بلطجة مخملية !!

كتب
السبت ، ٢٤ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٥٥ مساءً

بقلم  / نبيلة الوليدي

عندما بدأت ثورة "تطهير المؤسسات" انطلقت موجة من الاعتصامات حول العديد من المؤسسات الحكومية التي يتسلط عليها المدراء الفاسدون من أذناب الحكم العائلي الفاسد..

بدت ثورة التطهير كأنها روح تسير الجميع لاقتلاع الفساد في مسيرة ملهمة..

وقد عد المراقبون للمشهد اليمني ثورة تطهير المؤسسات خطوة تصعيدية قاصمة لغول الفساد المستشري في مؤسسات البلد. تنبه الناس بعد الثورة بعدما فوجئوا بأن جميع المراكز المفصلية في الدولة وكافة المديريات وحتى إدارات المدارس كانت لا تعطى إلا لأنصار النظام وكل من يناهضه يتم إقصائه أولا بأول.

كانت البداية في مؤسسات الدولة. ثم جاء دور المدارس.خرجت التلميذات في مدرسة أسماء الأساسية على مديرة المدرسة التي كانت تمارس عليهن النظام الدكتاتوري ذاته الذي مارسه "صالح" على شعبه لعقود من الزمن..

وإبان الثورة شحذت هذه المديرة "الصالحية" مخالبها وأبدت شراسة لاحدود لها مع كل طالبة أبلغتها جواسيسها بأنها من مؤيدات الثورة السلمية !

اعتصمن التمليذات في ساحة المدرسة وطالبن بإعفاء المديرة التي تسمرت على كرسي الإدارة لمدة(30عاما) من منصبها.

صدر قرار من مدير التربية بتسليم المديرة المدرسة لمن ينوب عنها وحولت القضية للمديرية للنظر في تظلم الطالبات، وتهيئة الأجواء لإكمال امتحانات النصف الأول من العام. ترى ماذا كانت ردة فعل المديرة ؟

أنتم بالتأكيد توافقوني بأن أي تربوي حري به في هكذا موقف مراعاة الوضع وفسح المجال لتلاميذه ليمارسوا العملية الاختبارية بأجواء رائقة غير أن المديرة المحترمة تصرفت بأسلوب ليس بعيدا عن أسلوب سيدها الذي غرزها في هذه المدرسة رغم عدم استحقاقها وضعف قدراتها فقط لأنها من أتباعه المخلصين المتعبدين في محراب محبته.

لقد رمت بقرار الإدارة وراء ظهرها وجاءت في اليوم التالي إلى المدرسة بصحبة حراسة مسلحة "بلطجية" وعندما هاجت التلميذات من سلوكها قامت بإجبارهن على مغادرة حرم المدرسة بالعصى الغليظة. وتطايرت أعيرة النار من حول الصغيرات وكتمت أصواتهن المطالبة بالتغيير بالغازات السامة ودفعن عنوة لخارج المدرسة وأوصدت الحراسة المسلحة بوابة المدرسة. لن يدخل إلا من يؤيد المديرة ويرضخ لقراراتها !

تتشابه النظم الديكتاتورية في كافة مستوياتها وتلتقي سلوكياتها الصغيرة سواء في الحواري والأزقة أوفي معاقل العلم. إنهم متشابهون.. أينما كانوا يتنفسون هواء التسلط وينفثونه جبروتا على من تحت سلطتهم.

ذهبت جموع الثائرات في اليوم التالي لتقف وقفة احتجاجية أمام المحافظة. تنادين لنصرة التلميذات ومعلميهن المغلوبون على أمرهم أمام نرجسية المديرة  وجبروتها. وصلنا لبوابة المدرسة في الثامنة صباحا.كانت التلميذات المقصيات خارج حرم المدرسة تنظم صفوفها لتسير نحو المحافظة للوقفة الاحتجاجية. فتيات صغيرات وشابات يافعات "متوسط وثانوية" الجميع يقف صفا واحدا..

كانت إحداهن تحمل مكبر صوت يعمل بالبطارية و هتفن بصوت غاضب " إرحلي أمة الرحمن "لم نعد نرضاك مديرة لنا..

سرت بين جموع الطالبات استوقفت بعضهن وسألتها : لماذا تناهض مديرتها؟ زفرت زفرة حرى وقالت: في قلبي نكت سوداء  كثيرة ماذا عساي أقول لك؟!!

قلت: أريد نكتة سوداء واحدة. نظرت الطالبة نحو السور العالي والبوابة الحديدية الموصدة في وجوهنا، ورفعت وجهها المسفرة عنه نحو السماء ولذعتها حرارة الشمس فأخفضت وجهها وقالت: إن تأخرت دقيقة واحدة عن الطابور ولو لسبب وجيه منعتني الدخول ومنعتني الذهاب للبيت تفرض علي إقامة جبرية أمام الباب حتى ترضى عني، ثم تدخلني وتفرض علي عقوبة مالية وإن قلت لها لا أجد أخذت بيدي وسارت بي على الفصول "تتسول" بي قائلة: تبرعوا لها!!

تفعل هذا بنا جميعا وقالت أخرى: العقوبات المالية تفرض جزافاً على كل شيء وأي شيء وليس لنا الاعتراض، وانبرت إحدى الأمهات قائلة: وأما السباب التي تكيله للبنات فأخجل أن أردده على مسامعك.. والترفيع للدرجات برشوة والشكاوى الكيدية بمن يخالفها من طاقم التعليم...

وحتى تحريض البلاطجة لمضايقة الثائرات !!..

مرت ساعة ونحن وقوف ننتظر خروج بقية التلميذات. خرج البعض منهن وركبن سيارات أولياء أمورهن ومضين.

رمتهن  زميلاتهن بنظرات عتاب.. وبعدها خرجت مجموعة أخرى وانضمت للمعتصمات. اقتربت من إحداهن وسألتها: لماذا لم تقاطع الاختبار كما فعلن صويحباتها؟ أطرقت بوجهها خجلا وقالت بصوت مبحوح :أهلي أجبروني على ذلك قالوا اعتصمي كما تشائين ولكن اختبري !!

طوال الوقت كانت تدور مناوشات كلامية بين أمهات الفتيات المعتصمات وبعض البلطجية المأجورين الذين يحيطون بموقع الاعتصام والذين جلبتهم المديرة للتحرش بالفتيات وتفريقهن.نظرت إلى بعضهم.. كان أسوئهم.. يحمل السلاح !

وبعضهم كانوا صغاراً في السن "قبل العشرين!" ظلوا يراقبوا إحدى الفتيات المعتصمات وهي تلوح بيدها، تحمل  لوحة مرسوم عليها "كاريكتر" للمديرة والبلطجية.. تصور المشهد بريشة رسام هزلي فنان ثائر..

أخذ البعض من هؤلاء البلاطجة يدقق النظر في هذه اللوحة اقترب من ولي أمر إحدى الطالبات وهمس له بشيء.. بعد قليل رأيت ذلك الرجل يتناول اللوحة من يد ابنته ويعطيها لهم.. تجمعوا حولها وبدأ بعضهم يشير للوجوه المرسومة فيها ويضحك وهو يقول للأخر: انظر إليه إنه يشبهك والأخر يفعل ذات الشيء وبدأوا جميعهم يضحكون. لقد عرفوا أنفسهم جيدا !

مرت لحظات.. خرجن جميع الفتيات وجاءت بقية الأمهات وسرنا نحو مبنى المحافظة.. المدهش أن أولئك البلاطجة الصغار رافقونا! لا يبدوا أنهم يضمرون لنا سوء!!

بدوا شعثاً غبراً جياعاً.. بكم استأجرتهم هذه المديرة "الصالحية "؟؟

في الحقيقة كان سيرهم معنا سبباً في زيادة حجم المسيرة..!!

ليست البلطجة المؤذية حمل سلاح والتجمهر حول الثوار لمحاولة إرعابهم. أو رشق الرصاص في الهواء..وتبادل الأعيرة النارية طوال الليل دون سقوط ضحايا كما يحدث كل ليلة في "تعز" البلطجة الحقيقية تحاك فصولها السوداء على أرائك مخملية !!

وصلنا لأمام مبنى المحافظة تجمهرت التلميذات وسط الشارع قبالة بوابة المحافظة وقطعن الطريق العام وبدأن بالهتاف.. بعد لحظات وصلت مسيرة أخرى من مؤسسة ثانية.. وثالثة.. جمهرة كبيرة.. انتصف النهار وقويت أشعة الشمس سقطت إحدى التلميذات مغشى عليها..

سارعن زميلاتها بإسعافها.. لن يعرف أحد ألم ذلك إلا بعد ذوقه. لقد سارت لمسافة طويلة وهي تهتف دون تناول وجبة الإفطار ولا حتى شربة ماء.

بعدها غادرت الجمهرة مجموعة من الثائرات.. ثمة فعالية ثورية في مكان آخر..

مازالت المعركة بين التلميذات ومديرة المدرسة قائمة حتى لحظة كتابة هذا المقال.لقد أغلقت المديرة المدرسة وأخذت المفاتيح معها!!

تعطلت الدراسة لأجل غير معلوم !!

وحتى الساعة مازلن التلميذات معتصمات ومازالت المديرة متشبثة بكرسي الإدارة  لم يستطع الرئيس "عبدربه" نزعها ولا المديرية التحقيق معها !!

ليس لأحد أن يتسائل بعد هذا لماذا لايزال الثوار يفترشون الساحات ؟!!

نقلا عن البيان الاماراتية

تتبع يمن فويس النسخة الانجليزية – اضغط هنا

الحجر الصحفي في زمن الحوثي