اللهم لا شماتة.. صالح يشحت «فيزة»!

كتب
الاربعاء ، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٣٤ صباحاً

بقلم : -أسامه غالب -
يصعب تخيل اللحظة التي تسلم فيها الرئيس المخلوع رسالة اعتذار من السفارة الأمريكية بصنعاء بعدم منحه تأشيرة سفر.. السفير جيرالد فايرستاين قال في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء «أبلغنا صالح أننا لن نتمكن من إصدار تأشيرة له، وهذا ليس قرارا دائما وربما نمنحه في المستقبل»!!

حديث السفير يعيد إلى الأذهان قمة الدول الصناعية الثمان التي انعقدت في الولايات المتحدة الأمريكية في 2004م حيث شاركت اليمن بجانب ثلاث دول عربية وتركيا باعتبارها دولا تمتلك تجربة ديمقراطية جيدة، وفي القمة حاول صالح لفت الأنظار من خلال ارتدائه الزي اليمني التقليدي والجنبية، وأثارت صورته بجوار الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن ردود أفعال وتعليقات عديدة حينها.. فسبحان مغير الأحوال!!

هذا الاعتذار ليس الأول ولن يكون الأخير قطعا.. فقد رفضت عدة دول عربية وغربية استقبال صالح منذ خلعه من السلطة في فبراير 2011م، وأبرز هذه الدول هي السعودية والإمارات التي رفضت حتى الرد على طلبه للإقامة في أراضيها، وكذلك فعلت فرنسا رغم الطلبات المتكررة، وسبق أن رفضت ألمانيا منحة فيزة بصفته رئيسا وإنما كمواطن عادي جاء بغرض العلاج، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الرجل أصبح لا شيء سواء في الداخل أو الخارج ولم يعد رقما صحيحا حتى تضع له الحكومات الأجنبية اعتبارا، ولا أظنه يجهل هذه الرسالة البالغة القسوة.. لقد تحول جواز صالح الدبلوماسي إلى ورقة كرتونية لا قيمة لها – كصاحبها- يتم إرجاعه من أبواب السفارات وكأنه مطلوب أمني وإرهابي كبير وكأن اسمه صار ضمن قائمة سوداء ممنوعة من السفر والاستقبال!!

ظل صالح خلال ثلاثة عقود من حكمه يصول ويجول من دولة إلى أخرى بكل كبرياء وتبختر، وصارت رحلاته الخارجية في الفترة الأخيرة من حكمه عبثية لإيهام الرأي العام أنه أصبح رجلا عظيما ذا وزن عالمي، والإعلام الرسمي جاراه بالتطبيل والكتابة عن نجاح سياسته الخارجية التي لم نكن نلمس لها أثرا في الواقع.. كان يقدم جوازه وجوازات مرافقيه المسلحين بغض النظر عن عددهم ويتم تأشيرها قبل أن يرتد طرف عبده بورجي، وبعض الدول تدعوه لزيارتها وأخرى يهبط في مطاراتها عبر طائرته الرئاسية بدون جواز ولا تأشيرة بصفته رئيسا للجمهورية.. واليوم يستجدي ماما أمريكا منحه تأشيرة علاج لوقف تدهور صحته المستمر ولا يجدها وليته سلم من الإهانة والمذلة والتشهير.. لم تشفع له سنوات حكمه في الحصول على فيزة.. اللهم لا شماته!!

السبب في ذلك هو أن صالح دكتاتور مخلوع ثار الشعب ضده وشخص قاتل وفاسد ونظامه استبدادي وغير ديمقراطي فلا أحد يحترمه أو يقيم له وزنا في الحسابات الدولية مثله مثل كل الرؤساء الذين أساءوا استخدام السلطة وعبثوا بمقدرات بلدانهم وانتهكوا حقوق مواطنيهم.. فهذا شاه إيران عندما قامت الثورة ضده في 1979م رفض أعز حلفائه استقباله حفاظا على سمعتهم وحرصا على عدم تأثر علاقتهم بالنظام الجديد ووحده الرئيس المصري السادات من استقبله.. والرئيس التونسي زين العابدين بن علي ظلت طائرته في الجو لساعات لم يجد دولة تلبي طلبه للإقامة فيها بما في ذلك الدول التي عمل عميلا وخادما لها، وبالأخير تصدقت عليه السعودية واستضافته بشروط، بما يشبه الإقامة الجبرية..

بالمقابل سلم المشير عبدالرحمن سوار الذهب السلطة لحكومة منتخبة بعد عام من تقلدها في السودان بعد ثورة الإنقاذ في 1985م.. وهو الآن شخصية عالمية معروفة ومشهورة تحظى باحترام العالم، ولا أظن أن دولة ستتجرأ على رفض طلب تأشيرة له، وكذلك رئيسا لبنان السابقين إميل لحود وأمين الجميل بل وحتى شريف شيخ أحمد الذي سلم رئاسة الصومال قبل أيام بعد خسارته في الانتخابات، وتحول إلى رئيس سابق بكل فخر واعتزاز لن تمانع أي دولة في العالم من استقباله واستضافته ودعوته لإلقاء محاضرات في كبرى الجامعات كغيره من الرؤساء السابقين الذين تركوا السلطة طواعية في انتخابات حرة ونزيهة..

تصوروا لو أن المخلوع علي صالح أوفى بوعده في 2006م ولم يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية، أو على الأقل لم يزور الانتخابات وتقبل الهزيمة بروح رياضية وسلم القصر لمنافسه المرحوم فيصل بن شملان بمحض إرادته.. كيف كان سينظر له الداخل والخارج، وهل كان اليوم سيحتاج إلى شحت تأشيرة سفر غدت بالنسبة له حلما بعيد المنال ويتمنى الآن أن تقبل جوازه أي سفارة ولو كانت سفارة اريتريا لحفظ ماء وجهه؟!

أضاع صالح على نفسه فرصة تاريخية كانت كفيلة بتحويله إلى بطل عالمي يشار إليه بالبنان وتتسابق مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية إلى استضافته لشرح تجربته، لكن شاءت إرادة الله أن يخرج مذموما مدحورا يشتمه الصغير والكبير، وها هي نهايته مأساوية كحصاد لما زرعه خلال 33 عاما من فتن وانحطاط شامل وجرائم، وهي النهاية الطبيعية لشخصه.. ومن لم يكرم نفسه كرهاً يهان.

المصدر اونلاين

الحجر الصحفي في زمن الحوثي