الثورة اليمنية في العام الثالث

كتب
الخميس ، ٢١ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٥٣ صباحاً

بقلم: فواز طرابلسي _

الحدث الأبرز المرافق لدخول الثورة اليمنية عامها الثالث هو الإعلان عن تشكيل مؤتمر «الحوار الوطني» من 565 عضواً يفترض أن تبدأ جلساته منتصف الشهر المقبل. تولت التحضير لجنة برئاسة عبد الكريم الأرياني، القيادي المخضرم في «المؤتمر الشعبي» الذي يرئسه علي عبد الله صالح ويشارك السفير الأميركي في اجتماعاتها. لم تتقدم أحزاب عدة بعد بلوائح مندوبيها إلى المؤتمر ومن قدّم لم يتقيّد بالنسب المعتمدة: 50 % لتمثيل المحافظات الجنوبية، 30 % لتمثيل النساء و20 % لتمثيل الشباب (وحده الحزب الاشتراكي اليمني التزم بهذه النسب).
كان من المفترض أن يبدأ المؤتمر أعماله قبل نهاية 2012. عُزي التأجيل إلى الوضع الأمني ـ خصوصاً العمليات ضد «تنظيم القاعدة» في المحافظات الجنوبية ـ وإلى عدم استكمال هيكلة القوات المسلحة. أدى الترحيل إلى تفاقم الاحتقان لدى كل المكوّنات المعنية بالثورة وأبرزها «الحراك الجنوبي» الذي أطلق يوم 13 يناير الفائت تظاهرة مليونية تؤكد إلحاح معالجة المسألة الجنوبية والتفاف جماهير واسعة من الجنوبيين حول الدعوات إلى الانفصال من دون أن تنجح قوى «الحراك» مع ذلك في الالتقاء على حل مشترك للمسألة الجنوبية أو قيادة مشتركة.
سوف يباشر مؤتمر الحوار الوطني أعماله مع أن عملية هيكلة قواته المسلحة لم تستكمل بعد. فرغم إقالة عدد من القيادات العسكرية والأمنية، من أبناء علي عبد الله صالح وأقربائه، لا يزال الحرس الجمهوري (الأكبر من الجيش نفسه) والأمن المركزي والقوات الخاصة تحت نفوذ الرئيس المخلوع. إلى هذا تضاف عقبة أخرى هي التنافس على النفوذ في القوات المسلحة، وفي السلطة، بين
رئيس الدولة عبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر، قائد اللواء أول مدرّع، الذي انحاز إلى الثورة في ربع الساعة الأخير.
عيّن موعد بدء جلسات المؤتمر في 18 مارس المقبل، في ذكرى مجزرة «جمعة الكرامة» التي نفذها قناصة علي عبد الله صالح بمعتصمين يطالبون برحيله في «ساحة التغيير» بصنعاء وذهب ضحيتها خمسون شاباً. لن يغطي هذا التنازل الرمزي على حقيقة أنه لم يعتقل ولم يحاكم أحد من مرتكبي المجزرة المعروفين، ولا على عدم إطلاق سراح المعتقلين من شباب الثورة، مع أن «المبادرة الخليجية» تقضي بأن يخلي الشباب الساحات. حفز هذا دورة جديدة من الحراك الشبابي بتنظيم احتجاجات واعتصامات تطالب بإنهاء عسكرة الجامعة وإخراج القوات المسلحة من المدن ورفع الحصانة عن الرئيس المخلوع وبطانته وتقديمه للمحاكمة واستكمال هيكلة الجيش وتوحيده وخضوعه للسلطات الشرعية. وتدعو تنظيمات شباب الثورة إلى مقاطعة أعمال «مؤتمر الحوار» إن لم تتحقق تلك المطالب.
حرصت الأمم المتحدة، إذ دعت للمؤتمر ودعمته، على تسمية علي عبد الله صالح ونائبه السابق علي البيض، مسؤولَين عن عرقلة مساعي الحوار: الثاني بسبب رفضه المشاركة في الحوار، والأول لعدم مغادرته صنعاء، ويبدو أنه رضخ أخيراً بإعلانه أنه سوف يغادر خلال انعقاد المؤتمر بحجة العلاج.
على جدول أعمال المؤتمر ثلاثة بنود رئيسة هي صياغة الدستور، والبحث في هيكلة الدولة، والقضية الجنوبية. المتوقع أن تثير صياغة الدستور الأسئلة الحيوية ذاتها، المثارة في كافة الدساتير قيد الصياغة في المراحل الانتقالية العربية الأخرى عن طبيعة النظام ـ جمهوري أم برلماني أم مختلط؟ ـ وموقع الشريعة من الدستور. على أنه يمكن إجمال هذا البند مع البندين الثاني والثالث، ما يثير مسألة إعادة تركيب الدولة اليمنية بكيانها والمؤسسات بعد أن أدى الحكم الفردي الاستبدادي والمركزية الحصرية لصنعاء إلى ما أديا إليه من حروب ومشكلات وما استثاراه من ردود أفعال جهوية. في الوقت الضائع، أخذ «أنصار الله» من الحركة الحوثية، يتمددون نحو صنعاء وباتوا يملكون جيشاً صغيراً ذا سلاح متطور في صعدة. على أن الاستعصاء الأكبر يتعلق بالمسألة الجنوبية حيث إن معظم القوى الشمالية الرئيسة لا تزال تتمسك بالهيمنة على الجنوب تحت ادعاء الحفاظ على الوحدة. في المقابل، تتنافس ثلاثة مقترحات: المقترح الأول يدعو إلى استعادة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية التي كانت قائمة إلى العام 1990. ويقول المقترح الثاني بحل فيدرالي بين الشمال والجنوب، يطرح على استفتاء شعبي لتقرير المصير بعد سنتين من اختباره. ويقول ثالث اقتراح بإعادة الهيكلة على أساس فيدرالي في أقاليم عدة لكل اليمن بحيث تشرك صعدة وتعز في الحل، والأخيرة إحدى أغنى مناطق اليمن وأكثرها تطوراً وأبعدها عن المشاركة في القرار السياسي. وجدير بالذكر أن دعاة الحلين الأول والثاني من قادة جمهورية اليمن الديموقراطية سابقاً يعلنون مقاطعة أعمال المؤتمر ما يضع علامات استفهام على مدى قدرته على الإقلاع أصلاً.
«في اليمن لا توجد ثورة. توجد حركة تغيير»، هكذا لخص رئيس الدولة عبد ربه منصور هادي الوضع في بلاده في الذكرى الثانية للثورة. أين التغيير؟ لم تخطئ «الواشنطن بوست» إذ لاحظت أن يمن «المبادرة الخليجية» لا يزال تحت سيطرة الأسر التي كانت حاكمة في عهد علي عبدالله صالح. فات اليومية الأميركية أن تضيف أن أسر المجمّع السياسي ـ العسكري ـ القبلي تسيطر أيضاً على الاقتصاد والثروة النفطية.
أما عن الثورة، فتقدّم اليمن نموذجاً لتعاطي الردة الأميركية ـ الخليجية مع الثورات العربية: الدعوة لتنحي الرئيس لنائبه، تشكيل حكومة ائتلافية تقوم على مناصفة في الشكل، وهي مختلة في المضمون، إضافة إلى أنها فاقدة للصلاحيات، باعتراف رئيسها محمد سالم باسندوه في حديث تلفزيوني أخير. وفي الآن ذاته، الميل نحو «حزب الإصلاح اليمني» بما هو الطرف الإسلاموي الوسطي، رغم وجود جناح جهادي فاعل فيه بقيادة الشيخ عبد المجيد الزنداني، والحفاظ على القاعدة العسكرية للنظام السياسي، بالحجة إياها ـ الحرب العالمية ضد تنظيم «القاعدة»، وأخيراً وليس آخراً تسريح قوى الثورة الحية، أي مستقبل اليمن، وإخراجها من دوائر الفعل والتأثير، إلخ.
بقي التذكير بأن الوصاية الأميركية السافرة والهيمنة المالية والسياسية والطائفية للعربية السعودية، تشجعان الأطراف المتضررة ـ في الحركة الحوثية والحراك الجنوبي خصوصاً ـ على استدراج التدخل الإيراني وقد تكشّف في الأسابيع الأخيرة، أن هذا التدخل يشتمل على تهريب السلاح أيضاً.
يبدو أن ما من أحد يتعلّم من أخطاء سواه بالنسبة لمآسي الاستقواء بالخارج على الخصم، فهل تعتبر المعارضة السورية مما تحمله التجربة اليمنية من عِبَر ودروس؟

الحجر الصحفي في زمن الحوثي