هو فرعون.. لكن أيكم موسى!!

كتب
الاربعاء ، ٠٣ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٠٢ صباحاً


بقلم: عارف أبو حاتم -
بدأت قضية "مهجرو الجعاشن" حقيقية وعادلة، وانتهت على نحو هزلي فيه تسخيف لقضايا حقوق الإنسان، وللعمل السياسي عموماً.

أعرف المنطقة وأهلها، وأعرف أن فيها شيخاً يأتي في المرتبة الثانية بعد فرعون، لكن لم يكن بين "الجعاشنة" رجل كموسى ليقول له: "وتلك نعمةٌ تمنها عليّ أن عبّدت بني إسرئيل"، الذكاء الفطري عند ذلك النبي الأسمر قاده إلى تحويل مجرى الحديث من خلاف شخصي، إلى خلاف جمعي بين فرعون وبني إسرائيل الذين عبّدهم.

ذات ليلٍ تسرب "الجعاشنة" من "رعاش"، كقوم موسى، على حين غفلة من الشيخ وحرسه، وصلوا إلى مدينة "القاعدة"، ومنها إلى المحافظة "إب" وصولاً إلى صنعاء، حاملين مظلمتهم وقضيتهم العادلة، وطوال الرحلة تدفقت الوعود والإملاءات السياسية، إلى أذهانهم، وتقدموا بجسارة إلى البرلمان، ومنظمات حقوق الإنسان، تبنت الناشطة توكل كرمان قضيتهم بصدق وإخلاص، لكنها لم تدلهم على طريق العودة، بل أرشدوها هم إلى طريق "نوبل".

لم يكن بوسع توكل أن تفعل أكثر مما فعلت، فالشيخ محمد أحمد منصور واحد من أقرب الناس إلى قلب الرئيس صالح، وصالح أراد أن يستثمر قضية "المهجرين الجعاشنة" في شغل المنظمات المحلية والدولية، وصرف أنظارها عن فساد وترهل نظامه، دون أن يدري أن تلك القضية ستصبح شرارة في إحراق كرسي رئاسته.. وقد كانت.

القضية العادلة دخلت مع مرور الوقت في مثلث بغيض، أفقدها جوهرها، فكان الضلع الأول: "الإصلاح" الحزب الذي رأى أن فرصته لن تعوض في إنهاك وإنهاء سلطة شيخ لطالما أرهق جماعته في الدائرة 103 ومد ظله في الدائرتين المجاورتين 101 و102، حتى أنهم دخلوا معه في حربٍ ضروس لم يحلها غير الشيخ عبدالله الأحمر بصنعاء، فكان لابد لقيادات تلك المجاميع المهجرة من الإصغاء إلى إملاءات "الإصلاح" في توجيه مسار القضية، والبحث عن حلٍ يقصم ظهر "الشيخ"... وذلك ما لم يكن.

وجاء الضلع الثاني في مثلث القضية وهو تصفية حسابات بين شيخ العدين صادق باشا، وشيخ الجعاشن منصور، بسبب خلاف على قضايا "حدودية" بين الجارتين النوويتين "العدين والجعاشن"، وهي قضية وصلت إلى الرئيس صالح، فوجه وزير الإدارة المحلية بحلها، وأوكلها الأخير إلى محافظ إب الحجري، فردها المحافظ إلى الرئيس، وهنا تدخلت الحلول الوسطى والنصفية، وكان الشيخ محمد المساوى مستشار محافظ إب هو وسيط منصور إلى الرئيس صالح، ليوضح له الحقيقة، باعتباره ابن العدين من جهة، وقريب وجدانياً من الشيخ منصور من جهة ثانية، قضى الرجل نهاره في منزل منصور بتعز، واستمع منه لما يريد إيصاله إلى الرئيس صالح، ثم انطلق بسيارة منصور إلى صنعاء في ذات الليلة، لكنه لم يصل إلى صنعاء، فقد باغته الموت بحادث مروري بمنطقة معبر عند منتصف ليلة 13 فبراير 2007م، وعند الصلاة عليه في مسجد بالعدين التقى منصور وباشا فوق جنازة صديقهما الثالث، ولم يتصافحا، لأن القضايا الحدودية أكبر من الموت!! فمسألة التبعية لها ما بعدها من "ضمان" و"نفوذ" وسلطة.

وهنا تدفقت أموال صادق باشا على مخيمات اللاجئين من خصمه اللدود بصنعاء، وأعطاهم ما يكفي لبقائهم حتى يتم الانتصار لقضيتهم العادلة، فتشرب المهجرون المال، وربما رأى بعضهم في صنعاء ما يغني عن تعاسة القرية والشيخ.

مرةً قلت للنائب نبيل باشا: لوالدك يد في تغذية قضية مهجري الجعاشن، نتيجة الخلاف بينه وبين "منصور" على قرية صغيرة لمن تتبع. فرد ببرود تام: ولا به أي خلاف، حدودنا معروفة، وحدوده معروفة!!

نائب برلماني يتحدث عن حدود!!
وشكل هلع بعض المهجرين الضلع الثالث في تعقيد القضية، فقد سعى بعضهم إلى المتاجرة بها، والوقوف طويلاً أمام المنظمات، والمشائخ، وأهل الخير، حتى أصبحوا مثل فلسطينيي المهجر، يتسولون باسم القضية!

اليوم، وقد سقط "هُبل" الداعم لنفوذ "منصور" وسقط نظامه، وسقط معه "الفيتو" المعترض على محاكمة "منصور"، مضافاً لذلك؛ أن الخصم اللدود "باشا" غارق في قضية حقوقية أشرس، وتحاصره الإدانات من كل صوب، وبقي في قضية "الجعاشن" ضلع "الهلع" والخوف من "هيلمان" الشيخ.

قبل حوالي شهرين كتم الطرفان "الإصلاح" والشيخ منصور خبراً مهماً، وهو أن عصابة مسلحة ليلية اقتحمت منزل "الشيخ" في قرية "العنسيين" ونهبت كل ما فيه من أسلحة ونفائس، أثناء تواجد الأخير في القاهرة، فسكت هو لأن الغيظ قد ملأ صدره، ولا يريد أن تنتقص الحادثة من قيمته، وسكت إعلام "الإصلاح" حتى لا تشق التهمة طريقها إليه، فهو الخصم اللدود الوحيد لـ"الشيخ".

فماذا ينتظر "الجعاشنة" بعد سقوط نظام صالح، هل ينتظرون من "توكل" أن تحملهم بسيارتها، وتأثث منازلهم، و"تربط" شيخهم، وتعيدهم كما لو كانوا مغتربين في الخليج؟!

لقد سقط نظام صالح وانتهى "الفيتو" و"الجعاشنة" يتسولون البيانات وفتات المنظمات، لماذا لا يندفعون بقوة "موسى" نحو "فرعونهم" ويغرقونه في بحر إرادتهم، يقتحمون قراهم بقوة الحق، وإرادة الغلبة، ويواجهون "الشيخ" بأدواته المرعبة، وسيقف معهم في هذا المطلب الإنساني؛ الشعب والدولة.

ظِل "الشيخ" المهيمن في نفوس المهجرين جعل كل "جعشني" بحاجة إلى نصائح "الخيميائي" في الرواية التي تحمل اسمه، وهو يحث الشاب "سنتياجو" أن يتحد مع "النفس الكلية" التي هي من روح الله، ويكسر حاجز الخوف في نفسه.

لقد كان خبر الثلاثاء الماضي مقرفاً ومزعجاً، على نحو يشعرك بمرارة الثورتين ومكتسباتهما: "مسلحون يتبعون شيخ الجعاشن داهموا منزلاً وقاموا برمي طفل عمره 4 سنوات من على السطح، عقاباً لأبيه الفار في قرية الدِخال".
[email protected]

عن صحيفة الناس.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي