الرئيسية > دنيا فويس > الطلاق المبكر يهدد أسرا مصرية

الطلاق المبكر يهدد أسرا مصرية

" class="main-news-image img

كشفت أرقام صدرت عن جهاز الإحصاء الحكومي في مصر بشأن معدلات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج عمق الأزمة في العلاقات الأسرية وأنه من السهولة تفككها، على الرغم من وجود برنامج أطلقته الحكومة لتأهيل المقبلين على الزواج وتعريفهم بمقومات الحياة الزوجية وكيفية حمايتها من الطلاق.

 

أكد جهاز التعبئة العامة والإحصاء من خلال دراسة حديثة تحت عنوان “اتجاهات وأنماط الطلاق في مصر” أن أعلى نسبة للمطلقين تأتي في السنوات الخمس الأولى من الزواج، حيث كانت النسبة 36.2 في المئة عام 2018، ثم ارتفعت لتصل إلى 38.3 في المئة العام الماضي، والخطر الأكبر على العلاقة يكون في المرحلة العمرية ما بين ثلاثين وأربعة وثلاثين عاما.

 

لم تحدد الدراسة إذا كانت هذه الزيجات انتهت بالطلاق مع وجود علاقة عاطفية سابقة، أم من خلال الزواج بطريقة تقليدية، لكن معضلة الطلاق في مصر أنه لم يعد يفرق بين الزواج عن حب أم لا، وقد أشارت نقابة المأذونين عن ارتفاع معدل الانفصال بين الزيجات العاطفية بشكل كبير.

 

 

ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نداء إلى الشباب والفتيات وأرباب الأسر بتأجيل خطوة الإنجاب عاما أو عامين للتأكد من سلامة العلاقة الزوجية في السنوات الأولى قبل أن يصل الطرفان إلى طريق مسدود ويضطران إلى الانفصال المبكر.

 

وتحركت الحكومة المصرية منذ ثلاث سنوات لإطلاق برنامج تأهيلي للمقبلين على الزواج عندما وجدت تحول الطلاق المبكر من وقائع فردية في الفترة الأولى إلى ظاهرة تستدعي الوقوف أمامها لتحديد الأسباب وسبل العلاج، لأن المخاطر تنعكس على المجتمع ويبدو غير قادر على حماية أفراده من التفكك الذي يحدث جراء الطلاق.

 

كشفت الإحصائية الرسمية أن السنوات الأولى في الحياة الزوجية هي المحطة الأصعب عند الشريكين في سبيل تكوين أسرة ذات قوام راسخ يصعب هدمه، إذ يعرف كل طرف عادات الآخر، وهناك تصرفات قد تكون صادمة، وما إن تفشل محاولات التأقلم على التغيير في حياة الزوجين يستسهل كلاهما أو أحدهما الطلاق.

 

كانت الحجة أن الطلاق المبكر يحدث بسبب الزواج المبكر، لكن الجديد في الأمر أن الانفصال أصبح ظاهرة بين الشباب والفتيات في مرحلة الثلاثينات من العمر، أي أنهما تجاوزا فترة المراهقة، لكن تظل المشكلة في افتقاد الطرفين للخبرة الحياتية التي تحصن العلاقة الزوجية من الانهيار سريعا من دون تدخل الأسرة.

 

تجهل بعض العائلات تأهيل الشبان والفتيات على تحمل المسؤوليات التي يصطدمون بها في الفترة الأولى من الزواج، خاصة إذا قررا الإنجاب سريعا، مع أن عدم وجود أبناء في هذه الفترة يكون فيها كل طرف مؤهلا للتقرب من فهم الآخر والتأقلم معه بلا ضغوط، لكن العادات المصرية تفضل الإنجاب سريعا بحجة تثبيت أركان الأسرة.

 

 

يكمن الخطر الأكبر من ارتفاع معدلات الطلاق خلال السنوات الأولى في ما يتركه ذلك من صدمة نفسية، إذ يتوقع كل طرف الفشل مبكرا، حتى باتت بين الأجيال الصاعدة وبين مؤسسة الزواج حواجز نفسية قد يصعب اختراقها، وترتب على ذلك انخفاض معدل الارتباط، لأن الطرفين فقدا الثقة في النجاح وتأسيس أسرة مستقرة.

 

يرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن الأسرة تتحمل مسؤولية كبيرة لانهيار العلاقات الزوجية للأبناء في البدايات، لأنها تجاهلت توعية وثقيف الشباب والفتيات على أبجديات العلاقة ومواجهة الصعوبات وتحمل المسؤوليات، ومن الطبيعي أن يرتفع الطلاق مع الجهل بالحد الأدنى من المبادئ التي تقود إلى نجاح العلاقة.

 

تظل أزمة الحكومة المصرية في أنها جعلت الدورات التوعوية للمقبلين على الزواج اختيارية، مع أنها ضرورية لتعريفهم بأبجديات التعامل والتقارب والتفاهم للحد من الانفصال المبكّر، حيث يقدمها متخصصون، يجعلون الشباب والفتيات يتعايشون مع كل ما يخص العلاقة الزوجية لبدء حياة زوجية عن فهم وإدراك معايير نجاحها.

 

تتحمل بعض الأسر مسؤولية الطلاق المبكر عندما تكره الفتاة على الزواج من شاب بعينه، لوجود علاقات قرابة أو مصاهرة أو لإنقاذها من شبح العنوسة، ما يقود إلى صدام مع الشريك، وتحدث قطيعة نفسية بين الفتاة وزوجها ولا يستطيع كلاهما التعايش مع الآخر فيقع الطلاق سريعا، وهي إشكالية حاولت المؤسسة الدينية في مصر علاجها من خلال تحريم الإكراه على الزواج، لكنها بلا جدوى حقيقية.

 

وإذا تزوجت الفتاة عن قناعة وبلا إكراه، قد تطلب الطلاق سريعا إذا ما كانت واعية بحقوقها وصاحبة قرار مستقل، وترفض أن تكون مجبرة على تحمل حياة زوجية كئيبة وتملك الشجاعة لمواجهة وصاية الرجل وتؤمن بأن الطلاق ليس نهاية المطاف، ويتوقف على درجة وعي الفتاة ومستوى تعليمها وقدرتها على تحدي المجتمع المحيط.

 

فسّرت هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع والباحثة في القضايا الأسرية بالقاهرة، أزمات الأزواج في السنوات الأولى بأن النسبة الأكبر من المتزوجين حديثا يعانون من عدم التوجيه الأسري منذ الصغر، فالفتاة تعتقد أن الحياة الزوجية قائمة على الرفاهية مع مسؤوليات قليلة، والشاب يتربى على الاتكال وعدم الإحساس بمهامه كرب أسرة، وبمجرد دخول كلاهما عش الزوجية يواجهان صدمة يعمقها اختلاف الطباع.

 

 

وقالت لـ”العرب” إن غياب التوافق بين الشريكين في الميول والاتجاهات والطبقة الاجتماعية والتعليم يسرّع وتيرة الصدام مبكرا، وغالبا ما ينتهي بالطلاق، وبالتالي فالمعيار الأهم في سلامة العلاقة هو وجود توافق فكري ونفسي واجتماعي، لأن اتساع الهوة بين الطرفين يجعل ترميم الخلافات بينهما شبه مستحيل سواء تزوجا عن حب أم بشكل تقليدي، لأن الحياة الزوجية لها دستور مختلف تماما.

 

ومن الصعب الفصل بين اتساع دائرة الطلاق المبكر في مصر وبين تزايد الضغوط الناجمة عن الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار، وما يسببه ذلك من صدمات للزوجين في بدايات حياتهما الأسرية، حيث تتغيّر العادات ويصبح كلاهما مضطرا إلى التعايش مع التقشف، في حين لم يكن معتادا على ذلك في بيت أسرته، ما يجعل الطرفين أو أحدهما يشعر بالتورط في علاقة يجب الخلاص منها.

 

وثمة مشكلة أخرى ترتبط بأن أهداف الزواج للشاب والفتاة تتم صياغتها من خلال أسرة كلاهما، وتتعمد كل منهما تنصيب نفسها رقيبا على سلوكيات الشريكين، دون تركهما أحرارا يرسمون شكل حياتهما بعيدا عن التدخل بطريقة فجّة، فتحدث خلافات يصعب علاجها، وهو ما ظهر في إحصائيات صدرت عن وزارة التضامن الاجتماعي في مصرومفادها أن التدخلات العائلية تساعد على زيادة معدل الانفصال.

 

بقطع النظر عن هوية من يتحمل مسؤولية الطلاق المبكر، لكن الأسباب المختلفة تقود إلى أن الأجيال الجديدة، شبابا وفتيات، تخوض تجربة الزواج بلا فهم صحيح لمعنى الأسرة، وهناك نسبة تتزوج لإشباع غريزة أو عاطفة أو تنفيذا لتقليد مجتمعي، وبمجرد أن تتم الخطوة يخفق كل طرف في إدارة السنوات الأولى ويصبح الطلاق قرارا حتميا.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي