ولهُ من الســــعيدة نصــيب

كتب
الخميس ، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٥٣ صباحاً

بقلم: منال الأديمي -
الحرم المكي, فالحرم النبوي, فمطار الملك عبدالعزيز مروراً بمحطة تحلية المياه في جدة, وغيرها الكثير من المشاريع التي عمل بها الحاج محمد سعيد الذي يقف الآن أمام أحد الموظفين، وقد ملأ الشيب رأسه، وفي لحظات الانتظار يمر به شريط العمر سريعاً بأيام وشهور وسنين غربة وصل عمرها إلى الواحد والأربعين سنة، قضاها عاملاً ذهاباً وإياباً بين بلد الغربة والوطن.. يقطع شريط ذكرياته لاحقاً صوت موظف من وزارة العمل يلزمه بإحضار أحد أبناء كفيله.

بدأت معضلة الحاج محمد حين عاد قبل عام من إجازة لم تزد عن الشهرين في اليمن، ليصل ويجد بأن ملك الموت قد أخذ أمانته، وبأن كفيله الطيب المحترم قد انتقل إلى رحمة الله ينتظر أيام العزاء ثم يذهب إلى (ابن كفيله) وبحسب النظام في المملكه فإن العمالة التي يكفلها الأب لا يحق لأحد التصرف بها إلا بعد توزيع التركة «الورثة».

يدخل الحاج محمد سعيد في دوامة تركة أبناء كفيله وينتظر فرج أن يكون في نصيب أحدهم سريعاً، فهو لم يعد يملك الكثير من المال للانتظار دون عمل ينتظر وتمر لحظات الانتظار بطيئة تكاد أن تقتلهُ ضيقاً ومرارة، كم هو صعب أن يكون مصيرك بيد من لا يعنيه أو يهمهُ ذاك المصير!
وكأنه جزء من ممتلكاتهم المتنازع عليها ظل طيلة ستة أشهر ينتظرهم بصمت تارة ويطالبهم برجاء إما نقل الكفالة أو تجديد الإقامة، وطوال تلك الفترة دون عمل، ولا يجد مصروف يومه أو مكان يسكن فيه ويتنقل من صديق إلى آخر حتى يأتيه الفرج بأن كفالته قد انتقلت، وهكذا حتى ضاق به الحال وتقطعت به السبل فيذهب إلى مكتب العمل في جدة يشكو أبناء كفيله وكعادة الروتين في المعاملات العربية يظل محمد من موظف إلى آخر إلا أن يتقرر أخيراً تجديد الإقامة له وبمبلغ 16 ألف ريال رسوم تجديد لعامين عام منه مضى انتظار وبلا عمل وآخر في علم الغيب الرسوم كالتالي:
2400 ريال لمكتب العمل , 650 ريالاً تجديد إقامة, و 500 ريال تأمين صحي, 300 ريال غرامة انتهاء إقامته, 1000 ريال تجديد سجل تجاري واشتراك في الغرفة التجارية, 2000 ريال تعقيب , 1000 ريال أخرى للإقامة، ولأن إقامته منتهية فهو بحاجة لنفس هذه المبالغ لتجديد السنة القادمة، أيضاً ينصدم محمد من كل تلك التعقيدات ويطلب خروجاً نهائياً جاءه شاب وبأحلام وصلت عنان السماء بمستقبل أفضل، ويأمل مغادرتها اليوم وقد بلغ من العمر عتياً مفلساً ليس في حقيبته سوى تعب ومشقة وألم لن يكفيه ما تبقى من العمر ليشفى منه ومجهول آخر هو ما ينتظرهُ في وطنه المسلوب الذي تركهُ يوماً لعيش أفضل، فكان السراب الذي لم يبلغهُ يوماً، لكنه ظل يلاحقه طوال سنين عمره العجاف التي لم تشفع له في بلد الغربة لينال ولو حق العمل دون أن يكون ملزماً بالإنفاق على كفيل إلى جانب أعباء الإنفاق على أسرته.

فلو أن تلك السنين قضاها العم محمد في بلاد الفرنجة والكفر لأصبح مواطناً بجنسية غربية، وله كل حقوق المواطنة المتساوية مع المواطنين الأصليين في العيش والرأي والانتخاب كذلك وبتأمين صحي وراتب تقاعدي و..... و..
أخيراً وهي الأهم جنسية تحترمها كل دول المسلمين وبلاد العروبة جنسية يحسب لها ألف حساب ..
ليس العم محمد هو الأول ولن يكون الأخير الذي يضيع عمره في غربة وينتهي بغربة أقسى وأمر في وطن لم يحفظ يوماً حقاً وكرامة لأبنائه.
في المقابل نجد اليمن السعيد يمنح كل من يأتيه فرصة العمل وبرواتب مضاعفة ورغد عيش يحسدهم عليها المواطن اليمني، والذي غالباً ما يكون يعمل ذات العمل إن لم يكن بأعباء أكثر وأكبر !!

يبدو أن اليمن السعيد سيظل هبة سعادة ينعم بها كل غريب أوكل من كان بالأمس واليوم حاضراً على طاولة القسمة، وله من السعيدة نصيب!!
أما البقية فهم في مطاردة عبثية ومهمة مستحيلة وهي العثور على السعادة في بلاد قيل عنها يوماً اليمن السعيد!.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي