مقترحات محورية إضافية للحوار الوطني اليمني

كتب
الأحد ، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٠٥ صباحاً

د. أمين أحمد ثابت

أعلنت اللجنة الفنية للحوار الوطني حزمة المحاور الرئيسية التي التي سيبنى عليها الحوار بين جميع ممثلي الأطياف – السياسية و الاجتماعية – ومما لا شك فيه أنها بذلت جهود ذهنية مضنية للوصول إلى صيغة تلك الحزم ، ومن جانب ثان أن تخرج تلك الحزم من المحاور بإجماع اللجنة الفنية وبإحتواءها على معظم القضايا التي لم تغيب هم فئة أو مجموعة أو فرد ، وهو ما يمنح كل الأطراف حضور ما يهمها في الحوار أن تقبل كل الأطراف بعضها البعض وبمجمل القضايا الاتفاقية والاختلافية بحضورها في مؤتمر الحوار الوطني دون استثناء .

ومع ذلك يظل كل عمل نظري يفتقد إلى ورود بعض الأمور أو القضايا المهمة أو الخطيرة – رغم تنوع المشارب الفكرية عند مخرجي تلك المحاور – وهذا الفقد يكون ناتج بفعل غياب مفكرين علميين من أصحاب مشروع الحداثة ألتغييري – رغم مشاركة نخبويين من المختصين الأكاديميين أو من ذوي الخبرات السياسية والإدارية – وما يؤكد صحة ما نذهب إليه يتمثل أولا بأن محاور الحوار تتكئ على النظر على هذا المؤتمر كحضور تمثيلي للأطراف المختلفة للمتناقشة – كإدارة حوار شبه تفاوضي بين مختلفين في قاعة مغلقة لحل الاختلاف في الرؤى ( بمعنى شامل للكلمة في كل الأبعاد ) والوقوف على ما سيتم الاتفاق عليه ، وذلك للانتقال للفترة اللاحقة لكتابة الدستور الجديد المتفق عليه وبدء تجهيزات العملية الانتخابية – ولهذا فإن المحاور الخاصة المشيرة إلى تفكيك المشكلة اليمنية المركبة – من التعويضات والحقوق . . الخ ، إلى شكل الدولة وطبيعة النظام وبعض المشروطيات الحاضرة في حزم المحاور التي يلزم الإجماع عليها لتوضع في الدستور وتمثل مقدمات لتيسير الانتقال السلمي لبناء الدولة الجديدة بواقع جديد – تمثل هذه الطريقة النهجية في بنية محاور الحوار على غياب المشروع الرؤيوي للبناء الجديد القادم بقدر ماهو وقوف على المسائل الخلافية التي أظهرت المحاور التي ستوجه المؤتمر نحو حل الخلافات ( توفيقيا ) لا أكثر – وهو ما يتعارض مع الآمال والأهداف التي ينتظرها الشعب للخروج بإعادة بناء النظام وشكل الدولة والحياة بعدل حقيقي وحقوق غير منتقصة وأمان وتوافر فرص أفضل لتحسين الوضع عند الأفراد والأسر – بينما الذي يتماشي مع حاجات وآمال الشعب يتمثل بطرح محاور أساسية ( قاعدية ) بما يؤسس اللبنات المحورية – دستوريا - لنجاح بناء التحول على صعيدي نظام الدولة وشكلها والمجتمع من جانب ثان ، ومن هذه المحاور :

1 ) استقلالية العلم وتكنولوجيا الاختراع :

إن العلم والأسلوب العلمي من حيث استقلالية الأول واعتماد الثاني شرطا أساسيا لبناء الدولة القادمة ، وطريقة لأداء عملها . فقد جاء في المحور العاشر أشكال من التنمية بما فيها التعليمية والثقافية ، وهو كلام مرصوص كثر استهلاكه ، ومن جانب آخر فالتعليم غير العلم كقضية ، حيث أن الأول رغم أهميته فإنه يبنى مع حزمة أخرى متكاملة معه من الاتجاهات لغرض البناء ، ولكن الثاني – العلم – هو قضية محورية جوهرية تبنى عليه التنمية والتغيير كرافعة قائمة بذاتها . وحتى يحضر العلم كقوة فعل تنموي – تغييري حقيقي يلزم طرحه كمحور قائم في ذاته في الحوار الوطني ، ولن يكون له هذا الدور إذا لم يكن له نصا دستوريا قائما بذاته يحميه من سيطرة السلطة التنفيذية أو غيرها ، وحمايته الدستورية يحضر فيها استقلالية الجهة العلمية الصرفة – ماليا وإداريا - عن أية تبعية لأية جهة كانت ، وينظم القانون من يندرجون فيها ، و هيكلها وعملها المؤسسي الذي ذاتها تتقدم به ، ويحدد الدستور مصدر دخلها من العائد القومي وقيمته وطبيعة المصادر التمويلية لها دون الإخلال بطابعها المؤسسي المستقل ، وكذلك طبيعة دورها الإنمائي التحويلي للمجتمع ، ويحميها الدستور أيضا بربط عمل الدولة والقطاع الخاص والتعاوني والمختلط بعمل الشراكة المنتجة لتحقيق الدور المطلوب للعلم في تغيير الواقع والحياة . وبهذه الحماية الدستورية للجهة العلمية – الإستراتيجية – في تحويل الأبحاث إلى مشاريع تطويرية – إنتاجية وخدمية – كبيرة لخدمة المجتمع ، فإن ذات النص ينعكس إيجابا على صعيد التعليم الجامعي بفتح أبواب البحث العلمي ودعمه في عمل الجامعات اليمنية – كتوجه عام – دون التدخل البيروقراطي الأكاديمي ، والذي يكون دوره يقتصر على تسهيل هذه المهة وتنظيمها دون إعاقات بيروقراطية معقدة ، وينعكس أيضا بضرورة حماية التعليم الجامعي بمنح الجامعات اليمنية استقلاليتها المالية والإدارية وتحريرها من كل أشكال الوصاية للسلطة التنفيذية ، وذلك بنص دستوري ، وتنعكس صور الحماية لأساتذة الجامعات وكل المنخرطين في العمل بها بقانون ولائحة تنظم العمل والحقوق كاملة دون انتقاص بما يتناسب والتوجه لبدء التحول من العملي البحثي الأكاديمي إلى مرحلة تحويل استخدام العلم لحل المشكلات وإقامة الاكتشافات والاختراعات والتجسيدات الإبداعية العبقرية لتوظيف العلم نوعيا بما يحقق القفزات النوعية المغايرة عن تلك التدريجية البطيئة في التطور .

إذن ، بدون العلم كمحور يقوم بذاته في مؤتمر الحوار الوطني ليجد طريقه في الصياغة الدستورية كأهم ركيزة لبناء الدولة القادمة وإحداث التنمية التي بموجبها يعاد بناء المجتمع على أساس مدني ، فإن كل الصياغات التي وردت في حزمة المحاور للجنة الفنية للحوار لن تكون سوى عبارة عن شعارات لا تجد لها مكانا في التطبيق واقعا في الدولة القادمة والمجتمع القادم .

2 ) توفير الحصانة لشاغلي مهنة المحاماة ، والعلماء وأساتذة الجامعات

إن حق الحصانة دستوريا للمحامين ضمن السلطة القضائية ، يمكن نظام العدالة أن يستقيم ، فلا يخضع العاملون في المحاماة لابتزاز أية جهة كانت أو ممارسة الإرهاب عليهم ، وهو ما يعيق تحقيق العدالة ، وبالمثل العلماء وأساتذة الجامعات إن لم يكونوا محميين بالدستور فلن يكونوا مالكين لحريتهم ليمارسون مهامهم بإبداع تخليقي غير مرهب ، وهو ما يقود إلى وجود أكاديميين سطحيين يلهثون لبيع أنفسهم لمراكز النفوذ ، ويمارسون أدوارا تدميرية للتعليم الجامعي وأخلاقياته ، فتكون مخرجاتهم التعليمية سطحية ورخوة ومنفلتة أخلاقيا ، وذلك بديلا عن فعل التباري الإبداعي والبحثي التنموي الحق بين حملة العلم العالي لخدمة المجتمع وتنمية قدراته ودخله القومي .

3 ) تحرير التعليم من سيطرة السلطة التنفيذية وجهازها البيروقراطي .

4 ) جعل السلطة التنفيذية أداة إشرافية وإدارة تسهيل وليست سلطة قابضة ، ومن هنا فإنه يلزم طرح محور قائم بذاته فيما يتعلق بالحكم الرشيد بأن تتبارى الأطراف بطرح رؤاها حول كيفية تخليق مجتمع الثراء لا ثراء الدولة ، وكيف تتحقق سلطة الشعب على إدارة شؤونه واتخاذ قراراته ، ولا تكون السلطة العليا أو المحلية أكثر من منظم لإعادة تصريف الحقوق لأفراد المجتمع ، ومسهل إجرائي لتمويل المشاريع التنموية – المحلية المقدمة من أفراد وفئات المجتمع المحلي .

5 ) قيام بنك تمويلي اجتماعي في كل محلية لدعم المشاريع الاجتماعية والبحثية العلمية الكبيرة بدون أرباح ، وبنسبة من القرض عائد لإفادة شرائح مجتمعية بعينها تحتاج الرعاية من عائدات ذلك القرض بنسبة مسماة قانونا .

6 ) النظام الفيدرالي لا يتم الاستعجال في طرح عدد الأقاليم الداخلة فيه ، ولا يتم ذلك إلا بعد دراسات مسحية بحثية تخصصية متعددة الاتجاهات – مثل الجانب الاجتماعي وكل ما يتصل به من طابع العلاقات والمزاج والقيم ، ودراسة توزع الكثافة السكانية – الديمغرافية ، وصور العمل الاجتماعي السائد وتنوعاته ، و مسح المصادر الطبيعية للثروات الباطنية ومصادر الدخل الوطني ، هذا غير مسح مستوى التعليم والحضرية وانتشار الأمراض وطبيعة الصراعات ودرجات الاحتياجات للمجتمع ، هذا غير بناء المسح مع أخذ الاعتبار بالتقسيم السياسي للمناطق وتمييز إذا ما كانت هناك مجتمعات لها أن تقيم لها حكما ذاتيا داخل التقسيم الفيدرالي للأقاليم ، كونها يصعب عليها التآلف مع تكوينات أخرى في إقليم واحد ، لكنها تخضع لذات الدستور الموحد للبلد .

7 ) تحريم كل السلطات المدنية على العسكريين ، كون وظيفتهم هي حماية الدولة والسهر على الشعب بتطبيق القوانين ، وحمايته من سلطة النظام إذا ما انحرفت عن الدستور ، وحماية الحدود الإقليمية والدفاع عن الوطن واستقلاليته ، والمشاركة في البناء التطويري للمجتمع عبر الإسهام بالعمليات الإنتاجية والاستثمارية في الاتجاهات التنموية المختلفة .

8 ) أن تعكس عائدات الدخل القومي على المواطنين بنسب تحال إليهم كحق الاستفادة من عائدات الدولة والثروة ، ويتم إنهاء تمركز العائدات في خزينة الدولة ، الذي معها يحولها بطابعها الريعي – الخراجي إلى مرتعا للفساد والفيد تحت غطاء السلطة النافذة .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي