الرئيسية > رياضة > كيف يستفيد المنتخب الإنجليزي من تألق بيلينغهام مع ريال مدريد؟

كيف يستفيد المنتخب الإنجليزي من تألق بيلينغهام مع ريال مدريد؟

" class="main-news-image img

 

يمكن القول إن الشيء الأكثر إثارة ومتعة في رؤية النجم الإنجليزي الشاب جود بيلينغهام في الوقت الحالي لا يتمثل في الأهداف التي يحرزها (11 هدفاً في جميع المسابقات) أو الأهداف التي يصنعها (أربعة أهداف) أو الاحتفالات المميزة بعد هز الشباك (بأذرع مفتوحة وكأنه يدعونا إلى احتضانه)، ولكن الشيء الأكثر إثارة حقاً يتمثل في ذلك الفارق الصغير بين لحظة الإبداع ولحظة الإدراك: فعندما يكون بيلينغهام محاصراً بجوار خط التماس ويخطط للتغلب على هذا الموقف الصعب، أو يفكر في المراوغات الرائعة التي تساعده على تناقل الكرة بسهولة بين قدميه، فنحن في حقيقة الأمر لا نعرف كيف سينتهي هذا الموقف أو ذاك، لأن بيلينغهام نفسه ربما لا يعرف ما سيفعله، وإنما يتصرف بطريقة عفوية بفضل المهارة الفذة الطبيعية التي يملكها والتي تجعله يتصرف بشكل مختلف وفق كل موقف على حدة.

 

 

وخلال الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «ماركا» الإسبانية مقالاً كاملاً عن «لسان بيلينغهام»، وكان المقال يركز بالكامل على نقطة أن لسان بيلينغهام يتدلى عندما يركض! وينطبق نفس الأمر أيضا على نجم كرة السلة مايكل جوردان الذي يخرج لسانه وهو يركض. بل وكان من المعروف عن آينشتاين أنه يخرج لسانه أيضاً بالطريقة نفسها، وبالتالي فإن النتيجة النهائية تقودنا إلى أن بيلينغهام شخص عبقري! وربما تكون هذه هي ضريبة الرياضي الناجح الذي تتسلط عليه الأضواء وتسعى لتحليل أي شيء يفعله ولو كان بصورة عفوية!

لقد خطف النجم الإنجليزي الشاب قلوب وعقول أنصار ريال مدريد منذ انتقاله للنادي الملكي هذا الصيف. ولا يعود السبب في ذلك فقط إلى إحرازه لعدد كبير من الأهداف، فإحراز الأهداف ليست مهمته الأساسية، ولا يمكن أن يكون السبب أيضاً الموهبة الكبيرة التي يملكها اللاعب، والدليل على ذلك أن لاعباً موهوباً مثل غاريث بيل قضى تسع سنوات في ريال مدريد، لكنه لم يحظ بحب جماهير النادي. لا يمكنني أن أجزم بأن بيلينغهام هو أفضل لاعب في العالم حالياً، لكنه بلا شك اللاعب الأكثر إثارة للذكريات والبهجة، وهو الأمر الذي جعله معشوقاً لجماهير الريال.

لكن عندما ينضم بيلينغهام إلى المنتخب الإنجليزي فيتعين عليه أن يخلع ثوب البطل الخارق ويرتدي قميص تدريب أزرق اللون ويبدأ في لعب التمريرات الجانبية بشكل عادي إلى هاري ماغواير! وإذا كانت قصة بيلينغهام مع ريال مدريد هي قصة حب في بدايتها، فإن قصة بيلينغهام مع المنتخب الإنجليزي هي قصة أكثر تعقيداً وإثارة للحرج بعض الشيء. هنا تبدو القدرة على إظهار الإمكانيات الكاملة محدودة، وتبدو المتطلبات أكثر حدة وإلحاحاً، ويكون هذا اللاعب الشاب مطالباً بأن يكون هو مصدر الإلهام لزملائه، وأن يكون هو من يعمل على تحويل اللعب من الدفاع للهجوم، ويكون هو من يقود الفريق للفوز.

وهذه هي طبيعة كرة القدم على مستوى المنتخبات، حيث لا يحاول أحد أن يبدع ويتفنن. لكن ربما يرجع هذا أيضا إلى التنافر الطبيعي بين رجل في بداية رحلته مع المنتخب الإنجليزي (بيلينغهام)، ورجل يقترب جداً من نهاية رحلته (المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت)، أو بمعنى آخر بين رجل يحاول أن يُبدع ويطلق العنان لخياله، ورجل يحاول قدر المستطاع تمرير الأيام المتبقية في منصبه الذي يبدو أنه يخطط بالفعل للخروج منه! باختصار: هذا ما يحدث عندما تصطدم القوة الأكثر حيوية وإثارة في كرة القدم الإنجليزية وجهاً لوجه مع القوة الأقل من حيث الإثارة والمتعة.

وقد رأينا لمحة من ذلك عند إعلان ساوثغيت عن قائمة المنتخب الإنجليزي الأسبوع الماضي، وبالتحديد عندما سُئل المدير الفني للمنتخب الإنجليزي عن المستويات الاستثنائية التي يقدمها بيلينغهام في الآونة الأخيرة مع ريال مدريد، حيث قال ساوثغيت: «لقد دافع في مركز الجناح الأيسر في مباراتين. أستطيع أن أتخيل رد فعل الجميع لو طلبت منه أن يفعل ذلك». ربما كان ساوثغيت يحاول أن يمزح من خلال هذه التصريحات، لكنها مزحة مُعبرة وغير مقبولة، وتحمل قدراً كبيراً من الملل والاستياء. ويبدو أن هذه أصبحت الطريقة المعتادة لساوثغيت هذه الأيام، كما حدث وهو يشكو من حكام تقنية الفار.

من المؤكد أن لاعب المنتخب الإنجليزي ديكلان رايس لن يكون أبداً مثل لوكا مودريتش، ومن المؤكد أن كالفن فيليبس لن يكون أبداً مثل إدواردو كامافينغا، لكن المباراة التي فازت فيها إنجلترا على أسكوتلندا، وإن كانت ضد منافس ضعيف في مباراة ودية، كانت مثالاً جيداً لكيفية الاستفادة من القدرات الهجومية الهائلة لبيلينغهام دون التضحية بالنواحي الدفاعية. لكن المشكلة الأكبر هنا تتمثل في الشعور باللامبالاة الذي بدأ يتسلل إلى منتخب إنجلترا بقيادة ساوثغيت في النصف الثاني من عام 2021 تقريباً، بعدما كان لفترة وجيزة أحد أفضل المنتخبات الإنجليزية التي رأيتها في حياتي.

أنا لست خبيراً في الخطط التكتيكية أو التدريب، ولست مؤهلاً حقاً لإخبار ساوثغيت بالتشكيل الذي يجب أن يعتمد عليه، أو من يجب أن يلعب في خط الوسط، لكنني أعلم أنه منذ وقت ليس ببعيد كان هذا المنتخب الإنجليزي يجعلنا نشعر بالمتعة، بقيادة رجل بدا أنه يجسد أفضل ما لدينا. لكن ما الذي جعل هذا المنتخب الذي يضم لاعبين رائعين مثل بيلينغهام وبوكايو ساكا وماركوس راشفورد وفيل فودين وترينت ألكسندر أرنولد وجاك غريليش يفقد قدرته على إسعاد الجماهير؟ ربما حدث ذلك عندما بدأ المدير الفني، الذي أحرقته الانتقادات اللاذعة، في التركيز على النهايات والنتائج فقط!

ولحسن الحظ أن ساوثغيت لديه لاعب رائع مثل بيلينغهام يلعب دائماً من أجل تحقيق الفوز، ولا يبخل بنقطة عرق واحدة من أجل فريقه، ويجيد التواصل مع الآخرين، ويسعى دائماً لأن يكون ملهماً ومبدعاً داخل المستطيل الأخضر. وربما سيتم تحديد إرث ساوثغيت في نهاية المطاف من خلال مدى قدرته على استغلال قدرات وإمكانيات بيلينغهام التي لا حدود لها، لأنه إذا كان نجم الريال الشاب يريد أن يعلمنا أي شيء، فإنه يعلمنا أن أفضل طريقة لكتابة النهاية المثالية هي اللعب كما لو أنه لا توجد نهايات على الإطلاق!

*نقلا عن صحيفة الغارديان البريطانية


الحجر الصحفي في زمن الحوثي