الرئيسية > عربية ودولية > سعوديون خرجوا لرحلة صيد فتاهوا في البحر 3 أيام.. هكذا واجهوا العطش وجفاف الجسم وأصوات القصف المخيفة

سعوديون خرجوا لرحلة صيد فتاهوا في البحر 3 أيام.. هكذا واجهوا العطش وجفاف الجسم وأصوات القصف المخيفة

" class="main-news-image img
id="cke_pastebin"> لم يكن عبدالعزيز المهدي (دكتور سعودي) يظن أن رحلة رفقة أصدقائه الخمسة ستتحول إلى مغامرة تزج بهم وسط البحر على الحدود السعودية اليمنية وتجعلهم يقضون 3 ليالٍ وسط البحر على دوي القصف بين الحوثيين واليمنيين.
 
اضطر عبدالعزيز وأصدقاؤه لشرب ماء البحر للبقاء على قيد الحياة، والنزول للسباحة وسط أسماك القرش بين الفينة والأخرى حتى لا تجف أجسامهم من الماء، كما في فيلم هوليوودي، لكنهم مع ذلك تمكنوا من العودة إلى أسرهم بعد أن يئسوا من كل محاولات النجاة وظنوا أنفسهم موتى.
 
 
بداية المغامرة
 
كل شيء بدأ في الثامن من سبتمبر/أيلول 2016 عندما قرر مجموعة من الأصدقاء السعوديين الخروج في رحلة صيد لمدة ساعتين إلى جزيرة الفرسان الواقعة في أرخبيل بالبحر الأحمر التابعة لمنطقة جازان جنوب غرب السعودية.
 
رحلة الصيد لجزيرة فرسان أتت دون تخطيط، حسب عبدالعزيز الذي تحدث حصرياً لـ"هافينغتون بوست عربي"، مشيراً إلى أن أخذ تصريح للسماح للسيارة بالدخول إلى الجزيرة عن طريق العبّارة أخذ منهم وقتاً طويلاً بسبب التعقيدات.
 
اكترى الأصدقاء قارب صيد ليأخذهم إلى الجزيرة واتفق عبدالعزيز مع القبطان عصام أبوالريش على توفير مؤونة الرحلة من أكل وشرب ومستلزمات، موضحاً أن ذلك جعلهم لا يأخذون معهم سوى 5 قنينات ماء صغيرة.
 
انطلقت رحلة صيد السمك التي كان من المقرر أن تكون ساعتين فقط، ووصل الأصدقاء الستة لجزيرة دمسك (جنوب جزيرة فرسان مركز الأرخبيل) وبعد الانتهاء من صيد السمك مارس الأصدقاء السباحة في شواطئ الجزيرة قبل أن تكسو الرمال زرقة السماء بسبب رياح متوسطة وتحجب رؤية أضواء الجزيرة ليغير المركب اتجاهه ويأخذ اتجاه الجنوب لليمن بدل الشمال صوب جزيرة فرسان.
 
وقال المهدي لـ"هافينغتون بوست عربي": "بجهل منا أبحرنا قرابة النصف ساعة ولم نصل بعد لجزيرة فرسان، حينها ساورتنا الشكوك وبدأ القلق يداهمنا إذ لاحظنا أن الوقت الذي استغرقناه في العودة طال كثيراً عن وقت الذهاب الذي لم يتجاوز ثلث ساعة، استفسرت من القائد أبوالريش الذي أخبرني أن كل شيء على ما يرام، إلا أننا أكملنا بعد ذلك نصف ساعة أخرى دون أن نرى أي ملامح للجزيرة".
 
 
صوب اليمن
 
اكتشف الأصدقاء عن طريق الهاتف أنهم يتجهون جنوباً جهة اليمن، يضيف المتحدث: "ما إن أخبرت أبوالريش باتجاهنا حتى سمعنا دويّ اصطدام صادر من أسفل القارب لنفاجأ بمنظر باخرة قديمة سنعلم فيما بعد أنها غرقت قبل قرابة 70 سنة وتدعى هذه المنطقة بالبابوري".
 
وتابع عبدالعزيز حكيه وهو يصف صدمته وأصدقائه من هول الموقف قائلاً: "كل ما شاهدناه من الباخرة هو أعمدتها التي تحط فوقها أنواع غريبة من الطيور كانت عملاقة، المشهد جعل البعض منا يفقد السيطرة على نفسه فجثى باكياً بصراخ وعويل".
 
وبعد أن تجاوز الأصدقاء رعب الباخرة كانت الساعة قد وصلت للعاشرة مساءً، ليقرر أبوالريش والأصدقاء الإبحار عكس اتجاه القارب نحو الشمال للعودة لجزيرة فرسان، ولكن تلك المنطقة كانت مليئة بالشعاب المرجانية فتعاون الجميع، يقول عبدالعزيز، لإخراج القارب عبر توجيه القبطان نحو المناطق التي لا توجد بها الشعاب، استمر الأمر قرابة الثلث ساعة ثم اعتقد الأصدقاء وقائدهم أنهم اتجهوا شمالاً، إلا أن القارب اتجه جنوب الغرب إلى عمق دولة اليمن.
 
 
القصف يحدد الموقع
 
استمر المهدي وأصدقاؤه بالإبحار في عمق البحر في سواد الليل وحلكته قرابة الساعة إلى أن لاحظوا اختفاء الشبكات السعودية من هواتفهم النقالة وسمعوا أصوات القصف، "حيث إن المنطقة التي كنا بها كانت تشهد نزاعاً بين الحوثيين وقوات التحالف"، يقول المتحدث.
 
وقرر عبدالعزيز وأصدقاؤه المكوث في نفس المكان وإغلاق أنوار القارب، "كانت هذه أول ليلة مرعبة حاولنا النوم وسط أمواج البحر التي كانت تقذف بالقارب ونحن ممددون على سجاد مهترئ وأرضية خشنة متسخة"، يقول المتحدث.
 
وعندما أشرقت شمس صباح الجمعة تمكن الأصدقاء من معرفة الاتجاهات من الشمس ليتجهوا نحو الشمال في اتجاه جزيرة فرسان، إلا أنه بعد نصف ساعة توقف القارب بسبب نفاد البنزين، وأوضح المهدي أنه "من المستحيل تواجد صيادين أو قوارب في هذه المنطقة إلا بنية سيئة كالسرقة أو الاختطاف فمكثنا ندعو الله فلم يعد لدينا أي حيلة لإنقاذ أنفسنا سوى ذلك".
 
 
ولا قطرة ماء
 
في وقت الظهيرة وتحت الشمس الحارقة اكتشف الأصدقاء أن المياه التي أحضروها نفدت وأن أبوالريش لم يحضر ما يكفي من الماء، حاول الأصدقاء تقطير ماء البحر وتكثيفه، عاودوا الكرّة 3 مرات ولم تفلح التجربة.
 
وفكر عبدالعزيز وأصدقاؤه بالتوجه لإحدى الجزر اليمنية على الحدود البحرية رغم خطورة الأمر، لم تنجح محاولات الأصدقاء الذين رموا المرسى لعشرين متراً حتى يصل لعمق البحر ويسحبوا حتى يتمكنوا من تحريك القارب، إلا أن عمق البحر الذي يتراوح بين 60 إلى 70 متراً منع ذلك.
 
لم يستسلم الأصدقاء فحاولوا تحريك القارب عبر اتجاه الرياح، ويوضح المهدي أن الرياح لم تكن ثابتة ما جعلهم يخشون التوجه للشواطئ اليمنية، قبل أن تغيب شمس يوم الجمعة وتبوء جميع محاولاتهم بالفشل.
 
يروي عبدالعزيز تفاصيل الليلة الثانية قائلاً: "كان الجو سيئاً جداً بدل أصوات القصف التي كانت أسوأ من الليلة السابقة، كنا نرتعد من الخوف ونبكي بصمت حارق، فكل واحد منا كان يحرص على ألا يشاهد الآخر ضعفه، وهكذا انتهى يوم الجمعة وأكملنا 48 ساعة تائهين في البحر".
 
وما إن أشرقت شمس يوم السبت حتى اقترح الأصدقاء طريقة جديدة بارتداء سترة النجاة وربط كل واحد منهم الحبل حول خاصرته ووصله بالقارب ثم النزول إلى الماء والسباحة حتى يتحرك القارب، "صحيح أن الأمر سيكون متعباً ولكن نستطيع فعل ذلك فالغريق يتعلق بقشة"، يقول المتحدث قبل أن يتابع "المنطقة كانت مليئة بأسماك القرش فلم نستطع البقاء مطولاً في البحر".
 
بدأت ملامح الجفاف تظهر عليهم بضمور الأعين والطفح الجلدي، ولأن عبدالعزيز طبيب كشف على أصدقائه فلاحظ أنهم مقبلون على حالة جفاف خطيرة فقرروا النزول للبحر مرة أخرى.
 
 
 
في مواجهة القرش
 
 
وأكمل عبدالعزيز سرد تفاصيل مغامرته قائلاً: "حينما قررنا النزول للبحر ومواجهة مخاطر تواجد أسماك القرش لم نكن نفكر غير بالموت لكننا استطعنا التخلص من الجفاف وبدأت أجسادنا تتنشط وتدبّ بها الحياة من جديد".
 
وأوضح المهدي أنه كان يشخّص حالة أصدقائه والذي يصل إلى حالة متقدمة من جفاف الجسم يجعله يشرب من ماء البحر أكثر وفي المقابل يعطيه سكراً بنفس الكمية حتى يحدث التوازن في الجسم.
 
وبينما يعيش عبدالعزيز وأصدقاؤه أصعب أيام حياتهم، كان السعوديون يكثفون الجهود في البحث عنهم، كما دشن نشطاء الشبكات الاجتماعية هاشتاغ "#مفقودين_جزيرة_فرسان" وصل للترند العالمي على مدار يومين من الحادثة.
 
 
 
صوت الهليكوبتر
 
وقال مهدي عبدالعزيز لـ"هافينغتون بوست عربي" إنهم سمعوا صوت الهليكوبتر صباح يوم الأحد، مشيراً إلى أنه "كلما اقترب منا الصوت أكثر اتسعت ابتسامتنا وكبرت الفرحة، إلا أن الصوت بدأ يقل ويختفي تدريجياً حينها ذهبت الفرحة وغاب الأمل".
 
وتابع المتحدث: "لحظتها تذكرت معلومة شاهدتها في برنامج وثائقي عن طرق البحث منها الطريقة الدائرية وهي التي تعتمد على تضييق الدائرة، فقلت لأصدقائي إن الصوت الذي سمعناه كان نصف دائرة وذلك يعني أن الصوت سيعود من جهة أخرى، بدأنا بجمع الأغراض وبعض ستر النجاة حتى نحرقها لجذب انتباههم، وحينما عاودنا سماع الصوت حاولت إشعال النار إلا أنها لم تشتعل بتاتاً، ثم وصلت الهيلكوبتر إلينا وحلقت فوق رؤوسنا، رغم أننا لم نكن نعلم لمن تعود فربما تكون تابعة للحوثيين أو اليمنيين إلا أنه لم يعد يهمنا ذلك، فالمهم الآن هو أن هنالك مَن شاهدنا وسينقذنا".
 
ما إن اقتربت الهليكوبتر وشاهد الأصدقاء شعار السعودية عليها حتى قفزوا في البحر وبدأوا بالدخول من تحت القارب والخروج من الجهة الأخرى "وكأننا دلافين دون وجود أي أثر للتعب والإعياء علينا"، يصف عبدالعزيز.
 
 
"كان أثمن ما قدم إلينا لحظتها كيساً به علب ماء رماه لنا النقيب عبدالله الوصيفر الذي كان يقود الهيلكوبتر"، قال عبدالعزيز قبل أن يضيف: "رفعنا جميعاً التحية العسكرية بلا شعور ولا تخطيط منا".
 
بعد دقائق رحلت الهليكوبتر ووصل قارب صيد يوجد على متنه صيادون مسلحون لم نعلم هل هم سعوديون أم يمنيون، ثم أعطاني أحدهم هاتفه وكان ينتظرني النقيب عبدالله على الهاتف وقال لي النقيب: "هذا القارب سيؤمن لكم التغطية والحماية حتى تصل قوارب المساعدة وحرس الحدود لأننا نخشى أن يكون الحوثيون قد رصدوا الهليكوبتر"، يحكي عبدالعزيز.
 
ولم تمض سوى 5 إلى 10 دقائق حتى وصل حرس الحدود، الذين كانوا يقومون بعملية تمشيط وبحث على الأصدقاء، وأشار المتحدث إلى أن قارب الحرس تحرك بسرعة لأنهم قالوا إن المنطقة خطيرة جداً وهم يسلكون الطريق للوصول إليهم حصل اشتباك لهم مع الحوثيين.
 
 
عملية عسكرية
 
وأوضح عبدالعزيز في ختام حديثه أن عملية إنقاذهم "كانت عملية عسكرية جاء بها تصريح من قبل قوات التحالف، حيث كانت تغطية جوية عبر الطائرات الحربية وتغطية بحرية".
 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي