دستور فرنسي لليمن

كتب
الثلاثاء ، ١٣ مارس ٢٠١٢ الساعة ١٢:١١ مساءً
بقلم/ منير الماوري
بقلم/ منير الماوري

كررت بعض الصحف والمواقع اليمنية نشر معلومات، لا أدري من أين جاءت بها مفادها: أن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي تقاسمت مهام إصلاح اليمن، ووفقاً لهذا التقاسم المزعوم فإن فرنسا سوف يكون من نصيبها مهمة الإصلاح الدستوري، والإشراف على صياغة عقد اجتماعي جديد لليمنيين، في حين سيكون من نصيب أميركا مهمة إعادة هيكلة الجيش اليمني، على أن تتولى ألمانيا الإشراف على الحوار، وتتولى دول مجلس التعاون إصلاح الاقتصاد أي تمويل البرامج والمشاريع حسب ما تمليه عليها الدول العظمى، وربما تتولى بريطانيا الإسهام في حل القضية الجنوبية.

هذا التقاسم المبسط انتشر في أذهان الناس على نطاق واسع، لدرجة أنه أصبح من المسلمات، وأصبح أمثالي من المحللين يجدون صعوبة في إقناع الناس بأن الأمور لا تتم بمثل هذا التبسيط المخل. المجتمع الدولي عبارة عن شبكة من العلاقات المعقدة، وليس خيمة صغيرة في ساحة التغيير أو صفاً دراسياً يتقاسم أصحاب العضلات المهام فيه.

 ومع ذلك فقد حاولت الحصول على أي معلومات ذات قيمة تؤكد وجود تقاسم كهذا، ولكني لم أجد شيئاً من أي مصدر ذي ثقة، الأمر الذي رسخ قناعتي بأن الدور اليمني الداخلي سيكون المحور الأساسي لتحقيق أي نجاح في عملية إصلاح البلاد.

وأما الأشقاء والأصدقاء فإن أدوارهم - رغم أهميتها - ستكون مجرد عامل دفع مساعد، وستكون متداخلة غير منفصلة عن بعضها.

ومثل ما يستحيل أن تتعامل الدول الكبرى فيما بينها، كما يتعامل تجار المخدرات على قاعدة هذه البقعة لي وتلك الناصية لك، فمن المستحيل أيضاً أن تتعامل مع دول الخليج كأنها مجرد مموّل مالي لمشروع استثماري في اليمن. الدول الكبرى تدرك تماماً أن من يدفع المال هو وحده الذي يستطيع أن يملي شروطه، ولهذا لن تجعل الدفع مسؤولية دولة الخليج وحدها - رغم تعويلها على الدور الخليجي - كما أن دول الخليج ذاتها لا تقبل أن تقوم بدور كهذا بمعزل عن الدول المانحة.

وربما يكون للولايات المتحدة الأميركية اهتمام خاص بموضوع الجيش والأمن، من أجل استثماره في مكافحة تنظيم القاعدة، ولكن صانع القرار الأميركي في وزارة الدفاع يتعامل مع هذا الموضوع على الطريقة إياها أن الممول هو صاحب القرار الأول في المشروع الذي يموّله.

 ومادام أن الحكومة اليمنية أعطت دافع الضريبة الأميركي الحق في تمويل وتدريب وحدات كاملة في الحرس الجمهوري والأمن المركزي فإن الممول سوف يتدخل في رسم الهدف بالقدر الذي تسمح به مساهمته المالية، أما المواطن اليمني فإنه ينظر إلى أي تدخل من قبيل رسم الأهداف بأنه محاولة لتغيير عقيدة الجيش، وليس هذا فحسب، بل إن المواطن اليمني لا يتقبل فكرة التدريب العسكري الخارجي؛ بسبب قناعة راسخة أن طبيعة بلاده وطبيعة حياته جعلته مدرباً على القتال بالفطرة، ولا يحتاج جيشه إلى تدريب ثبت فشله في أفغانستان والعراق.

ولهذا فإن الأميركيين بحاجة إلى فهم أكبر للحساسية الثقافية عند تعاملهم مع اليمن، وقد يساعدهم في ذلك شفافية هدفهم.

أما فرنسا فإنها دولة ذات إرث استعماري غائر في النفوس، وشركاتها مازالت تعبث بغاز ونفط اليمن دون وازع من ضمير، كما أن حكومة فرنسا لم تخجل من منح وكيل جهاز الأمن القومي اليمني وساماً فرنسياً رفيعاً، وهل يوجد دولة تحترم حقوق الإنسان يمكن أن تكرم وكيل جهاز استخبارات؟ ألم يفكر الفرنسيون بعواقب مثل هذا القرار على علاقتهم المستقبلية بنا، وهل يفكر صناع القرار في باريس بعقولهم أم بجيوبهم؟.

فرنسا يا سادة لا يمكن أن نسمح لها بصياغة دستورنا مهما قيل عن العراقة القانونية لفرنسا.

أنا شخصياً لا تهمني عراقة فرنسا في القانون والتشريع، وأعتقد أن ابن بلادي القانوني محمد ناجي علاو أكثر قدرة على صياغة دستور يمني يحفظ حقوقي كمواطن من أي خبير قانون فرنسي، علاو يفهم ثقافتي وعقيدتي وتاريخي، ولكن الخبير الفرنسي قد يفهم كل هذا بطريقته الخاصة؛ كي يبيع لنا السراب.

حكومة فرنسا يا سادة سكتت عن مقتل مواطنتين فرنسيتين استدرجهما قتلة المرحوم الشهيد إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله الحمدي، في محاولة فاشلة لتشويه سمعة الرجلين في أكتوبر 1977.

لا أظن أن أمريكا ولا بريطانيا ولا ألمانيا يمكن أن تسكت على مقتل مواطن من مواطنيها بأيدي سفاحين في بلد من بلدان العالم الثالث من أجل مصالح اقتصادية هزيلة، ولكن فرنسا سكتت على أحمد حسين الغشمي ومن بعده؛ لأسباب بعضها معروف وبعضها مازال خفياً.

كيف يمكن لليمنيين أن يسمحوا لحكومة أجنبية تجاهلت التحقيق في مقتل مواطنتين أن تساهم في صياغة دستور يفصل حقوق المواطن اليمني وواجباته، الأمر يحتاج إلى إعادة تفكير قبل أن نرمي بأوراق العقد الاجتماعي الجديد بأيدي خبراء فرنسيين.

الجمهورية

الحجر الصحفي في زمن الحوثي