مقاولو الحروب المتنقلة

كتب
الثلاثاء ، ٠٢ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ صباحاً


بقلم: فيصل الصفواني -

في سياق مهمتها في تنفيذ مشاريع الحروب المتنقلة ،وانطلاقا من شعاراً”الموت لامريكا الموت لإسرائيل” أقدم عدد من مقاتلي الحركة الحوثية على خوض معركة مباغتة ومن طرف واحد صباح الجمعة الماضية في منطقة ريدة محافظة عمران وراح ضحية المعركة مايربو على عشرة قتلى وعدد من الجرحى .
لكن الضحايا للأسف الشديد ليسوا من يهود اسرائيل ولا من قوات المارينز الأمريكية ،وإنما هم مواطنون يمنيون من حفظة القرآن الكريم وبينهم إمام مسجد .
على المستوى العام نجد ان الحادثة بذاتها ثبطت احلامنا التواقة للأمن والاستقرار في هذا البلد المنهك من مشاريع المقاولات السياسية ،وجعلتنا نعيد النظر في المبررات الوجودية للحركة الحوثية ، فما هي الحاجة الوطنية لوجود الحركة ضمن معطيات المشهد السياسي الراهن والمستقبلي .
دعونا نتفق انه لا مبرر ولا مشروعية لوجود أي كيان سياسي الا اذا كان ينبثق من حاجيات واقعنا أو يعبر عن مصالح بلدنا بامتدادها العام .
والحروب المتنقلة التي تنفذها الحركة الحوثية بين الحين والآخر في ارجاء مختلفة من وطننا الحبيب ،لاتقل شأناً عن الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة التي يستخدمها تنظيم القاعدة بين الفينة والاخرى .
بل ان معطيات الواقع تبين لنا بما لايدع مجالا للشك ان الحركة الحوثية ليست اقل خطرا من تنظيم القاعدة فكلاهما تصب اهدافه في اعاقة تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن وكلاهما يرفع شعار العداء للخارج ويقتل ابناء اليمن في الداخل ،فلماذا نجعل وجود القاعدة جرما ووجود الحوثية جائزا ما هي معاييرنا في الحكم ومبرراتنا في انتاجه .
ليس هذا فحسب بل ان المتتبع لمنهجي الفريقين سيجد ان إستراتيجية القاعدة تعتمد على الانفجارات المباغتة في حين ان تنظيم الحوثيين يقوم على إستراتيجية إشعال الحروب وهنا تكمن الخطورة المستقبلية ، فالقاعدة تستخدم الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة بهدف الانتقام لأنها تمر بمرحلة هبوط واندحار من كافة المحافظات اليمنية ،في حين ان حركة الحوثيين تشعل الحروب بهدف تكريس وجودها القائم على استخدام القوة و هي تمر بمرحلة صعود .
وبهذا الخصوص تحضرنا العديد من التسأولات ... لماذا يستخدم الحوثثين السلاح في فرض وجودهم ؟ ولماذا يتمدد الحوثيون بقوة السلاح في المحافظات الشمالية ؟
هل يعتزمون إقامة دولة بالشمال منفصلة عن الدولة اليمنية؟ أم انهم يعتزمون تكرار نموذج حزب الله في جنوب لبنان وانهم يريدون ان يفرضوا على الدولة اليمنية التعامل معهم كواقع يجب التسليم به .
كل تساؤلاتنا وأجوبتنا المعرفية تفيد بأن الحركة الحوثية تعيش مشكلة خاصة بوجودها فهي تفتقر لأسس وشروط الوجود السلمي والديمقراطي ، وهذه المشكلة الخاصة تحيل وجود الحركة على السطح العام الى مشكلة عامة تعني كل اليمنيين وتؤثر عليهم ومن ابجديات علم السياسة والاجتماع ان أي مكون سياسي يتحول وجوده الى وجود اشكالي فالواجب حله خصوصا إذا استعصت حل مشاكله .
وحاليا تبدو الحركة الحوثية بشكل العليل وفي حال بقائها على ما هي عليه فإنها ستبقى فريسة سهلة لاستغلال قوى خارجية إقليمية أو دولية وليس فقط لإيران وإنما قد تقع الحركة في قبضة استغلال قوى خارجية متعددة ،وهذا الوضع قد يروق لبعض قادة الحركة الذين يناسبهم دور المقاولين في اشعال الحروب المتنقلة والمباغتة ،وهم لا يمانعون من القيام بهذا الدور في سياق صفقات مشبوهة مع جهات خارجية لذلك سيعمل قادة الحركة الانتهازيون على تعقيد مشكلة الحركة وإبقائها في تركيبتها المعقدة حتى لايكون وجودها مؤهلاً لغير عمل المقاولات الدامية .
ولو أمعنا النظر في برامج عمل الحركة خلال المرحلة الراهنة سنجد انها لاتملك اجندة خاصة وانما كل اعمالها تخدم اجندات اطراف خارجية وداخلية تتجاذبها بحسب استراتيجياتها .
فالطرف الداخلي الذي يستغل الحركة يتمثل في قيادة النظام السابق التي تحاول افشال برنامج حكومة الوفاق من خلال الحركة الحوثية خصوصا في مجالي الامن والاستقرار ، أما الطرف الخارجي فيتمثل في ايران التي تعتزم نقل تجربة حزب الله من جنوب لبنان الى شمال اليمن بعد ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار .
إذاً نحن أمام وضع هو في غاية الخطورة جراء بقاء الحركة الحوثية بشكلها وتركيبتها الراهنة .
وعليه فإن الوجود الحوثي لا يهم الحوثيين وحدهم وانما يهم كل اليمنيين وكل شركائهم في المجتمع الاقليمي والدولي ، لابد ان نعمل معا على اصلاح أوضاع الحركة الحوثية ومساعدتها على التحول الى حزب سياسي مدني ، يتخلى عن السلاح والايدلوجية العنصرية في برنامج عمله واهدافه .
وبرغم تجاهل رعاة المبادرة الخليجية لهذا الخطر المستفحل في الداخل والذي ينمو في مرحلة بناء الدولة ،الا ان كلام الاستاذ محمد اليدومي عبر قناة الجزيرة وفي برنامج بلا حدود بعث الطمأنينة في النفوس ،خصوصا عندما قال ان قيادة التجمع اليمني للاصلاح مستعدة لتقديم يد العون والمساعدة للحركة الحوثية في حال ارادت الحركة ان تتحول الى حزب سياسي .
فعلا هذا الكلام من رئيس حزب الاصلاح ينم عن ادراك سياسي لجوهر المشكلة كونه يعلم ان الحركة الحوثية لايمكن ان يكون لها وجود إيجابي الا اذا تحولت الى حزب بدون سلاح اما التحول الى نموذج حزب الله ،فهو أمر مرفوض ويقع في مركز بؤرة الخطر على أمن اليمن ومحيطها الاقليمي ، وفي هذه الحالة لن تكون الحركة الحوثية أكثر من شركة مقاولات لتنفيذ صفقات الحروب المتنقلة ...فهل يمكن لأي بلد ان يحقق استقراراً أمنياً أوسياسياً وفيه هذا النوع من المقاولين؟!
[email protected]

الجمهورية

الحجر الصحفي في زمن الحوثي