العدالة الجنائية، كتدبير من تدابير العدالة الانتقالية

كتب
السبت ، ١٢ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٣:١٠ صباحاً

بقلم: المحامي هائل سلام -

العدالة الانتقالية، بالتعريف، هي مجموعة من التدابير القضائية، وغير القضائية التي تلجأ اليها الدول التي تعيش مراحل انتقالية نتيجة ثورات شعبية، او حروب اهلية. بغية التخلص من ماضي الانتهاكات والجرائم لضمان مرور تلك الدول، الى المراحل الديموقراطية الدائمة، متخففة من ارث ذلك الماضي.

وهذه التدابير تشمل: العدالة الجنائية، جبر الضرر وحفظ الذاكرة الجمعية، الاصلاح المؤسسي لضمان عدم تكرار الانتهاكات مستقبلا..الخ.

وعلى ان تدبير العدالة الجنائية هذا، هو تدبير اساسي يتعين على اي تشريع للعدالة الانتقالية ان يتضمنه وجوبا. وبدونه فلا عدالة ولا انتقال. ذلك ان تدبير العدالة الجنائية هي العدالة اساسا. اما وصف (الانتقالية) فعائد الى المرحلة، وليس الى العدالة نفسها، التي لا يتغير جوهرها، كقيمة عليا، باي حال من الاحوال. والتدابير الاخرى ليست سوى اجراءات تقتضيها المراحل (الانتقالية)، التي قد يصعب، بسبب طبيعتها الخاصة، تطبيق العدالة، بنمطها الجنائي المعتاد، كتدبير وحيد، حسبما هي عليه في الظروف العادية.

ومرد ذلك الى ارتباط العدالة، عموما، بحقين اصيلين، من حقوق الانسان، هما الحق في القصاص، والحق في اللجوء الى القضاء. وهما حقان تكفلهما الشرائع السماوية، والقوانين الوضعية كافة. وبحيث لايمكن، لأي قوة على الارض مصادرتهما او الحرمان منهما. ولا يجوز التنازل عنهما الا ممن يملكهما. وهو، هنا، الضحايا، او ذويهم، حصرا وقصرا.

وعدم جواز المساس بهذين الحقين، كأصل ثابت، يقتضي، ضرورة، ادراج العدالة الجنائية كتدبير اساسي، في اي تشريع للعدالة الانتقالية. لإتاحة الفرصة لكل من اراد التمسك بذينيك الحقين.مع اشاعة تدابير اخرى، بطبيعة الحال، تدفع ،ترغب، تشجع، وتغري، الناس بالتنازل، طوعا واختيارا، عن ذلك الحقين. ووفق شروط معينة: كالاعتراف بالجرائم والانتهاكات واعلان التوبة وطلب الصفح، ممن يملكه، والاستعداد للتخلي عن ممارسة العمل العام…الخ.

وعليه: (ومع ان اسرتي وانا، اعلنا تنازلنا عن حقنا في القصاص، لابننا العزيز، الشهيد نزار هائل، لأسباب واعتبارات لا يتسع المقام لذكرها هنا)،الا انني لا استطيع، ولا املك، اساسا، ان اطلب من الاخرين ان يحذو حذونا، بالتنازل عن حقوقهم تلك، وان كنت ارغب في تشجيعهم على ذلك وفق شروط معينة، وهنا بعض المغزى في ما فعلناه، اساسا.

ما يعني، ويؤكد، ان الدين، والضمير، والامانة، والاخلاق، وادب السلوك، والذكاء اساسا، امور تقتضي وتوجب، بداهة، عدم المساس بحقي، القصاص و اللجوء الى القضاء، لكل من اراد التمسك بهما، في اي تشريع للعدالة الانتقالية.

وان كنا قد نتوقع لجوء بعض الحكومات الى ممارسة بعض الضغوط ،وخلق التعقيدات، وتقديم الاغراءات…بغية دفع الناس الى التنازل عن حقوقهما تلك، لاحقا. اما ان يتم مصادرة هذه الحقوق، وحرمان الناس منها، بموجب تشريع، وبدون اي شروط، كما تحاول حكومتنا ان تفعل، فأمر، هو من العجب، بحيث يفوق التصور.

اذ فضلا عن ان هكذا تشريع يتخالف وشرائع السماء والارض، كافة، فهو، الى ذلك امر مهين لكرامة الانسان اليمني، ومذل للإنسانية جمعاء.

والعجيب اكثر، هو اننا نجد حكوماتنا توقع عبر ممثليها بشرط التحفظ على عدم مخالفة احكام الشريعة الاسلامية في كل الاتفاقيات والمواثيق والبرتوكولات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان. فيما هي هنا تشرع ،هي نفسها، لمخالفة الشريعة الغراء وتضربها في الصميم.

منتديات ابو شمس

الحجر الصحفي في زمن الحوثي