أحـزاب الأسـف المشترك

كتب
الخميس ، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:١٧ صباحاً

بقلم : نبيل سبيع -

أصبحت أحزاب اللقاء المشترك جزءا من حكومة الوفاق الوطني وكل هياكل نظام الحكم القائم اليوم، لكن هذا التكتل الذي انتقل على أكتاف الثورة من المعارضة إلى الحكم ما يزال يتصرف كتكل معارض. هذا ما تقوله مواقفه وخطابه بعد الثورة والشراكة التوافقية بينه وبين المؤتمر الشعبي العام، ولعل موقفه الأخير مما يتعرض له المحتجون السلميون المشاركون في إحياء ذكرى مسيرة الحياة أمام دار الرئاسة اليوم يقدم مثالا واضحا على هذا.

المحتجون السلميون القادمون من تعز سيرا على الأقدام لإحياء ذكرى مسيرة الحياة وصلوا الى صنعاء أمس وتجمعوا مع محتجين من مناطق أخرى في إعتصام سلمي أمام دار الرئاسة، وهذا تعبير احتجاجي سلمي متحضر ومحترم يكفله الدستور والقانون اليمني لكل مواطني هذا البلد. غير أن قوات الأمن المركزي والشرطة واجهتهم منذ مساء أمس بطريقة غير أخلاقية ولا إنسانية ولا وطنية، إذ طبقت حصارا عليهم مانعة دخول الأكل والشرب إليهم مع البطاطين والأغطية التي تقيهم البرد قبل أن يتطور الأمر هذا المساء إلى مهاجمتهم وإعتقالهم فضلا عن دهس مصطفى مغلس أحد المعتصمين الذين تدور أنباء عن وفاته وسط عدد ممن سقطوا جرحى. وفي خضم هذا كله، اقتصر موقف اللقاء المشترك على بلاغ صحفي طالب بالتحقيق في الإعتداء على المعتصمين ورفع الحصار عنهم وإطلاق سراح المعتقلين منهم والتعبير عن أسفه حيال ما حدث ويحدث.

"تأسف أحزاب اللقاء المشترك لإستخدام قوات الأمن للعنف ضد المعتصمين أمام دار الرئاسة..."، هكذا بدأ البلاغ الصحفي (انظروا نصه أسفل). ونحن كمواطنين نشارك "أحزاب تأسف" أسفها هذا، لكننا نزيد فوق أسفها وأسفنا معها على المعتصمين السلميين، أسفنا عليها.

فوزارة الداخلية، المسئولة عما يجري من اعتداء على المعتصمين، تعد رسميا في يد "أحزاب تأسف" كما يفترض، إذ أنها جزء من حصتها في حكومة الوفاق الوطني إلا إذا كان حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه وزير الداخلية شيء وبقية أحزاب المشترك شيء آخر. كما أن قوات الشرطة وقوات الأمن المركزي لم تعد في قبضة علي عبدالله صالح وعائلته بل أصبحت في قبضة الرئيس عبدربه منصور هادي ومحسوبة أكثر على الطرف الآخر المتمثل في "أحزاب تأسف". فلمن توجه "أحزاب تأسف" مطالباتها ودعواتها ومشاعرها الآسفة، لحزب الخضر الهولندي مثلا؟!

"أحزاب تأسف" تعرف جيدا الجهة الواقفة وراء قرار الإعتداء على المعتصمين السلميين، وهي بالتأكيد ليست الرئيس السابق علي عبدالله صالح ولا عائلته وحزبه. والشاهد على هذا لا يتمثل فقط في واقع أن وزارة الداخلية وقوات الأمن لم تعد في يد صالح وحزبه بل باتت رسميا في يد هادي و"أحزاب تأسف" نفسها، بل يمكننا استنتاجه من لغة البلاغ الهادئة والدبلوماسية جدا والمهذبة أكثر من اللازم مع المعتدين. وهذا يعني أن هذه الجهة ليست صالح وحزبه لأن لغة البلاغ كانت ستكون مختلفة جدا.

البلاغ، الذي يتكون من أربع فقرات، بدأ فقرته الأولى بـ"تأسف" وبدأ فقرته الرابعة والأخيرة بـ"كما تأسف". وما بين الفقرتين، فقرتان أخريتان: بدأت الثانية بـ"ترفض" والثالثة بـ"تؤكد". هل تعرفون ما الذي "أسفت" منه أحزاب المشترك في الفقرتين الأولى والرابعة وما الذي "رفضته" في الثانية و"أكدته" في الثالثة؟

الإجابة على هذا السؤال تبين لنا الموقف الحقيقي المتخاذل لـ"أحزاب تأسف" تجاه الإعتداء على المعتصمين السلميين والمعتدين عليهم بقدرما تبين لنا نفاقها وهويتها. موقف أحزاب اللقاء المشترك من الإعتداء اقتصر على الأسف في الفقرتين الأولى والرابعة ولم يجد طريقه إلى التنديد والرفض الصريح إلا بطريقة ملحقة وعمومية في الفقرة الثالثة التي بدأت بـ"تؤكد" على "حق التظاهر والإعتصام". لكن هناك فقرة عبرت فيها عن رفضها الصريح لأمر من الأمور، ما هو يا ترى؟

"توظيف المسيرة لصالح أي طرف أو جهة كانت" هذا هو الأمر "الجلل" الذي استدعى أن تخصه بالرفض في فقرتها الثانية! في موقفها من مسألة التوظيف المزعوم للمسيرة، يبدو أن البيان يغمز إلى الحوثيين الذين يتهمون بتوظيف المسيرة من قبل طرف داخل المشترك هو الإصلاح. قد يكون هناك توظيف فعلا فهذه ليست المرة الأولى التي يوظف فيها الحوثيون مسيرات سواهم، لكن هل هذا هو الأمر الوحيد الذي يستحق الرفض في الحدث كله؟! هل هو أهم من الإعتداء نفسه الذي اقتصر موقف أحزاب المشترك تجاهه على "الأسف"؟!

لغة البلاغ المهذبة وموقفه الديبلوماسي "الآسف" من الإعتداء على المعتصمين يؤشر على أن البلاغ كان يخاطب حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه وزير الداخلية. وإنتقال البلاغ من لغة الأسف الديبلوماسية إلى لغة الرفض الصريح "لتوظيف المسيرة" يؤشر على أن البلاغ أراد منافقة الإصلاح بتوجيه إدانة لخصمه الأيديولوجي المتمثل في الحوثيين رغم أن مسألة "توظيف" هذا الخصم لهذه المسيرة بالذات لم تغادر حيز الاتهامات التبريرية لقمعهم!

كل هذا مضافا إليه لغة ونبرة المعارضة الواضحة في البلاغ يؤشر على أن هناك تكتلين داخل تكتل المشترك: الأول، اللقاء المشترك الذي يضم حزب الإصلاح وتكتل مراكز القوى الشريكة والحليفة كعلي محسن وبيت الأحمر وهذا التكتل هو الطرف والشريك الفعلي في المبادرة وحكومة الوفاق الوطني. والثاني، تكتل حزبي حاضر في المبادرة وحكومة الوفاق إسميا وديكوريا ولكنه غير حاضر في السلطة فعليا قدر حضوره الفعلي في المعارضة. وهذا التكتل الذي يضم الحزب الإشتراكي والناصري وبقية أحزاب المعارضة يمكننا أن نطلق عليه إسما واحد: تكتــل أحــزاب الأســف المشـــترك.

من حائط الكاتب على الفيس بوك

الحجر الصحفي في زمن الحوثي