الرئيسية > منوعات > شجرة «الغاف».. جنة في الإمارات جحيم في السعودية

شجرة «الغاف».. جنة في الإمارات جحيم في السعودية

" class="main-news-image img

الغاف» في الإمارات شجرة «صديقة» يتم اعتبارها ثروة طبيعية، بينما في السعودية هي «عدوة» يتم اعتبارها سمًّا يلحق الضرر بالبيئة وبصحة المواطنين.

اسمها العلمي برسوبس وتنتمي أشجار الغاف والمسكيت إلى هذه الفصيلة الطلحية التابعة للفصيلة القرنية. يبلغ عدد الأنواع التي تنتمي إليها أكثر من ٤٢ نوعًا حول العالم، وهي تنمو بكثرة في الإمارات، أما في السعودية فهناك أكثر من ستة أنواع منها ما هو محلي ومنها ما هو مستورد.

هي من أكثر الأشجار البرية التي تتحمل درجات الحرارة والجفاف، كما أنها تتحمل الملوحة العالية ولا تستهلك الكثير من المياه. تتحمل تقلبات الجو والرياح، وتمكن زراعتها في التربة الملحية الرملية؛ إذ إن جذورها يمكنها أن تتعمق في التربة لمسافات تصل إلى ١٢ مترًا. من الناحية النظرية هي مثالية للبيئة الصحراوية في السعودية والإمارات ولكن الواقع مختلف.

 

«الغاف» تحظى بمكانة خاصة في التراث الإماراتي، وقد أصدر الشيخ زايد بن سلطان مؤسس دولة الامارات بمنع قطعها من جميع أنحاء الإمارات بالإضافة إلى زراعة غابات جديدة منها، وهذا ما تم العمل به منذ إصدار تلك الأوامر وحتى يومنا. 

لطالما لعبت الغاف دورًا كبيرًا في حياة الإماراتيين؛ فهي كانت مصدر لا ينضب من الغذاء للإنسان والحيوان على حد السواء، كما انها كانت خير معين لهم حين ترتفع درجات الحرارة فيجلسون في ظلها. 

العلاقة بين «الغاف» وحياة البداوة وثيقة، وعليه فمكانتها في القلوب مميزة؛ فهي لعبت الدور المكمل لنمط الحياة؛ وكانت مخيمات الإبل والجمال تقام في بساتين «الغاف». كما كانوا يستغلون خشبها لبناء البيوت المسقوفة وحظائر الماشية والمجاري وغيرها، أما في الشتاء فكانت حطبًا يمنحهم الدفء. 

 قدرتها على مقاومة العوامل المناخية وحاجتها القليلة للماء تجعلها مثالية لمكافحة التصحر. ويتم استغلالها لتشجير الصحارى ولتثبيت الكثبان الرملية المتحركة وإقامة مصدات للرياح مع أحزمة الوقاية الخضراء كما أنها تستخدم لتشجير الشوارع والطرق والمنتزهات العامة. 
هي من الأشجار التي تنمو بكثرة وفي بيئات عديدة، وتغطي مساحات كبيرة من الأراضي الإماراتية سواء الرملية أو التي تميل إلى الملوحة أو المسطحات الرسوبية. 

 

فوائدها البيئة عديدة جدًّا والإمارات تحاول الاستفادة منها لأقصى الدرجات. من هنا كان قرار إقامة محمية «غاف نزوى» للتشجيع وللاهتمام بها؛ فهذه الشجرة الصديقة للبيئة يمكنها أن تحتجز نحو ٣٤.٦٥ كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا ما يجعل دورها في تقليل الانبعاثات الكربونية أساسيًّا.

أبو ظبي حالها حال الإمارات؛ فهي تهتم بشدة بهذه الشجرة، وهي ما تنفك تنظم حملات لزراعة المزيد منها. 

فوائدها الطبية عديدة وهي أصلاً تدخل في تركيبة عدد كبير من الأدوية. في الإمارات هناك سلطة المجيجة التي كانت فيما مضى على كل الموائد. الطبق هذا طعام ودواء ووقاية؛ فهو يستخدم أوراق «الغاف» الطرية مع بعض منتجات الألبان والسمك المجفف.

 

الشجرة هذه كانت صيدلية متنقلة فكان مسحوق أوراقها يستخدم لمعالجة الإسهال وتسكين الآلام ومعالجة مختلف الأمراض. 

 

الصورة تختلف كليًّا في السعودية، فالشجرة هذه غير مرحب بها على الإطلاق، خصوصًا أنها من النباتات المدخلة إلى البلاد؛ أي أنها لا تنمو بشكل طبيعي هناك. في العام ٢٠١٤ وبعد ارتفاع الصوت عاليًا كشفت وزارة الصحة السعودية أن البرسوبس ومن ضمنها المسكيت و«الغاف» مصنفة ضمن النباتات غير المسموح باستيرادها؛ وذلك بسبب الأضرار الكبيرة التي تتركها. كما كشفت أنها أدخلت إلى البلاد قبل ٤٠ سنة لهدف «نبيل» وبنية طيبة، ولكن النتائج ويا للأسف! كانت سلبية.

زرعت للمرة الأولى في منطقة القصيم، ثم انتقلت إلى باقي المناطق عن طريق الحيوانات، وهكذا انتشرت بشكل سريع فهي معروفة بأنها تنمو بسرعة كبيرة.

الأضرار التي ألحقتها الشجرة بالسعودية تتنوع بين صحية وبيئية؛ إذ إنها تتسبب بأمراض صدرية كالربو والحساسية، كما أنها أثرت بشكل سلبي في الغطاء النباتي والحيواني.  

 

تزهر هذه الأشجار خلال الربيع والخريف، ولكنها تحافظ على أزهارها طوال العام وتتساقط أوراقها خلال الشتاء وبشكل كثيف جدًّا ما يغطي التربة، وبالتالي تمنع نمو النباتات. وبحكم أنها سريعة الانتشار والنمو فإن الضرر شامل ليس فقط من ناحية منع نمو النباتات، وإنما لأنها تحول دون نمو أشجار محلية أخرى.

تزايدت الشكاوى منذ سنوات من أزمات الربو والحساسية والسعال التي تسببها حبوب اللقاح التي تطلقها أزهار هذه الاشجار ما دفع بالجهات المعنية إلى إطلاق مشروع لإزالتها كاملة، رغم أن البعض في المقابل يعتبر أن الحل يكمن في تقليل الأعداد والعناية بما يتبقى منها من ناحية التقليم والقضاء على عملية التزهير وزيادة قدرتها على مقاومة الرياح. فالمشكلة الأساسية في السعودية هي أن هذه الأشجار تُركت حتى خرجت على السيطرة وحتى رغم كل المشكلات المرتبطة بها فالعناية بها ما تزال غير كافية.

السؤال المطروح هنا: ما سبب كونها نعمة لبلد ونقمة لبلد آخر؟

حسنًا الإجابة بسيطة، وهي أن السعودية ليست موطنها الأصلي، وليست بيئتها الطبيعية، وبالتالي وفي محاولة من هذه النباتات للتأقلم مع بيئة جديدة تحولت إلى مشكلة لا حل لها. الواقع هذا معروف ومبدأ نقل حيوانات ونباتات إلى بيئات أخرى أثبت فشله مرة تلو الأخرى. 


 


الحجر الصحفي في زمن الحوثي