اليمن مقبرة الثورات

كتب
الثلاثاء ، ٠٩ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤١ صباحاً

بقلم: محمد عبده العبسي

كان هاني الجنيد يهتف للثورة كما لو أنه وليام والاس في فيلم "قلب شجاع" (تحرير اسكتلندا)، في الوقت الذي كان اللواء علي محسن مجتمعا مع علي عبدالله صالح وآخرين في لجنة الأزمة، يقطر السم ويدبر المكائد لوأد الاحتجاجات السلمية. اليوم يهتف هاني ورفاقه مطالبين برحيل الفرقة الأولى من الجامعة، فتقول عنه قناة سهيل إنه مندس، ويعتدي عليه مجهولون في شارع الرقاص، ويتطوع ثوار الدفع المسبق بالدفاع عن الرجل الأول في نظام صالح اللواء علي محسن الأحمر.

كنت أرى انتفاخ العروق بالدم في رقبة عمر القاضي، وهو يهتف "الشعب يريد إسقاط النظام"، في الوقت الذي كان الزميل سيف الحاضري يراجع تهاني التجار والوزراء في صحيفته، لباني نهضة اليمن الحديث وربان السفينة علي عبدالله صالح، قبل أن يصبح اسمه عفاش.

كان هناك نادر الصوفي وسميح الوجيه، وما لا يتعدى 30 ناشطا وشابا، في الوقت الذي كان نبيل الفقيه وحمود الهتار يستلمان 140 ألفا بدل جلسات اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي، وينتظران، مع عدد من الوزراء وأعضاء مجلس الشورى السابقين، اللحظة المناسبة للقفز إلى السفينة الناجية.

وبينما كانت سامية الأغبري يعتدى عليها في جولة الرويشان، كان الشيخان الزاندني وصادق الأحمر، يقودان جهود الوساطة بين صالح والمشترك. فيما كان عبدالوهاب الآنسي يطلب من توكل التهدئة والتعقل، وحمير الأحمر يتناول الغداء مع صالح باعتباره الأب الحنون لا عفاش السفاح.

كان أحمد المنيعي الشاعر الإصلاحي الجميل، حاضرا من اللحظات الأولى، بصدقه وصوته الجهوري. وفي الوقت الذي كان أنصار الرئيس السابق يضربون بالهراوات الشاعر محيي الدين جرمة، كان نصف أعضاء المجلس الوطني للثورة، ونصف أعضاء لجنة الحوار، ووزير الدفاع، يحبسون أنفاسهم إذا رن الهاتف، وظهر رقم خاص، متمنين أن يكون المتصل فخامة الرئيس صالح!

كان أحمد باخريبة يقفل ورشته ويرمي كل شيء وراء ظهره، ويدعو الناس بصدق للالتحاق بالثورة، بينما كان حسين الأحمر يفاوض للحصول على مكاسب أكبر من منصب الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي، الذي عرض عليه كثمن لتجديد تحالفه مع الرئيس صالح.

كانت النخب السياسية والأحزاب -خلال الـ18 يوما بين سقوط زين العابدين بن علي وسقوط حسني مبارك- تتلبس ثوب العقلانية واللاموقف، حتى إن الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي نحبه، قال لـ"البيان" الإماراتية، إنه يستبعد أن يحدث في اليمن نفس ما حدث في تونس. قبله بأسبوعين فقط، في 15 يناير، قالت بلقيس اللهبي لـ"الجزيرة"، في أول مظاهرة خرجت لإسقاط النظام في اليوم التالي لزين العابدين، من أمام السفارة التونسية: إذا كان صالح يهددنا بالصوملة، فنحن نهدده بالتونسة. بعد شهور صارت بلقيس مندسة وأمن قومي، حتى إن عضو اللجنة التنظيمية نبيل الجرباني، قال من على منصة ساحة التغيير: بلقيس اللهبي تعمل لحساب النظام!

أجمل أيام الثورة كانت تلك الأسابيع الـ3. أيام الشدة والخوف. عدد قليل يتجمعون يوميا أمام نصب "الإيمان يمان والحكمة يمانية"، وبعد وقت قصير يتجمع أمامنا أنصار الرئيس السابق، وينتهي التجمع في كل مرة بالاعتداء! الاعتداء الذي صار في ما بعد يمارس من قبل اللجنة التنظيمية للثورة وجنود الفرقة، كورثة شرعيين لبلطجة النظام السابق.

وقتها لم تكن الساحة ساحة بعد. ولم يكن شجعان الزحمة ولا المتنطعون والمزايدون من ثوار الأحزاب ولا أعضاء اللجنة التنظيمية قد هبطوا بالبرشوت بعد. كان غالبية الحضور من ناشطي المجتمع المدني وطلاب الجامعة وحركة 15 يناير. وإلى جانب أحمد سيف حاشد والخيواني والمقالح ونبيل سبيع ووميض وحزب رأي وقبائل من أجل التغيير وآخرين، كان هناك توكل وخالد الآنسي، قبل أن يتحولا إلى حائط صد للدفاع عن القوى التقليدية بما يكفي لإدانة زملائهم. وبينما كان الشاعر أحمد الجبلي يصارع السرطان في خيمته وحيدا، كان المنشقون عن نظام صالح وأكثر المستفيدين منه يتقاسمون سلطة ما بعد الثورة.

باختصار اليمن ليست مقبرة للغزاة، وإنما مقبرة الثورات.
عن الاولى

الحجر الصحفي في زمن الحوثي