركات التحرر العالمي، وكان الإسلاميون يعدون قضايا الأمة الإسلامية هي قضاياهم وأقطارها المسرح الذي يتبارون فيه وعليه وتتضمنه خطاباتهم أو خطابهم السياسي والثقافي والفكري. 

وعلى ذات القدر من الاهتمام كان الخطاب الاشتراكي، الذي امتد إلى كل مناطق العالم لمواجهة الإمبريالية العالمية، والقوى الرأسمالية التي تقتات على معاناة الشعوب والكادحين، وتمارس ضدهم أصناف القهر والتهميش والإقصاء والعزل الاجتماعي والسياسي، وبالمثل كان خطابهم للرجعية العربية التي هي جزء من الإمبريالية والرأسمالية العالمية، وخادمة لمصالحها، وهي بهذا تشكل عقبة كؤوداً في طريق التحرر والانعتاق، وعلى ذات الصعيد كان القوميون ينظرون إلى العالم على هذا النحو من التوصيف، فكانت الإمبريالية العالمية خصمهم، وكانت الصهيونية عدوهم الغاصب لقلب العروبة وعنوانها «فلسطين» وكانت الرجعية العربية بوابة الغزو ورافعة المشروع الصهيو-أمريكي، وهي الخصم للأمة العربية وتوحدها وانعتاقها. 

تلك هي الأيديولوجيات الثلاث الرئيسة، التي إن فندنا خطابها سنجدها تتفق على أن خصمها الحقيقي هو القادم من خلف الحدود، وأن طموحها وغايتها انتشال الأوطان من تخلفها وأوضاعها المتردية بسبب الرجعية العربية وأسيادها، ولم نجدها على الإطلاق قد حملت مشروعاً صغيراً يدعو إلى مناطقية أو طائفية أو مذهبية، فماذا جرى اليوم؟ ولماذا هذا التراجع في خطاب البعض من الخطاب الذي رفعوا فيه طويلاً رايات القضايا الكبرى، إلى خطاب قضايا نزلوا بها إلى مستويات صغيرة، صغيرة لا تتناسب وطبيعة تكوينهم، وحجم الموروث الذي يقفون عليه افتراضاً بحكم تاريخهم وفكرهم السياسي وقناعاتهم الثقافية والاجتماعية لا يسقط في قناعاته وخطابه السياسي كبيراً مهما ادعى، فالسقوط دائماً يقع فيه صغار النفوس، وضعاف العقول، والباحثون عن الضوء بسرعة، واللاهثون للصفوف الأولى بدون مؤهلات. 

من هنا يلمس القارئ لتاريخ الحركة السياسية اليمنية أن الكبار لم يترددوا عن تقديم تضحيات جسام على طريق القناعات التي تملكتهم، والخطاب الذي آمنوا به، فصار بعضهم في رحاب الله شهداء، وبعضهم مخفيين قسراً من عقود، وبعضهم يقبضون على الجمر في مواجهة الصواعق والمحدثات القيمية التي تستهدف ما يسكن أعماقهم ويتجذر في عقولهم ودواخلهم، ولا يجدون غضاضة في الاستمرار بمواقفهم الصلبة المنتمية لليمن الأرض والإنسان. 

أما الضعفاء الواهنون، الباحثون عن «الأخضر» القادم من وراء المحيطات، أو من الشرق أو من الصحراء، فهم يتقلبون بلا لون ولا طعم ولا رائحة، سوى لون الارتماء في أحضان الخطيئة الأيديولوجية، والزيف الشعاراتي، فنجدهم فراشات تتطاير وتتحلق حول الضوء، فتقع ضحية هذا التطاير، وتموت قيمياً، وسياسياً ووطنياً على ضوء لا حقيقة له على الواقع، ويصيرون في زوايا مظلمة في التاريخ، تحيطهم أعمال سلبية، وأفعال مدانة، منها إدخال الوطن في أنفاق وظلمات الفرقة والاختصام والاختلاف التي ما أنزل الله بها من سلطان. 

مثل هذه الخاتمة تستوجب على كل من قدم في سنوات عمره السياسي الأولى صفحات حسبت على الوطن أن يعودا إلى تلك الصفحات ويعملوا على الإكثار منها، وأن لا يكابروا في خندق الزيف، و«الغدرة»؛ لأنه خندق لا يمكن لهم مغادرته، فقد يكون «قبرهم» وموطن خلاص الوطن منهم. 

- إن الإمبريالية العالمية، ستظل خصماً لكل متطلع للحرية. وأصحاب المشاريع الصغيرة سيظلون خصوماً لقيم المواطنة والانتماء. 

- الامتداد إلى الخارج تحت أي مسمى وذريعة سيظل امتداداً غير ذي مشروعية، وخصماً لاستقرار الوطن وأمنه وحياته الكريمة. 

فهل نتوقع مراجعات، ونتوقع ولادة الكتلة التاريخية التي قضى لأجلها شهيدنا جار الله عمر، وظل يدعو لها حتى فارق حياة الافتراق والادعاء والزعم التي تعيشها القوى السياسية اليوم. 

والله من وراء القصد.. 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي