الصرخة النووية

كتب
السبت ، ١٧ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٥ صباحاً

بقلم/ علي عبدالملك الشيباني 

 

الموت لأمريكا ... الموت لإسرائيل... الموت للبرازيل وجنوب شرق اسيا ، ولكل من لم نستطع بلوغ ما وصلوا اليه من التقدم والرقي ، ومجاراة عقولهم العلمية والعملية المنتجة. 

المقابل ، البقاء لسلاليتنا لمذهبيتنا لطائفيتنا لقبليتنا ، و لكم التخلف والقمل المعشعش في رؤوسنا . صدفة محزنة ، ان يترافق خطاب عبدالملك الحوثي في يوم غديره ، مع فوز باراك أوباما بالرئاسة الامريكية للمرة الثانية ، صدفة تقدم لنا مفارقة عجيبة وجلية ، بين مسلم لا مشروع له غير ادعاء الحق الإلهي في الحكم، عبر محاولاته البائسة بتكريس ثقافة البطنين، و «فرنجي» صعد من بطون الصناديق في احترام كامل لحرية الناس وخياراتهم السياسية، بين رجل افريقي الأصل، أوصله النظام الديموقراطي والمواطنة المتساوية لحكم اقوى دولة في العالم، دون النظر لعرقه ولونه ودينه ، واخر يعيش في كهف، كما يليق بإنسان لا حيلة لديه سوى الدعاء لها بالموت والزوال. ذلك ان مواجهة أمريكا واسرائيل لايمكن ان تتم بغير امتلاك مشروع مماثل ولو بحده الأدنى ، وليس بشعار سمج يلطخ به فضاءات المدن ، او خرقة ترفرف في جبال ضحيان ، كتب عليها بضع عبارات لاتبني بلداً ولا تؤكل عيشاً او تحفظ كرامة ، إلا اذا كان “صاحب البلاد” يرى في صرخته المصحوبة بكيف “السوطي” ورائحة التمباك الغيلي القدرة على محو الدولتين من خارطة العالم، عندئذ تقع عليه مسئولية اشعار مغتربينا بضرورة مغادرة امريكا حتى لا تطالهم غازات وسموم صرخته النووية. 

كم هو معيب ومحزن ، حينما نشاهد ماوصل اليه العالم من حولنا، فكل يوم نسمع عن اكتشاف جديد يخدم بنتائجه حياة الانسان ورفاهيته ، فيما نحن ماضون بإصرار عجيب في مهمة تكريس ثقافة الكراهية ، واستحضار التاريخ بما يقود الى الفرقة، ويؤدي الى الانقسامات على أسس مذهبية وسلالية ، ويغرق بعضنا في صغائر الامور ، بدءاً من “هيافة ” الضم والسربلة ، وحتى صغائر شروط النجاسة وكيفية دخول الحمام . 

طوال“حروب” صعدة ، قدم الحوثيون أنفسهم كمظلومين وضحايا لهجمة عسكرية لايعرفون لها سبباً ، إلا ما قالوا انه استهداف للمذهب وتملق لدول الإقليم ، وانهم اضطروا لحمل السلاح دفاعاً عن النفس لا اكثر . وعلى الرغم من كم التساؤلات حيال ما كان يجري هناك ، وعلاقته بطبيعة الصراع الاقليمي، ودور النظام السابق والحوثيين فيه ، الا انني كنت واحداً ممن تبنوا موقفاً ضد الحرب. 

بانطلاق ثورة 11 فبراير ، ونتيجة لما تعرضوا له ، ظننت ان الحوثيين أول من سيلتحق بها ، وانهم اكثرنا حرصاً على تصحيح مسارها وبلوغ غاياتها الوطنية ، غير انهم ذهبوا في اتجاه آخر وان ذروا على العيون رماد تواجدهم الشكلي في ساحة صنعاء ، ليمثلوا بموقفهم واحداً من معوقات الثورة واعبائها. 

كشر الحوثيون عن انياب مشروعهم الحقيقي حينما استغلوا ما ارتبط بمرحلة التحول من فراغ أمني وعسكري وغياب للدولة ، في محاولات انتشارهم في محافظات شمال الشمال ، وايجاد طائفية تعزية ، ودفع النوع الرديء من الحراك الجنوبي باتجاه الانفصال . 

لم يجد الحوثيون الاتكاء على البيئة القبلية التي اعتمد عليها اسلافهم في التسييد والحكم ، وفي اعتقادي يعود الفضل في ذلك لحزب الاصلاح الذي نجح في تفكيك البنية القبلية وتصويب مسارها، وهو ما يفسر عداء الحوثيين للإصلاح ، الذي يضم في صفوفه الاسود والابيض ومن كل فئات المجتمع وشرائحه ، بل وحمل على عاتقه اعباء الثورة امنياً ومعيشياً وتنظيمياً وحشداً للمسيرات. 

ولذلك من الظلم بمكان المقارنة بين حركة سلالية وحزب يقر بالتداول السلمي للسلطة ويعترف بالآخر ، وقبل كل شيء واحد من احزاب اللقاء المشترك الحاضن السياسي للثورة . نتفق معه في قضايا كثيرة ونختلف في اخرى ، وهذا من طبيعة العمل السياسي المشروع ، والمؤطر بحرص الجميع على مصلحة البلد ومستقبله . ذات الظلم نقترفه حين نساوي بين موضوع صعدة والقضية الجنوبية ، بالنظر الى كون مشكلة صعدة فقست وترعرت على ضفاف مستنقع النظام السابق ، وان ردم ذلك تماماً كفيل بمعالجة ما يتعلق بها، بينما القضية الجنوبية مرتبطة بحالات غدر سياسي وعسكري واقصاء وتهميش ونهب ، وقبل هذا وذاك جرح لقيمة وطنية ناضل اليمنيون من اجلها طويلاً. 

لقد كان مشروع الحوثي في خطابه الاخير واضحاً، وشكل به احراجاً لمناصريه بمن فيهم أولئك “ المفالخين “ مابين سلاليته ويسارية الاشتراكي وعديمي الافق السياسي . 

كم هي عظيمة ثورتنا ، هذا النهر المتدفق الذي طفت على سطحه كل “جيف” التاريخ والجغرافيا والاعلام والاحزاب ايضاً.

عموماً ، سنستمر في نضالنا بكل الوسائل السلمية من اجل مواطنة الحوثيين ، وكل ما يرتبط بها من حقوق ، غير اننا لن نسمح مطلقاً بإعادة انتاج حالة التطفل المعيشي الذي ألف عليه “ المتوكلون على الله» وعلى جهد وعرق ابناء تعز طيلة 1200عام .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي