"القاعدة موبايل" !

كتب
الثلاثاء ، ٢٠ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠١:٢٦ مساءً
[caption id="attachment_14780" align="aligncenter" width="179" caption="بقلم / زكريا الكمالي"]بقلم / زكريا الكمالي[/caption]

تنظيم القاعدة يتقدم تكنولوجياً بشكل مذهل, ويبدو أنه سيدشن قريباً عمليات اغتيالات إلكترونية؛ رسائل مفخخة تبعثر قارئها وجهازه المحمول إلى أشلاء. هذا شيء لا يبعث عن الغرابة, فكل الشواهد تقول: إن التنظيم يكتسح ضربات ناجحة على الأرض, وخبطات في مجال العلوم.

هجمات القاعدة في اليمن لم تعد تثير الرعب, المخيف فقط, توجه التنظيم إلى منافسة المؤسسات الصحفية, عبر تدشينه خدمة "القاعدة موبايل". قبل أن يسمع يتم إسعاف الضحية إلى أقرب المشافي, تحقق القاعدة السبق الصحفي بنفسها؛ ببث رسائل"تتبنى العملية".

يوم أمس فقط, وعند قراءتي خبر تبني تنظيم القاعدة لعملية اغتيال المدرس الأمريكي في تعز, شعرت بحزن عميق على زعيمهم أسامة بن لادن, أكثر من حزني على الجريمة البشعة التي أودت بحياة معلم أمريكي, تتلمذت على يديه أجيال مختلفة.

عاش بن لادن في الكهوف, وقتل في قبو, ودفن في قاع البحر، كان يخطط لعمليات إرهابية, أو استشهادية جبارة, ومع ذلك كان يجد صعوبة في تبنيها, وأحياناً يخرج لنا الجنين بعد مرور أسبوع. أعتقد أنه لو كان قُدّر له العيش إلى هذا الوقت لمات مرتاح البال, ومطمئناً على أجيال باتوا ينافسون "مايكروسوفت" في مجال التقنية.

في عصر أسامة, كان التنظيم "يتبنى" بطريقة تقليدية, وتشبه كثيراً عمليات توليد الجدات في الأرياف للحاملات بالطفل البكر؛ ولادة البيان تتم بصعوبة, وقد يموت "البيان". وفي عصر الربيع العربي"التبني" يتم بطريقة سلسلة: رسائل نصية إلى هواتف الصحفيين تبشرهم بالمولود, وبعد دقائق تعلن الصحف والمواقع الإلكترونية الأفراح, وتبدأ بمراسيم الاحتفال، كل على طريقته.

ما الذي يجري؟ وكيف يمكن لمواقع إخبارية ووكالات مرموقة أن تقول: إنها "تلقت رسالة نصية" عبر الهاتف, فحواها: تبني تنظيم القاعدة عملية إرهابية؟.

لا يُلام القتلة على أفعالهم, اللوم فقط, على وسائل إعلامية تواصل الاستخفاف بالناس, وتقترف جرم المشاركة في عمليات غامضة، منفذوها سينكشفون بالتأكيد.

عندما يُهلل الإعلام لعمليات قتل مبهمة, لا يدري أنه يضاعف من شهية المجرم الغامض أياً كان, سواء القاعدة فعلاً, أو وكلاءها الذين وجدوا من التنظيم مترساً ضخماً, يحمي ظهورهم إعلامياً.

الصحفيون هم أدرى بشعوب القاعدة, وأستغرب كيف تضيع نباهتهم مرة واحدة؟. كيف يتناسون حقيقة ما يجري من تفخيخ للوضع, ويتعاملون ببرود مع "رسائل نصية" من قبل أطراف مجهولة؟. الأمر مخيف حقاً, ولا يمكننا تصديق عمليات التبني العاجلة هذه, إلا إذا دشن التنظيم سريعاً خدمة "القاعدة موبايل", أو يعلن الصحفيون انضمامهم إلى شبكات "صدى الملاحم", و"مركز الفجر للإعلام".

جميعنا نعرف أن هناك دائمًا "مدة فاصلة" بين تنفيذ القاعدة لأي عملية وإعلان تبنيها لها، وكيف كان التنظيم المركزي في أفغانستان وباكستان بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري له استراتيجية معينة في الإعلان عن عملياته؟.

حتى عام مضى, كانت القاعدة تمرر بياناتها الرسمية من خلال "مركز الفجر للإعلام" و"مؤسسة السحاب" اللذين يتبعان تنظيم القاعدة المركزي، ودائماً ما تزيل بياناتها بهما, حسب ما يؤكده مختصون، فكيف تطورت الأمور إلى مستوى "الرسائل النصية"؟.

كافة المحللين الاستراتيجيين يؤكدون إذا كان الحدث في العراق يكون أسرع في الإعلان عنه من قبل "مؤسسة الفرقان" مقارنة بغيرها من الدول، كما في أفغانستان، فقد استغرقت عملية الطبيب الأردني أبو دجانة الخرساني خمسة أيام قبل الإعلان عنها، و حتى في العراق لا يمكن أن يصدر إعلان التنظيم قبل

مرور 24 ساعة على الأقل بعد التنفيذ.في اليمن يقول أولئك الخبراء: إن القاعدة والتي تتبعها "مؤسسة صدى الملاحم", فهي عادة ما يتراوح إعلانها عن تبني العمليات, بين 7 و10 أيام، وقاعدة المغرب العربي استغرقت 4 أيام قبل تبنيها أي عملية خطف أو قتل.

مع كل هذه الحقائق, كيف سنصدق خدمة البرق العاجلة في تبني عمليات القتل؟.

على ماذا يستندون؟ وكيف يمكنهم الجزم؟. ما يجري في اليمن, وخصوصاً في تعز, عملية فوضى ممنهجة, تقف وراءها أياد إجرامية, تعودت على خلط الأوراق, مستغلة تساهل وانفلات أمني مريب.

على أبناء تعز إفشال أي مخططات, تنوي القوى المتصارعة تفجيرها وسط هذه المحافظة المسالمة. تعز هي عاصمة الثورة, وعاصمة السلام والثقافة, ولا يمكن أن تكون أو تسمح للقاعدة وقواعدها بأن يجعلوا منها مسرحاً لنزالاتهم الدموية.

قبل أسابيع، قال سلطان البركاني في حوار مع "الجمهورية": "القاعدة موجودة في تعز".. وليس بمستبعد أن يكون تصريح الرجل الذي أراد به إحياء تصريحات سابقة لرفيقة عبده الجندي, ذات علاقة بما يجري من تفخيخ لتعز.يريدون التشهير بتعز فقط..

تعز التي كانت رقماً فارقا في مشوار الثورة السلمية, مدينة تحتضن الإرهاب؟!!.

يتوجب على أبناء هذه المدينة الحذر من القادم.. كل ما لا نتخيله سيقومون باقترافه. بالأمس قُتل المعلم الأمريكي, وقبله قُتل كثيرون, لكن اليمني لن يلفت الانتباه أكثر للجريمة. "المقتول اليمني برُبع" - كما يقولون - أي ربع الريال, ولذلك لن يشبعوا بقتل عشرة.

تعز أصبحت هدفاً للأشرار، دخلت دماغهم، كانت "مهد الثورة", ويريدون لها أن تكون الآن مهد عمليات التصفية, وهو ما لا يمكن أن يحدث.. كما قتل الأمريكي, والمهمش, سيقتلون غيرهم, وعلى أبناء تعز أن يكونوا حذرين أكثر, وألا يسمحوا للانتهازيين وتجار الموت أن يواصلوا استخدامهم كبنادق صيد. وبما أن الأجهزة الأمنية لا تستطيع تعقب لص هواتف نقالة, لابد للشرفاء من أبناء تعز أن يشعروا أن مدينتهم في خطر, وأن زعماء العصابات يجهزون في النهايات, على القاتل المرتزق حتى لا ينكشف أمرهم.

تعز قاعدة للتغيير والثورات , ومن المستحيل أن تكون قاعدة للتطرف ,أومنصة لعمليات الارهاب .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي