"غزوة السفارة"!

كتب
الأحد ، ١٦ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠١:١٣ صباحاً

بقلم: سامي نعمان
[email protected]

أن ترى شخصا يستبسل في التخريب وإشعال الحرائق في مبنى ذي حرمة وسيادة، وآخر متأبطا جهازا نهبه من هناك، فلن يكون منطقيا أن تعلق على مشهد كهذا بالقول إنهم خاضوا -على طريقتهم- معركة مقدسة لتأكيد الغيرة على الاسلام، والانتصار للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم..

ما كان أغنانا عن تصرف أهوج من قبيل استباحة السفارة الأمريكية بصنعاء، وتكسير ابوابها والعبث بمحتوياتها، ونهب ما أمكن حمله من أجهزة ومعدات متاحة، لينتهى بحصيلة مؤلمة وخائبة: قتلى وجرحى ،قد يكونون من خارج فتوات النهب والتخريب، وصورة مشوهة للاحتجاج السلمي المسؤول، وسمعة سيئة عوضا عن إحراز الهدف النبيل..

احتشد الخميس الماضي شباب من مختلف التيارات المتناقضة، ويتبعون الزعامات الدينية المتحاربة، وآخرون لا علاقة لهم بالتيارات او بالزعامات، أمام السفارة الامريكية بسعوان.. كان الاحتجاج سيمثل لوحة وطنية رائعة إذ اتفق أولئك على «أمر جامع» أخيرا.. لكن تلك اللوحة تحولت إلى سلوك همجي أهوج بسبب غياب التنظيم، وتهور البعض، ونية مبيتة لدى آخرين بتحقيق ما يعتبرونه هزيمة لأمريكا ونظام هادي معا، وإضافة لذلك كان هناك دولة غائبة للأسف، إذ شارك جنود من الأمن في تسهيل دخول النهابة إلى مبنى السفارة المحصن لإكمال غزوتهم المقدسة..

الاحتجاج السلمي بمختلف أشكاله سلوك حضاري مشروع لأي مواطن أو جماعة للتعبير عن رفض ممارسات أو سياسات يرون فيها مساسا بحقوقهم أو معتقداتهم، حتى وإن كان هناك تفاوت في تقدير مستوى الضرر أو قانونيته، أو حتى المسؤول عنه -كما في هذه الحالة- شريطة الاحتفاظ بخيار السلمية..

لست في معرض إقناع المحتجين بعدم علاقة إدارة أوباما أو سفارته في صنعاء أو القاهرة أو بنغازي بالفلم، خصوصا أنهم ينظرون-في هذا الأمر- إلى الإدارة الامريكية وكأنها تحكم إحدى جمهوريات «الموز» العربية، التي لا تعرف نظاما ولا قانونا ولا قيما ديمقراطية غير تلك التي يقررها مزاج الحاكم، إذ الأمر مرتبط بحرية التعبير المقيدة فقط بما يقرره القضاء بناء على دعوى يرفعها أي متضرر من رأي أو عمل مرتبط، وليس مرتبطا البتة بالفندم أوباما، الذي لا يستطيع أن يدعي يوما أنه الدولة أو أي من مؤسساتها غير ما هو مندرج تحت إطار صلاحياته في الدستور والقانون الامريكي!!

المشكلة التي تتجسد لدينا أيضا هي أننا لم ندرك يوما أو نعرف معنى الدولة أو مؤسساتها أو قيمها، أو ثقافتها، وذلك ما يجعلنا نتورط في أعمال مشينة كهذه، ويحرمنا من محاولة تفهم ثقافة الآخرين، ومبرراتهم..

يعيش في أمريكا ملايين المسلمين -بينهم عشرات الآلاف من اليمنيين- ضمن مجتمع متنوع من كل الأديان والأعراق، في حالة من الانسجام الاجتماعي المبهرة، حيث يسود احترام الحريات الشخصية والمعتقدات، ويكون القضاء هو المرجع في حال التعدي على حقوق الآخرين أو خصوصياتهم أو معتقداتهم..

ماذا لو كانت امريكا من جمهوريات الموز العربية-ثقافة وليس قوة طبعا- التي تتدهور العلاقات بين حكوماتها وشعوبها تبعا لنتائج مباراة كرة قدم؟!.. لكانت سفارات اليمن وليبيا ومصر قد نهبت خلال دقائق ووجدوها فرصة لترحيل ملايين العرب والمسلمين من بلادهم امريكا التي تحترمهم أكثر مما تفعل دولهم «الأم».. هم مواطنون كاملو الجنسية يتمتعون بكافة الحقوق كغيرهم الذين ولدوا هم وآباؤهم وأجدادهم هناك..

هنا في اليمن تلاحقك العنصرية إن كنت شماليا في الجنوب؛ أو جنوبيا في الشمال؛ زيديا في معقل سني؛ أو شافعيا في معقل الزيدية.. بطريقة أو بأخرى فإنك تصطدم يوما بسلوك عنصري قد لا يكون عاما لكنه أيضا ليس نزعة فردية..

تحدث الأستاذ محمد عبدالله اليدومي الأربعاء في برنامج بلا حدود كلاما جميلا عن العلاقات اليمنية الأمريكية ودورها في التسوية السياسية.. كان جميلا أن يطالب بالتفريق بين الدعم الأمريكي لليمن، والأخطاء الأمريكية التي اعتبرها تركة ثقيلة من النظام السابق، وهذا توازن يحسب له، مع تحفظي على تهربه من تحديد موقف واضح وجريء تجاه الغارات الأمريكية وقتل الأبرياء، مع أن اتخاذ موقف كهذا سيحسب له حتى عند الأمريكيين أنفسهم ولن يحسب دفاعا عن القاعدة..

أمريكا دولة ذات مصالح في اليمن، وإن لم تعمل لأجل مصالحها أولا فإنها تكون خائنة لشعبها.. وهذا ما يحتم علينا أن نعمل وفقا لمصالحنا، وان لا نسهم في إثارة النزعة العنصرية ضد المسلمين في أمريكا، بمعاداة الامريكيين وإدارتهم والتهجم على مصالحها، وإرهاب دبلوماسييها ومواطنيها هنا وربما قتلهم-كما حدث للسفير الأمريكي في بنغازي- لمجرد أن هاو مغمور ربما يرق إلى درجة مخرج أنتج فيلما مسيئا للرسول (ص) وصنعنا من فيلمه التافه معجزة كونية، ومنه نجما لاح للعالم فجأة..

موقف الرئيس عبدربه منصور هادي كان مسؤولاً، يرق إلى مستوى معالجة تلك الهمجية التي قام بها «الفاتحون» للسفارة، موقفه يرمم الهزالة وتقصير أجهزة الدولة الأمنية في حماية السفارة.. موقف مسؤول ينبغي أن يتبعه التزام ومحاسبة في حماية مصالح الدول الأخرى في اليمن..

القضية ليست -كما يصورها البعض- مجرد حرص على «صورتنا أمام العالم»، بعد أن تحسنت خلال انتفاضات الربيع العربي.. تلك ليست أولوية أو هدفا جوهريا ولا ينبغي لها أن تكون نزعة متكلفة إرضاء للآخرين..

بل هي احترام للذات، التزام بالقيم الدينية والحضارية والإنسانية؛ التي مسخت كثير منها طيلة عقود بسياسات ممنهجة وتسليم اجتماعي متخاذل -لمصلحة متنفذي المركز.. انتصار للمبادئ التي انتهكت ونهبت كما السفارة وأجهزتها..

ذواتنا أولى بالاحترام وقيمنا بالالتزام، من تكلف تحسين الصورة لنفاق الخارج..

الإساءة للإسلام وللرسول الكريم مدانة ومستنكرة أيا كان مصدرها، وهو أسمى وأعظم من أن تطاله سخافات الأغبياء والعنصريين.. ورسالة الإنسانية التي جاء بها النبي الكريم «رحمة للعالمين» اعظم من أن يطالها أي مس أو تشويه بعد ثبات مطرد طيلة ما يقارب أربعة عشر قرنا من الزمان..

إذا تصرفنا بتلك الطريقة الهمجية، ونحن دعاة الاحتجاج السلمي والدولة المدنية، فما الذي ننتظره من المتطرفين والقاعدة والجماعات الإرهابية التي تعيش زمن ما قبل الدولة، ولن نجني -تبعا لذلك- أكثر من الخيبات..

ينبغي أن نجسد قيم وأخلاق الإسلام في ردود فعلنا، ونتعامل بمسؤولية ترقى إلى ثقافة الإسلام وسماحته التي بها وحدها سنقنعهم أكثر بعظمة ديننا وحضارتنا فعلا لا إدعاء.

عن المصدر اونلاين

الحجر الصحفي في زمن الحوثي