يحدث في اليمن.. نهب رسمي.. عبر جيش وهمي

كتب
الثلاثاء ، ٠١ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٨ صباحاً


بقلم: محمود عبد الله شرف الدين -

ما أعلن عنه من أرقام مهولة لأسماء الجنود والضباط الوهميين في الجيش والأمن اليمني،مؤخراً كشف بجلاء عن مدى النهب والفساد المنظم القائم في جهاز الدولة وعن الأسباب التي دفعت الشعب اليمني للخروج ضد نظام الرئيس السابق .
إن الكشف عن وجود ما يقارب 400 ألف جندي وهمي في قواتنا المسلحة والأمن يدفع الشعب اليمني من عرقه رواتب تصل إلى 200 مليار ريال سنويا على نحو مقدر تستولي عليها قوى منتفعة فاسدة في مؤسسات الجيش والأمن وفي السلطة التنفيذية،بينما يظل الجندي المسكين في معاناة دائمة من حياة معيشية ضنك، أمر جيد وخطوة ممتازة في الاتجاه الصحيح ،وفي غاية الخطورة ما يستدعي وقفة لكل قوى الشعب الحية والفاعلة،في مطالبة الحكومة بالقبض على كل من وقف وراء ذلك وإحالتهم للقضاء، وإعادة ما نهبوه في الماضي والحاضر، ومطالبة العالم بتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم في الخارج.
إن هذا النهب الحاصل ليس إلا جزءا يسيرا من فساد وكسب غير مشروع كان قائماً ومستمراً حتى اليوم ، فساد طال الأخضر واليابس وشكل سبباً رئيسيا للثورة الشعبية ضد الفساد والعبث بثروات الوطن وبالإنسان اليمني، وها هو غسيله اليوم يبدو كدليل واضح على مدى التستر الذي كان حاصلاً على الفساد المنظم، وتجريم الاقتراب والبحث عن المعلومات أو مجرد الإشارة الى هذا العبث من قبل الصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام وكذلك مؤسسات المجتمع المدني،ويكشف عن مدى استماتة نظام الأسرة الفاسد في قمع الصحافة وملاحقة الصحفيين والناشطين طوال فترة حكمه،بذرائع المس بالأمن القومي للوطن وسيادته ومؤسساته الوطنية النظيفة.
اليوم بفضل الثورة الشبابية يعلن على الملأ رسمياً جزءًا يسيراً من فساد أنهك الوطن وأجهض حلم المواطن اليمني في وطن مزدهر ولقمة عيش كريمة، وجعل 60 % منه تحت خط الفقر، وشرد مئات الآلاف من اليمنيين في أنحاء العالم بحثاً عن لقمة شريفة،ودفع باقتصادنا إلى منحدرات الانهيار عملة وميزانية، وبنية تحتية وحياة معيشية وتدن كبير في خدمات ضرورية كالصحة والتعليم والمياه وغيرها من الخدمات، وما نتج عنها من تفشي جهل ومرض وتخلف، وما إلى ذلك من ارتفاع في معدلات الوفيات والإصابات بالأمراض الفتاكة والمعدية وتزايد حالات التسرب من التعليم وتفشي البطالة وعمالة الأطفال والمتاجرة بالبشر وأعضائهم،وارتفاع معدلات الجريمة وحوادث العنف والفساد والهجرة الشرعية،وتزايد أعداد المتسولين في الشوارع وأبواب المساجد والمنشئات ومنازل المسئولين والتجار،مقابل تزايد أعمال الجباية والارتفاع الفاحش في الأسعار.
في المقابل كان النظام الفردي متكئاً على القوة والتزييف وشراء الذمم لإجهاض العملية الديمقراطية،وإعاقة أية محاولات سلمية للتغيير ، مستعيناً بقيادات فاسدة في الجيش والأمن ومؤسسات الدولة الأخرى،وينفق المال العام على قوى ومراكز اجتماعية وقبلية، حتى انه كان يمنح بعضهم مرتبات عدد من هؤلاء الجنود الوهميين،بالإضافة إلى مدهم بالسلاح والذخيرة من اجل إرهاب الشعب و محاصرته ومحاربة الأصوات و القوى المدنية السياسية،والصحافية المنددة بحالات الفساد ،وما يجري من نهب رسمي منظم لم يقتصر على المال العام وثروات الوطن فحسب بل طال حقوق المواطنين وممتلكاتهم العقارية والنقلية ناهيك عن عمليات التهريب التي يقوم بها ضباط وتجار بالشراكة مع أبناء وأحفاد الأسرة الحاكمة، للغاز والديزل والبترول والآثار طوال السنوات الماضية عبر موانئ الدولة الرسمية.
أنا على يقين أن الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد من وقائع الفساد الرسمي وربما المقنن ، وحينها سنفيق على نهب يفوق كل التوقعات.
هذا هو الفساد الذي قتل ماضي اليمن وحاضره ومستقبله،وبالتالي فنحن بحاجة للبناء مجدداً من الأساس دولة مدنية قائمة على الشفافية والنزاهة والمساءلة الاجتماعية، تقوم على حق الحصول على المعلومات والقضاء النزيه والمستقل، فيها منظمات مجتمع مدني تعزز من عملية المساءلة والشفافية،والرقابة الشعبية على المؤسسات،بالإضافة إلى التحرك بشتى الوسائل المتاحة والمشروعة لوقف النهب الحاصل للمال العام وإعادة الأموال المنهوبة، وملاحقة الفاسدين واستعادة أموال الشعب المنهوبة ، بالشراكة مع وسائل الإعلام وأجهزة الرقابة الرسمية.

* رئيس مركز مكافحة الكسب غير المشروع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي