شرف الحصانة!

كتب
الأحد ، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٢٨ صباحاً

بقلم: سامي نعمان -
أهم خصوصيات الحوار على الطريقة اليمنية، أنها لا تقوم على حسم كل الخلافات العالقة بين الفرقاء، أو على الأقل القضايا الجوهرية التي من شأن ترحيلها أو التغاضي عن بعض تفاصيلها، أن يلغي النتائج الإيجابية المُحرزة في محاور أخرى..
المعيب في تلك الخصوصية أن المتحاورين لم يتجاوزوا عثراتهم السابقة، رغم تجربتهم الثرية في متاهات حوار عقيمة، كانت تنتهي دون التوافق على أجندته، وغالباً ما كانت تفضي لمزيد من التأزيم.. وذلك مآل آخر جولة حوار بين أحزاب اللقاء المشترك، والمؤتمر الشعبي العام، كواجهة مناورة للرئيس السابق، قبل الانتفاضة الشعبية، وبعدها.. للأسف.
لكأن قدر البلاد ومواطنيها، أن يظلوا رهناً بمراوحات الساسة المتحاورين، الذين يتواطؤون، بقصد أو بدونه، ضد العصر والمستقبل، بقبولهم إبقاء باب الفوضى والتأزيم مفتوحاً على مصراعيه، ليكون المصير المجهول خياراً وارداً، كنتيجة طبيعية لحوار مكسور الجناح.
بالنسبة لبعض الصادقين منهم، فلربما يعولون على قدرةِ قادر، بتنزُّل نوايا حسنة، وحالة ثقة طارئة -طالما غابت أو غُيّبت- على بعض انتهازيي الحوار، يستشعرون معها مسؤوليتهم التاريخية تجاه الوطن وأبنائه، وذلك قد لا يكون تواطؤاً، لكنه ليس صدقاً، بل سذاجة، لا تعفي المسؤولية..
مطلع العام الجاري استبسل نخبة المناوئين لصالح في سلق قانون الحصانة، وتمريره على عجل، أكثر من الموالين، دونما اكتراث بعموميته المطلقة، وثغراته القاتلة، أو الالتزامات التي يستوجبها التحصين، ومبررهم في ذلك، إجراء الانتخابات الرئاسية في أجواء متخففة نسبياً من التوتر والاستفزاز الذي يضفيه حضور الرجل الذي انتفض الشعب ضده في المشهد، مع أنهم يدركون أن مغادرته المؤقتة حينها ليست حلاً لحضوره الثقيل في المشهد السياسي للبلاد..
القانون بصورته اللاأخلاقية القائمة فائض امتياز إضافي، جبّ ماضي المشمولين به -وجميعهم مجهولون عدا المستفيد الأول- لتتحمل البلاد برمتها تبعاته، وتدفع ثمن الحلول الترقيعية التي يقبلها أرباب الحوار بخفة، ويبتهجون لوهلة بتقدمهم خطوة -بكثيرٍ من التنازلات- التي تعود بالبلاد مستقبلاً خطوات إلى حقول ألغام وعاهة مستدامة، تواجه أي حظوظ لها في التعافي والخلاص، والتحول نحو بناء دولة مدنية، ضحّى لأجلها أطهر وأنبل رجال ونساء البلد، الذين قتلوا وجرحوا مرة أخرى بتحصين المشمولين بجرمهم ومن سبقوهم بالتضحية بسنوات وعقود، ويراد لهم أن يقتلوا ثالثاً وعاشراً بعودة قتلتهم بصفحات مبيّضة مبرّئِي الساحة، ليمارسوا العبث والجريمة من جديد، وكأن ذلك وحده قدر ومصير البلاد وساكنيها..
قانون الحصانة سيء الصيت لم يفتح باب الترشيح للراغبين بدخول حماه، لكن بشروط صارمة تقتضي بالضرورة أن يكون هذا القانون الخارج على نواميس الكون، فصلاً نهائياً بين عهدين، فاز فيه السابقون بجرم العفو المشروط كي لا يستمر اغتصابهم للدولة، وانتهاكهم لحقوق المواطنين، ويتجاذب فيه اللاحقون على هدف محوري وحيد هو بناء دولة قائمة على مواطنة وعدل ومؤسسات، ولها رجال ملتزمون ينهون خدمتهم كمحاضرين في مدرجات الجامعات، لا كمشتبهين يشترطون العفو بمسمى الحصانة، أو “هدم المعبد عليّ وعلى أعدائي”..
هذا ليس تجريداً للمحصنين من مواطنتهم، بل هي تثبيتٌ لاستحقاقات ما رأوه مناسباً لهم كمكافأة نهاية خدمة، وبمقتضاها التي تحفظ لهم إنسانيتهم، وللشعب حقه في الانعتاق دون بقاء كابوس الماضي الكئيب مؤثراً على مسيرة خلاصه..
الفرصة مواتية أمام المسؤولين عن سلق قانون الحصانة، بتهذيب هذا العيب المشين بحق الإنسانية، طالما لازال متاحاً إخراجه في سياق قانون العدالة الانتقالية، وهناك من أوراق الضغط ما يكفي لإخراجه بصورة يطمئن معها الشهداء في قبورهم، أن تضحياتهم كانت خلاصاً لليمن، رغم انتقاص العدالة، دون أن تذهب ثمناً لـ«ساعة صفاء»، يلتقط فيها قتلتهم أنفاسهم، ليعودوا لممارسة الانتقام من المستقبل الذي حلموا به وضحوا لأجله.
أما أنْ يُسلق قانون العدالة الانتقالية بذات الطريقة المستهترة، مغفلاً اختلالات الحصانة والتزاماتها المنطقية، فسيكون على المتحاورين الثوريين أن يقبلوا بالتفاوض مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وغيره من المحصنين المجهولين، باعتبارهم عادوا إلى السياسة أكثر طهراً ونقاءً منهم، كيوم ولادتهم، إذْ يكفيهم جرماً، أنهم كانوا من أقروا منحهم “شرف الحصانة”..
تساؤل أخير:
نص الجزء الخامس من الآلية التنفيذية لللمبادرة الخليجية على إنشاء لجنة التفسير، في غضون 15 يوماً من سريان تنفيذ المبادرة، لتكون مرجعية للطرفين لحل أي خلاف في تفسير المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية.. هذه اللجنة لم ترَ طريقها إلى النور، لحل المنازعات كما هو محدد في خطة التسوية، ولا يبدو أن هيئة مستشاري الرئيس الأربعة، تقوم بعمل اللجنة في الوقت الحالي..
لا أدري لماذا يصر الساسة اليمنيون على الابقاء على عوامل إفساد الحياة السياسية حتى في الحالات التي يحصلون فيها على كل الاحتياطات والضمانات التي توفر عليهم كثيراً من التفكير في التعقيدات التي غرقوا فيها ذاتهم حتى النخاع سلفاً وأوصلت البلاد إلى مشارف الحرب الأهلية.

الجمهورية 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي