السيد جمال بن عمر.. نريد منك دولة

كتب
السبت ، ٢٠ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٢٠ صباحاً

بقلم : عبد الملك طاهر المخلافي- 

السيد جمال بن عمر ... المبعوث الأممي إلى اليمن ... سلام الله عليك... اما بعد:

لقد سرَّنا وزاد من ثقتنا بكم ما نقلته إلينا بعض المصادر الإعلامية عن تاريخكم النضالي الباهر منذ سنوات المدرسة ضد أنظمة الاستبداد والنزوع للانطلاق نحو أفاق الحرية والديمقراطية والحياة العصرية ذات الفرص والخيارات المفتوحة، وما كان ذلك السلوك الأبي المتمرد منكم على الواقع القبيح إلا امتداداً لتيار من القيم الكفاحية الموروثة من أسرتكم العريقة التي كان لها هي الأخرى مواقف نضالية جسورة ضد المستعمر في المغربي العربي الشقيق بحسب ذات المصادر، ولعل هذا ما جعلنا نحن اليمنيين نطمئن إلى شخصكم الكريم ونشعر معكم بواحدية القضية وحتمية المصير، حتى بلغ منا هذا الشعور درجة جعلتنا ننظر اليكم نظر حب وإجلال ونعتبركم بمثابة القائد المخلص الذي بعثه الله سبحانه وتعالى في هذه المرحلة العصيبة بالذات لانقاذنا من قبضة الفساد والاستبداد وتجار الحروب.

السيد جمال بن عمر.. أستطيع الجزم بأني لن أكون على درجة كبيرة من المبالغة إذا ما قلت أن الشعب اليمني بكل شرائحه ومشاربه السياسية والاجتماعية والفكرية يُعلق عليك آمالاً كبيرةً في صياغة الأسس والمنطلقات لدولة مدنية حديثة وتنمية اجتماعية مستديمة يستظل تحتها ويستفيد من خيرها كافة اليمنيين، أكثر مما يُعول في ذلك على نخبه السياسية والاجتماعية التي فقدت الحكمة والبصيرة، واستحكمت منها الرغبة في الثأر واللهث وراء المصالح الخاصة بعيداً عن التفكير في أي مشروع وطني تنموي كبير، وأنا شخصياً لم أعد أرى بين هذه النخب (الحالية) أي معلم يدل على شيء من الحكمة والعقلانية في تدبير الأمور، ولو كنا نمتلك شيئاً من الحكمة والاحساس بالمسئولية الوطنية لما وصل الوضع الى هذا المستوى المخيف من التردي في شتى مجالات حياتنا. فنحن طوال خمسين عام من الثورة التي كان المؤمل منها انتشال الانسان اليمني من واقعه المزري الى واحات الرفاهية والحياة المستقرة، لم نعش سوى سلسلة من حروب بينية مفتعلة يغدو فيها المواطن اليمني إما (قاتل أو مقتول) بحسب عبارة رئيس الجمهورية المشير هادي.

السيد جمال بن عمر .. إننا جميعاً على ثقة مطلقة بأنك الموجه الرئيس للعمل الاستراتيجي المتعلق بالتسوية السياسية الجارية وراسم خارطة طريقها، فأنت برغم ما قد يبدو عليك من ملامح الهدوء والخجل تظل صاحب التفويض الأممي الواسع والقرار السياسي الحاسم في تقرير كثير من الأمور والقضايا المتعلقة بحاضر ومستقبل هذا الشعب، ولا أجد وصفاً أدق وأبلغ مما قاله فيك الأستاذ الأديب خالد الرويشان وزير الثقافة الأسبق في إحدى مقالاته حول مهمتك في اليمن: أن ما تزرعه يداك الآن على ثرى هذه البلاد سيشكل مستقبلها، ويصنع قادم أيامها، وأن الكلمة منك هي لبنةُ مؤسٍّسة وركنٌ مهم في صرح البناء الذي نريده، والمستقبل الذي نأمله لليمن الجديد.

السيد جمال بن عمر.. لا شك أنك ومن خلال تعاملك مع القضية اليمنية قد أدركت وبما لايدع مجالا للشك أن اليمن لا تنقصه الموارد المادية والبشرية والفكرية، بقدر افتقاره لقيادة سياسية (أخلاقية) يطمئن لها ويلتف حولها الجميع، وتنبثق منها قيادة إدارية (فاعلة)، تستطيع استعادة الأمل وبناء الثقة واستنهاض قواه وامكانياته وقدراته والانطلاق به صوب القرن الواحد والعشرين برؤية واضحة وإرادة قوية. إن جوهر مشكلة اليمنيين -في تقديري - لا تكمن في محدودية الموارد كما يعتقد البعض بقدر ما هي أزمة قيادة بصورة أساسية، لأن القيادة الناجحة هي التي تضع الرؤى والاستراتيجيات وهي التي تخلق الموارد والامكانيات وتستنهض الهمم وتهيئ المناخات لهدف تنموي عملاق كما حدث في ماليزيا وسنغافورا وعُمان وتركيا مؤخراً. وبالنسبة لحالتنا في اليمن فقد وقعنا ضحيةً في قبضة قيادات متخلفة طوال العقود الماضية، فهي إما قيادات ثيوقراطية تخاصم العلم وترفض حقائق العصر، وإما قيادات عسكرية جاهلة، ليس لها أي رؤية لتنمية اقتصادية واجتماعية مستديمة بقدر حرصها على البقاء في السلطة ونهب الثروة أطول فترة ممكنة وبأساليب شيطانية عجيبة.

السيد جمال بن عمر.. لا أعتقد أن الصورة لم تتشكل بعد في ذهنك حول المشهد اليمني بكل تفاصيله وتعقيداته المختلفة، ولا أعتقد أنه لم يجُل في خاطرك وضميرك الإنساني والأممي أهمية التدخل السريع لإنقاذ ما يمكن انقاذه، فزياراتك المتكررة شهرياً لليمن ولقاءاتك الدائمة مع قياداته في الحكم والمعارضة والتجوال في بعض مناطقه ومدنه والاطلاع عن كثبٍ على الوضع المعيشي الساحق للأغلبية العظمى من أبنائه، لا شك أنها قد رسخت لديك القناعة الكافية بأنه قد آن الأون لهذه االشعب المنسي في الركن الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية أن يأخذ فرصته كبقية شعوب الأرض في الحياة الكريمة اللائقة به كجماعة إنسانية كان لها فعل مؤثر في العصور الغابرة والحضارة العربية والاسلامية بفتوحاتها وتمدداتها العريضة ونتاجاتها العلمية والفكرية القيمة.

السيد جمال بن عمر .. نعلم جميعا كمتخصصين وسياسيين أن الأسرة الدولية ممثلة بالامم المتحدة تنظر ببالغ القلق إلى الشعوب الواقعة تحت وطأة أنظمة سياسية فاشلة وفاسدة لم تنتج لها سوى الملايين من الفقراء والمرضى والمحبطين، وسجلات حافلة بالانتهاكات الصارخة للحقوق السياسية والمدنية وتدمير واضح للثروات والقدرات الوطنية، ولذلك فطنت الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها مؤخراً الى ضرورة التدخل الفاعل لإنقاذ تلك المجتمعات من براثن الأنظمة الفاشلة ومساعدتها على استعادة حقها في القرار السياسي والتنموي حاضراً ومستقبلاً، وكان من أبرز الوسائل والتنظيرات لذلك التدخل ابتكار فكرة (الحوكمة) و(الحكم الرشيد) وبرامج جودة الحياة، بهدف الوصول الى مستوى متقدم من التنمية المستديمة التي يتشارك الادوار فيها جميع الأطراف المعنية (الحكومة- القطاع الخاص- مؤسسات المجتمع المدني- المؤسسات الدولية) كل منهم بحسب طبيعته وقدرته، وتنفيذاً لهذا النموذج الإنساني الرائع سعت الأمم المتحدة الى إلزام الحكومات والدول بتبني قوانين وآليات لمكافحة الفساد وبناء مؤسسات ديمقراطية وتوسيع خيارات المواطنين في التعليم والصحة والوظيفة وممارسة الأعمال الإبداعية..الخ. ونحن اليمنيين نشعر في ما يُطرح من أفكار ونماذج وتوجهات وتنظيرات أممية ترياقاً للكثير من مشاكلنا وهمومنا المزمنة إذا ما تم الدفع بها من قبلكم الى طاولة الحوار الوطني واقناع الحكومة الحالية بأهمية تبنيها ونقلها الى حيز التطبيق، فأنتم أهلاً لذلك نظراً لما تملكونه من رؤى ثاقبة ووسائل تأثير متعددة تستمدونها من الإرادة الدولية والإقليمية القوية.

السيد جمال بن عمر.. لقد بلغ السيل الزبى على صعيد حياة اليمنيين، ومن ثم فإننا نناشدك ضرورة تحمل مسئوليتك القومية والأممية والأخلاقية والإنسانية تجاه هذه البلد المنكوب نتيجة سياسات وسلوكيات وممارسات خاطئة اقترفتها أنظمة الحكم السابقة لعدة عقود خلت، وذلك من أجل عمل كل ما من شأنه وضع أقدامه على الطريق الصحيح صوب المستقبل المنشود والـتأسيس لثقافة جديدة ترتكز على قواعد اللعبة الديمقراطية ونظم الجدارة وقيم الشفافية والمساءلة والمحاسبة والعدالة الاجتماعية والشراكة الحقيقية في القرارات والمقدرات الوطنية.

ختاماً دعني هنا أسوق إليك بعض الحقائق والأرقام الاقتصادية المهمة التي تؤشر الى ما وصلت إليه الحالة، وهي أرقام لاشك أنك قد اطلعت عليها ولكن قصدي من وراء ذلك التذكير ليس أكثر.

• أود تذكيرك بأن أكثر من (55% ) من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولارين في اليوم، وأن أكثر من (82%) منهم يعيشون في المناطق الريفية، كما يعاني عشرة ملايين من نقص الأمن الغذائي، ونصف هؤلاء يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي. ويعاني حوالى مليون طفل دون الخامسة من سوء حاد في التغذية، وأن ربُعهم سوف يواجه خطر الموت ما لم يتم اتخاذ خطوات فورية بحسب أدبيات وإحصاءات الأمم المتحدة.

• وأن نسبة البطالة قد تجاوزت (53%)، في صفوف الشباب وهو عامل أساسي في انعدام الأمن والاستقرار. في الوقت الذي تم الكشف فيه عن ما يقارب (65) ألف وظيفة مزدوجة ووهمية في اطار الجهاز الاداري المدني فقط، ناهيك عن آلاف الحالات الزدوجة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية.

• وأن ما يزيد عن (20%) من أولياء الأمور يخرجون أبناءهم من المدارس لالحاقهم بالعمل، وكذلك وجود ما يقارب (35 %) من الفتيات خارج التعليم.

• وأن آلاف الشباب اليمنيين يتركون تعليمهم ليتسللوا الى دول الجوار بحثاً عن فرصة عمل وبطريقة غير شرعية وعبر مسالك وقنوات حدودية شديدة الخطورة، مما أربك الدول المجاورة التي تفيد احصائياتها بترحيل (400) ألف شاب سنوياً من أراضيها.

• وأن شجرة القات (وللتذكير فقط القات مصنف لدى الامم المتحدة ضمن قائمة المخدرات)، تستحوذ على نحو (9.9%) من المساحة المزروعة الإجمالية وتتمدد بصورة مذهلة كل يوم على حسابها، ليس ذلك فحسب بل ويستهلك القات نحو (30%) من الاستخدامات الزراعية للمياه، حسب إحصاءات الحكومة اليمنية. كذلك انتشرت ظاهرة تعاطيه بنسبة (80 - 85 %) من العدد الإجمالي للرجال، ووصلت النسبة إلى (35%) من العدد الإجمال للإناث، في حين تشكل النسبة حوالي (60%) من شريحة الشباب. وبسبب القات يهدر اليمنيون جراء جلسات تعاطيه حوالي (20) مليون ساعة عمل في اليوم، أما ما ينفقه اليمنيون على القات فيقدر بنحو( 7 ) ملايين دولار يومياً.

• وأن (20) ألف حالة سرطان يتم اكتشافها سنوياً أغلبها بسبب المبيدات المحرمة دولياً التي تدخل البلد لغرض استخدامها في رعاية شجرة القات.

• وأن البلد يعيش في غابة من الاسلحة ذات الاحجام المتختلفة، يقدر عددها بـ (60) مليون قطعة سلاح، وهو ما جعل عملية القتل روتين يومي يمارسه الافراد في كل مكان حتى في المدارس والمساجد والجامعات.

• وان نسبة ما يضيع بسبب الفساد والتهرب من الموارد الضريبية يقدر بنحو (3.5) مليار دولار سنوياً، وبأن (80%) من الشركات تتهرب من دفع ضرائب الدخل بتقديم كشوف غير صحيحة عن أرباحها السنوية، وما تدفعه لا يمثل سوى (20%) من أرباحها الحقيقية.

هذا غيض من فيض ولا يتسع المقام لأكثر من ذلك، وخلاصة الخلاصة أن اليمن بلد منكوبة ولا زالت تعيش مرحلة ما قبل الدولة، وبدون تدخلكم ومساعدتكم لن يحل اليمنيون مشكلاتهم بطرق حضارية وعادلة.

ختاماً أعتقد أن نجاحك المتوقع من وراء مهمتك في اليمن هو نجاح للضمير الإنساني والاخلاقي العالمي وللأمم المتحدة ولدعاة وأنصار الحرية والديمقراطية والحوكمة والتنمية الانسانية المستدامة. وفقك الله في مهمتك

الحجر الصحفي في زمن الحوثي