العاصمة المنكوبة

كتب
الاثنين ، ٠٣ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٥٦ صباحاً

بقلم / خلدون اليوسفي

قبل أيام بلغنا نبأ اعتماد حكومة الوفاق محافظة تعز كعاصمة للثقافة.. وحتى الان لم نرى نواتج ذلك القرار العقيم .. ومنذ تلك اللحظة وانا أعيش في حيرة باحثا عن المغزى من هذا القرار الذي لا يمكن اعتباره الا مجرد خبر استهلاكي  !! وارى انه لا داعي بان تتفضل حكومة الوفاق على تعز بلقب عاصمة الثقافة وهي كذلك عبر التاريخ القديم إما في التاريخ الحديث فنحن ندرك انه لقب فخري وشرفي ليس إلا.. خاصة وان تعز بحاجة إلى بنية تحتية من اجل العيش باسط السبل كمواطنين في عالم ثالث فضلا عن البنية التحتية الثقافية التي تحتاجها لتستحق اللقب لأن بنيتها الثقافية قد دمرت بعناية فائقة وجهد منظم طيلة السنين الماضية وطمست معالم التحضر فيها ولم يبقى من معالمها سوى سكان يملكون من الثقافة ما استطاعوا انتزاعه بإمكانيتهم البسيطة في ظل سياسة تجهيل وإفقار استهدفتهم بشكل مباشر. 

ولست ادري هل قرار حكومة الوفاق جاء لتأكيد المؤكد ؟ لمدينة استحقت أن تكون عاصمة للثقافة والسياسة والعلم عن جدارة عبر صفحات التاريخ, كيف لا وهي التي أنجبت الملك المظفر ومن سبقه أو عاصره أو تلاه من العلماء كيف لا وهي التي أنجبت العلماء والمثقفين والسياسيين والمعلمين والأطباء والمهندسين والتجار.. الخ

ام أن قرار حكومة الوفاق هدفه امتصاص التراكمات التي ترسبت لدى أبناء تعز تجاه سياسة التهميش في محاولة لإثبات أن النظام قد تغير فنقول لهم إن لقب عاصمة الثقافة سمعنا عنه منذ أكثر من عشرين عام  عبر وسائل الإعلام الرسمي فقط .. ولكن لم نلمسه على ارض الواقع  ولهذا السبب ونحن ندرك أن عاصمة الثقافة مجرد لقب لا يسمن ولا يغني من جوع تماما مثل تلك النياشين التي تكسو بزة عسكرية منسية , صاحبها ضابط تقاعد قسراً منذ ثلاثة عقود ونيف لا يملك ثمن غسلها أو كيها  .. ونذكر لعل الذكرى تنفعهم بان أبناء تعز انتفضوا لأنهم شبعوا كلام وسئموا الخطب والمقالات الرنانة , ولم يعد ينطلي عليهم هذه الأساطير وهم بحاجة إلى أفعال.

 ام أن قرار حكومة الوفاق فيه محاولة للتمويه والتتويه تجاه ما اقترفته قراراتهم  تجاه تعوتوابعها. توليهم مناصبهم في حكومة الوفاق؟ 

لأنكم لم تعطوا لتعز حقها في كل الفعاليات والمناسبات التي نصت عليها مبادرتكم الخليجية وتوابعها  .. ولا تزال تعز تعامل كأنها " بنت الشغالة " ولا يزال التعامل مع أبناءها كأنهم لاجئين في كامب ينقصه السياج ..  فللأسف لا تزال ثقافة الوصاية والضم والإلحاق تمارس علينا في تعز والمركزية السخيفة تعشش على الوضع بكل قوة وكأنه لم تقم ثورة ولم تسقط دماء من اجل إحداث التغيير فلم تشعر تعز بأي تغيير حاصل حتى اللحظة لأن الـ 1 % من سكان اليمن الذين حكموا اليمن هم أنفسهم اليوم يتقاسمون اليمن مرة ثانية لكن بوجوه جديدة ومعايير جديدة.

فمنذ توقيع المبادرة وما تلالها من قرارات يتم إغفال أو استغفال تعز بشكل سافر وغير مبرر ولم تشعر تعز بأي تغيير في سياسة التعاطي معها رغم إنكم رفعتم شعار التغيير في أكثر من مناسبة إلا أن نفس المعاملة في الإقصاء والإهمال لهذه المحافظة المنسية تكرر نفسها تلقائيا .. فهذه المحافظة التي لم تأخذ اقل من حقها الطبيعي في أحسن الظروف, رغم أنها قدمت الكثير والكثير إلا انكم تقابلوها بالجحود والنكران ففي تقديري لا يوجد مواطن إلا وفي رقبته دين لتعز فتعز قدمت لليمن المعلم والعامل والمقاول والتاجر والمسئول .. الخ وناضلت من اجل الجميع وصدق القائل " تعز مثل المرحومة منى علي التي غنت لكل العرسان ولم تتزوج " .

والأمثلة على ذلك كثيرة ففي كل مناسبة يأتي ضيف قادم من صنعاء يدعونا للمشاركة في مؤتمر أو فعالية ثورية هامة برعاية من حكومة الوفاق ( كضيوف) وليس ( كأعضاء ) في اللجنة التحضيرية أو لجنة الإعداد ويتفضل الضيف بالقول انهم تكريما لدور تعز تم تخصيص ثلاثة مقاعد لساحة الحرية في تعز ( غير باقي المحافظات ) .. هزلت .. !! تعز عاصمة الثورة تمثل بثلاثة مقاعد ..  تعز أول عاصمة للجمهورية العربية اليمنية تعز المخزن الاستراتيجي لثورة أكتوبر تعز مفجرة ثورة 11 فبراير اليوم أصبحت ضيفة على الثورة ويتصدق عليها المنظمون بمقعد إضافي عن باقي المحافظات .. وللتأكيد نعود إلى الوراء قليلا بالتحديد عند تشكيل حكومة الوفاق حينما قرر اللقاء المشترك وشركاءه ( أولاد الأحمر وعلي محسن ) أن يعطى شباب الثورة نصيب من حصصهم من الحقائب الوزارية , يومها توقعت أن يكون لساحة تعز مقعد على الأقل لكن كالعادة لم تحصل ساحة تعز ما تستحقه كعاصمة للثورة على حقيبة واحدة ولا نائب وزير أو حتى وكيل وزارة على الأقل ومع ذلك قلنا سنتجاوز وسننظر إلى المستقبل تماما عند مؤتمر الحوار الوطني , ومع صدور القرار الجمهوري الأول والثاني بتشكيل اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار الوطني وإلا انه تم إقصاء تعز عمداً وعدواناً دون مبرر نستطيع ابتلاعه ولم يعين فيها ممثل لتعز كساحة ثورة أو كمنظمات مجتمع مدني أو غيره .. مع العلم بأن كل القضايا الوطنية التي يسعى مؤتمر الحوار إلى حلها من صعدة حتى عدن ومن تهامة حتى أقاصي الشرق سنجدها كلها مجتمعة في تعز كنموذج مصغر لما تعانيه اليمن من استبداد وظلم كأنه قد كتب علينا في تعز أن نقتل ونضحي ونحترق ونشتوي من اجل ألقاب فخرية وأوسمة لا فائدة منها  

 

فالأجدى برئيس الجمهورية وحكومة الوفاق قبل أن يتعجلوا في إصدار أي قرار أن يتعرفوا أكثر على عاصمتهم الثقافية تعز التي تغيرت ملامحها تماماً , فتعز عاصمة الثقافة يا سادة يا كرام فيها وكيل لا يقرأ ولا يكتب وأمين عام لا يستطيع تكوين جملة خبرية " على بعضها " ومدير مديرية لا يفك الحروف ومركز ثقافي قد اكلته الأرضة فأصبح مجوف مثل عصا نبي الله سليمان تعز لم تبني فيها الدولة مشروع ثقافي أو خدمي منذ عقود وتعز فيها رجل اطفاء واحد لكل 300 الف مواطن وسرير لكل 2000 مريض وسيارة إسعاف واحدة لكل 700 الف مواطن وكرسي واحد لـ 20 طالب تعز ليس فيها قناة تلفزيونية ولا مسارح ولا دور سينما ولا مكتبة عامة تعز لا يوجد بها صحف دولية تعز فيها مستشفى تخصصي حكومي في مدينة النور لم يرى النور منذ إغلاقه على يد عصابة مسلحة منذ شهور .. تعز فيها مقبرة وليل كما قال درويش تعز تعاني من حصار وحشي منذ سنين اشد من حصار غزة.. انها تعز من فرط تجاهلها وإهمالها  تغيرت خارطتها فهي لم تعد الأولى بعدد السكان وحسب بل والأولى بعدد مرضى السرطان والأولى بعدد مرضى الفشل الكلوي والأولى بعدد مرضى الكبد.. تعز هي الأولى بعدد الفاسدين والأولى بانعدام الخدمات .. تعز يا سادة يا كرام شاخت وكسر ظهرها قيران , تعز مهددة بالجفاف ومهددة بضبعان ايضاً .. تعز مصابة بفيروس الكباب وكتفها الحاج ومشعل ومحمود و و و .. الخ من الفاسدين الذين يحضوا بحماية ورعاية من المؤتمر والإصلاح , تعز لم تذق حلاوة النظام السابق ولا النظام الحالي بل وتتجرع مرارة الوفاق الوطني كما تجرعت الحرب والعقاب الجماعي  

يا رئيس الجمهورية يا حكومة الوفاق.. تأخرتم كثيراً ..كان من الأفضل لكم أن تعلنوا عمران عاصمة ثقافية

وتتركوا تعز العاصمة المنكوبة ثقافيا وصحيا واجتماعيا واقتصاديا تداوي نفسها .. لست عنصرياً كما انني ادرك ان جميع المحافظات هضمت لكن ما تتعرض له تعز لا يمكن تقبله او السكوت عنه .. 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي