لثائرات اليمن في عيدهن

كتب
الجمعة ، ٠٩ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٢٧ مساءً
 بقلم / سارة عبد الله حسن
بقلم/ سارة عبد الله حسن

 عندما رشحت رشيدة القيلي نفسها للرئاسة في عام 2006 أعتبر البعض ذلك ضربا من الجنون وللأسف لم يكن تفكيرهم هذا نابعا من ادراكهم لصعوبة مقدرة اي كان على ازاحة علي صالح من عرشه المتين آنذاك ولكنهم استنكروها على رشيدة لمجرد أنها امرأة مع أن رشيدة كانت ولازالت مؤهلة لحكم اليمن ليس من باب ان الرئيس المقلوع كان سيئاً جدا لدرجة ان اي مبتدئ في السياسة يستطيع ان يحكم البلاد أفضل منه – كما يتندر البعض – ولكن لان هذه المرأة على قدر كبير من الثقافة والحكمة والشجاعة كما انها من رائدات النضال ضد المقلوع والمناديات بالتغيير منذ سنين طويلة، النتيجة ان رشيدة احتجبت بعدها عن الساحة، فهل كان ذلك بفعل التحطيم المعنوي الذي تعرضت له رشيدة أثناء حملتها الانتخابية التي انتهت بانسحابها أو لظروف أخرى خاصة بها... الجواب عند رشيدة وحدها؟

 ونشكر الثورة لأنها أعادت لنا رشيدة مجددا وان لم تكن قد غابت فعلا عن ذاكرتنا الثقافية والسياسية، كما نشكر الثورة انها ضخت للساحة الإعلامية في بلادنا كوكبة جديدة من الإعلاميات والصحفيات والناشطات المتميزات اللواتي لحقن بزميلاتهن الأوائل الى ساحات وميادين التغيير والحرية ونذكر من الأوائل على سبيل المثال لا الحصر ولا التجاهل لدور الأخريات الناشطة والصحفية سامية الأغبري التي كانت تكتب سطرا على الورق وتخط آخر في عملها الميداني وهي تقارع استبداد وظلم نظام المقلوع ببسالة وشجاعة أقوى الف مرة من جسدها الغض الذي تعرض أكثر من مرة لمحاولات الضرب والإيذاء والاختطاف والاعتقال ومع ذلك واصلت ثورتها بصبر وثبات وهدوء ومعها وقبلها وبعدها سارت كثيرات.. نبيلةالزبير.. نبيلة سعيد.. بلقيس اللهبي.. سمية القواس.. أمل الباشا.. حورية مشهور.. أروى عون.. فاطمة الاغبري.. علياء فيصل.. هناء الشامي وجميلة رجاء وكثيرات منهن نشطن بصمت ثم تفجر صمتهن ثورة عارمة صرخت بعلو الصوت في وجه الظلم والظلام، لقد علت صرختهن من كل مكان من تعز التي امتلأت شوارعها بالحرائر نساءاً وأطفالاً وأمهات وصلن سن المشيب..

 ومن إب حيث كانت النساء هناك تملأ الساحة بمشهد إبداعي مؤثر... من ذمار... الحديدة... وغيرها.... ورغم اختلاف ساحاتهن أو وجهات نظرهن خرجت العدنيات ليتقدمن الثورة وسبقن نساء جميع دول الربيع العربي عندما ثرن على ظلم النظام واستبداده وذلك في حراك سلمي بدأ منذ عام 2007 رافضا لانتهاك الجنوب وتهميش أبناءه ونهب أراضيه الأمر الذي أنعكس سلبا على نواح كثيرة أخرى ومنها وضع المرأة في الجنوب فبعد أن كانت المرأة هناك قد حصلت على كثير من الامتيازات الحقوقية والمعيشية والثقافية (أهمها على سبيل المثال لا الحصر الزامية تعليم الفتاة وحصولها على رعاية صحية جيدة لها ولأطفالها) ووصلت الى مكانة نافست فيها نساء بعض الدول المتقدمة.. تعرضت بعد ذلك لانتكاسة فظيعة في مناح كثيرة من حياتها أهمها في التعليم حيث نجد ان الأم العدنية في سن الأربعينات وما فوق تفوق ابنتها في سن العشرين وأدنى تعليما وثقافة وذلك بسبب الظروف المتدنية للتعليم والذي أدت الى تسرب عدد كبير من فتيات عدن من المدارس كما أن النظرة للعلم كقيمة لم تعد هي ذاتها لدى الجيلين في ظل الثقافة السائدة اليوم.

 برغم ذلك امتلأت ساحات عدن بناشطاتها... ابتدأتها رضية شمشير كرائدة للثورة ضد الاستبداد والظلم وخطتها نادرة عبدالقدوس ثورة على الورق ثم على الارض وعفراء حريري كناشطة حقوقية وجوهرة حمود كسياسية لتتبعهن المئات من نساء عدن زهرة صالح ووفاء عبدالفتاح وحنان فارع وعيشة صالح وجاكلين أحمد وضياء حسن وليزا الحسني ولينا الحسني وغيرهن.. وكل اللواتي ذكرتهن كما أشرت على سبيل المثال لا الحصر وربما من سقطت أسمائهن لصعوبة ذكر الجميع كن أكثر نشاطا ممن ذكرن.

 كم أنت عظيمة أيتها المرأة اليمنية فلأجل وطنك وحريتك ضحيت بالكثير فقدت الأب والابن والزوج والأخ فما انكسرت ولا وهنت ولم تكتف بذلك بل سابقت بالتضحية بنفسك وأخص هنا المرأة التعزية بكثير من الشكر والعرفان ففوق ما فقدت من أحبة سقطت هي الاخرى قربانا للحرية وبعد استشهاد عزيزة عثمان ارتفعت كوكبة اخرى من الشهيدات لبارئها فلله درك يا تعز كم قدمت للثورة من ثمن وكم هن نسائك عظيمات ومبدعات ومحل فخر واعتزاز لنا..

 رحم الله شهيداتنا اللواتي سطرن آيات المجد والخلود للمرأة اليمنية وشفى جريحاتنا وفاء الوليدي ومريم نجيب وعبير الأثوري وغيرهن.

 تسابق اليمنيات نساء العالم في كل شيء حتى نجود الطفلة سبقت الملايين من نساء العالم بثورتها الصغيرة على الظلم وعلى الجريمة التي ترتكب في حق الطفولة اليمنية باسم الزواج المبكر... تمردت نجود على واقعها المر فعادت بجائزة عالمية، استطاعت اليمنية ان تحظى بتكريم العالم لها قبل ان يتفضل النظام المغضوب عليه بالمن عليها بالتكريم فأحضرت توكل نوبل لليمن وحصلت المخرجة خديجة السلامي على وسام فارس من الحكومة الفرنسية في الأشهر الأولى من الثورة تقديرا لإبداعاتها ثم حصلت أروى عثمان على المنيرفا الايطالية، أروى عثمان التي تلتقط الجمال والضوء والحرية بكاميرتها الثائرة والتي ترسم بنقاء روحها أبدع المعاني، أروى بشعارها – دولة مدنية – كانت أول من طالتها يد اللامدنية من داخل الساحة ورغم انها تلقت هي وزميلاتها اعتذاراً من الدكتور ياسين سعيد نعمان وآخرين إلا أنني أحببت أن أذكر بهذا الحادث لأذكر جميع النساء هنا في عيدهن الثاني منذ قيام الثورة انه علينا ألا نصمت بعد اليومً أمام هذه السلوكيات فقد أعلناها ثورة على الجهل والتخلف وتهميش دور المرأة مثلما أعلناها ثورة على ظلم النظام واستبداده.

 ربما أجد نفسي اليوم وأنا احتفل بعيد المرأة هذا العام أقل حماساً مما كنت عليه في العام الماضي، ففي العام الماضي شهدت ساحة التغيير مسيرة نسائية بهذه المناسبة وكانت أحلامنا كبيرة وتطلعاتنا تلامس حد السماء لما ستحصل عليه المرأة بعد الثورة، وأتذكر هنا سؤال طرحته علي مذيعة البي بي سي قبل أسابيع في برنامج يتناول ما قدمه الربيع العربي للنساء بعد عام على قيام الثورات، يومها أخبرتها اننا لازلنا في خضم الثورة واننا لم نحقق بعد من أهدافها الا هدف اسقاط رأس النظام وبالتالي فمن المبكر القول أنها قدمت شيئاً للمرأة اليمنية باستثناء أن المرأة نفسها قد اكتسبت وعياّ كبيراّ خلال الثورة لأهمية النضال من أجل الحرية والتخلص من أنظمة الظلم والفساد والمطالبة بحقوقها كما أصبحت أكثر ثقة بنفسها وقدراتها.

 كما لابد أن اعترف اليوم ونحن نحتفل بعيد المرأة أن كل التطلعات التي حلقنا بها بعيداً قبل عام ربما كانت أكبر من مفرزات الواقع، وأن الطريق أمام المرأة طويل جداً لتصل الى ما تريد، والأهم من ذلك كله أن عليها ألا تنتظر العون من أحد ولا تعول على السياسات أو الحكومات القادمة لتحقيق تطلعاتها فهي ان فعلت ذلك ستظل تراوح في مكانها طويلا نظراً للمشاكل الكثيرة التي تعاني منها البلاد والتي أغرقنا فيها نظام المقلوع ونظراً للثقافة السائدة منذ القدم أن حل مشاكل المرأة يعتبر أمراً ثانوياً، يجب أن تصنع المرأة اليوم ثورتها الخاصة بها وتنتزع حقوقها بيديها وأنا أثق أنها متى ما أدركت ذلك ستحقق الكثير من الانجازات لصالحها وستفرض نفسها على الساحة بقوة .

  تتبع يمن فويس النسخة الانجليزية – اضغط هنا

الحجر الصحفي في زمن الحوثي