الرئيسية > محليات > عندما يتحول آباء الشهداء إلى باعة متجولين تأكلهم الطرقات.. "أبو فواز" العدني نموذجاً

عندما يتحول آباء الشهداء إلى باعة متجولين تأكلهم الطرقات.. "أبو فواز" العدني نموذجاً

" class="main-news-image img
ضاقت عليه مدينة عدن بما رحبت وأحس أن رحى ثقيلة من الحزن تدور فوق رأسه بعد أن فقد رفيقة دربه.


أحس أن هذه المدينة الحبيبة التي منحها زهرة شبابه لم تعد حبيبة بعد أن رفعت في وجهه سيف الفجيعة.. بل سيوف الفجائع المتلاحقة التي أصابته في الصميم..


يا ألله... كم طحنته المصائب.. وداهمه الحزن.. وخذله الأصدقاء!!


وحدها "أم فواز" كانت عزاءه في مصابه وكان عزاءها في مصابها.. وليس بعد ذلك سوى الخذلان.


الحاج "أبو فواز"، كهل مسن.. عرفته شوارع المعلا لسنوات نشطا دؤوبا.. بمشدته البيضاء التي يعصب بها رأسه الوقور.. وبصوته الوادع وهو ينادي في أزقة عشقها وعشقته وعرفته مكافحا صلبا يحمل على كتفيه علب العشار أو البسباس العدني.. يقضي نهاراته تطوافا في أزقة المدينة باحثا عن رزقه.. راضيا بما قسمه الله له.. وما أجمل السعي في طلب الرزق حين يكلله الرضى.. إنه مرارات الحياة الحلوة.. وتعبها المريح..


وكانت أجمل اللحظات لديه حين يعود مساء إلى بيته الصغير حيث يقاسمه العيش فيه زوجته الوفية ام فواز وفواز ابنه الوحيد وهدية الله له بعد الانتظار الطويل..


كبر فواز وترعرع تحت سمع أبويه وبصرهما واثمر تعبهما فيه ذكاء واخلاقا وتفوقا في الدراسة أهله للالتحاق بكلية الصيدلة.. وكان حلمه ان يأتي اليوم الذي يحمل فيه عن كاهل أبيه متاعب الحياة.


غير أن يوما آخر كان ينتظر فواز.. خرج في صبيحته شابا قويا مفتول العضلات يحمل في كتفه بندقية وفي قلبه محبة هذه المدينة التي قفز للدفاع عنها ضد الغازين المتوحشين القادمين من مجاهل التاريخ.. ضد مليشيا الحوثي وصالح الدموية وعاد في مساءه جثة هامدة.. فقد اختاره الله شهيدا..


رمت المأساة بأثقالها على الاب المسكين وزوجته المكلومة.. لكن الحياة لا بد ان تستمر.. هكذا كان يرى أبو فواز.. أما الأم الثكلى فقد لازمت فراشها وأدمنت النواح على راحل لن يرجع وغصن رمت به الريح في واد سحيق.. سحيق..


رق جسدها المهدود وتناوشته الأسقام ومرت عليها الليالي والأيام ثقيلة.. موحشة.. باردة.. حتى جاءها الموت.. واسدل بذلك ستار مأساتها.. ليحمل الزوج المكدود حزنا إضافيا برحيل شريكة العمر.. فماذا بقي معه إذن..


تعب "ابو فواز" في إجراءات توظيف ابنه الشهيد وحصل على مبلغ بسيط.. وعلى وعود كثيرة براتب شهري.. وحين اشتدت الضربات على مدينة عدن خرج أبو فواز في جماعة من جيرانه نازحا إلى مدينة التربة حيث ألقى هناك عصا الترحال ورفيقه فيها ذكريات تلك المدينة التي تثور بين جنبيه كلما أرخى الليل أستاره..


جسد متعب.. وقلب محزون.. وقدمان نحيفتان تطوف شوارع المدينة الصغير سحابة كل نهار سعيا وراء رزق يفي بلقمة جافة تعينه على انتظار الموت واللحاق بفواز وامه في عالم لا يعرف الخذلان ولا تنكر الأقارب والأباعد..


يخرج "أبو فواز" من منتزحه كل صباح إلى أزقة المدينة حاملا بيديه اكياس صغيرة من البهارات يسعى في بيعها على المارة حتى إذا ما غربت الشمس عاد إلى مأواه الموحش حيث لا ينتظره أحد غير الدمع والذكريات.


لا يفكر "ابو فواز" بالرجوع إلى المدينة التي غدرت به.. ومابين الحين والآخر يتابع تلفونيا إجراءات توظيف ولده فلا يجد إلا وعود إثر وعود.


كل ما جرى لهذا الكهل موجع لكن الوجع الذابح ان يتحول آباء الشهداء إلى باعة متجولين تأكلهم الطرقات في انتظار وعود منسية في رفوف التجاهل والنسيان وعدم اللامبالاة.






الحجر الصحفي في زمن الحوثي