أنهم يكرهون الحراك

كتب
الأحد ، ٠٩ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٠٠ صباحاً


بقلم : ماجد الشعيبي

ما زلنا نؤمن أننا لن نكون امتدادا لصراعات الماضي، الذي يحاول أن يعيد إنتاجه هذه الأيام بعض الجنوبيين الجدد الذين يتحدثون بنفس غير مقبول إطلاقا ومن شأنه أن يسيء لقضيتنا العادلة ويجعلها قضية بدون حامل وبدون قيمة يحترمها العالم أجمع وليس فقط المواطن الجنوبي الذي ليس في صفوف الحراك أو المواطن في أي مكان عربي آخر.

الماضي الذي يحاول استنساخ نفسه عبر مسميات أخرى جديدة ظهرت مجدداً في صفوف الحراك، مثل "التيار المتشدد" "فصيل البيض"، "جناح الفدرالية"... وغيرها من المسميات التي تقودها نفس القيادات التاريخية التي هي سبب ما حصل ويحصل الآن في الجنوب؛ لذا وجب عليها أن تترفع عن هذه المماحكات التي تغاضينا عنها كثيراً حتى طفح الكيل.

أن يأتي أحدهم ويقول إنه من أنصار الحراك الجنوبي "المتشدد" ليقدم على فوضى باسم الحراك أو يقدم على إفشال مؤتمر يشرف عليه تيار جنوبي آخر لا يؤمن "بالانفصال" بشكله الحالي ويقدم ذلك التيار حلولا أخرى توصل لنفس الطريق التي يسير عليها الشارع الجنوبي؛ فإن هذا الاعتداء وغيره من الاعتداءات التي نشهدها حالياً ضد أطراف لا ترفع علم الجنوب العربي إنما هو استنساخ للماضي، وقد نعود لأسوأ منه. وأتمنى لو كانت هذا التصرفات صادرة عن أشخاص همهم الإساءة للحراك الجنوبي وليس حراكنا الذي لا يزال يعلمنا حتى اليوم الكثير من القيم والأخلاق النضالية ونفتخر أننا من رواده.

حين نؤمن بالنضال السلمي ونعد أنفسنا منبعا لهذه التجربة في الوطن العربي ولا يعلمنا النضال هذا كيف نحترم الآخر ووجهات النظر المختلفة؛ فإن نضالنا ناقص وليس له قيمة أو معنى، على عكس إذا ما تمتع بقيم وأخلاقيات تجعل الجميع ينبهر بسلوكياته وقيمة العادلة وينتصر له كل من يشاهده وليس عكس ذلك مما قد يجعل الكثير يكره الحراك ومن يتحدث باسمه.

أشعر بمرارة وأنا أسمع أن الحراك يتشظى وينقسم على نفسه. وكم هو حجم الأسى الذي يصيبني حين أشاهد من يطلق عليهم البعض "فصيل البيض" وهم يقدمون على اقتحام مهرجان أو مؤتمر لأطراف جنوبية أخرى ويقومون بإفشاله؛ بحجة أنهم يغارون على الجنوب ولا يريدون له سوى "التحرير والاستقلال". وهنا يجب علينا أن نقلق جداً لما قد ينتجه هذا النوع من العداء والرفض وعدم القبول بالآخر، خصوصاً في مجتمعنا الجنوبي.

إننا نأسف جداً لما تقدمه قناة "عدن لايف" من برامج تهدف لزرع الخلافات بين الجنوبيين أنفسهم، عبر تحريض مجموعة على أخرى؛ فمثلما كنا متلهفين لرؤيتها وكم كنا سعيداء بمشاهدتها في الأيام الأولى باعتبارها أول منبر إعلامي للقضية الجنوبية، وبرغم العناء والصورة المشوشة وغير الواضحة التي كنا نشاهدها قبل سنوات؛ فإننا الآن مستعدون لحجبها من قائمة القنوات المفضلة التي نحرص على متابعتها يومياً، إذا ما استمرت على ما هي عليه الآن دونما مراعاة للاختلاف والتنوع في المجتمع الجنوبي كحالة صحية لأي مجتمع تقدمي.

على الرئيس البيض أن يعي جيداً أن إعادة إنتاج الماضي سندفع ثمنه نحن، الجيل الجنوبي الشاب، الذي شهدنا حرب صيف 94 وكنا حينها أطفالا، والآن نناضل من أجل الانتصار وإعادة الاعتبار للجنوب أرضاً وإنسانا.

وقبل أن نكمل طريقنا نصاب بالإحباط إزاء خطاب صادر باسم الحراك قد يجعلنا نسير بطريق غير التي خرجنا جميعاً لأجلها، ونكتفي فقط بالتحقق من انتماءات الآخر، بدلاً من نشر ثقافة التسامح والتصالح، كأن تسمع أحدهم يقول إن هذا مع تيار البيض أو تيار الفدرالية أو يقول هذا جنوبي بس جده قبل مائة عام كان من تعز وهذه نغمة جديدة وسحيقة ولن نسكت عمن ينشرها.

كلنا مع حق شعبنا في تقرير مصيره واستعادة دولته المنهوبة، ولسنا مع استعادة مخلفات دولته المقيتة. نحن مع بناء وطن يتسع للجميع، وليس فقط للحراكيين، وعلى هذا النحو الذي يظهر به بعض أنصار الحراك وقيادته والذي يقدمون أنفسهم كمصفي حسابات الماضي. لسنا معهم، ولن نكون حينها مشروع دولة، بل مشروع انتقام لا أكثر.

على الجنوبيين اليوم تحكيم لغة العقل والمنطق، وليس لغة ومنطق ما ظهرت عليه مؤخراً بعض القنوات التلفزيونية والصحف التي أصبحت تخدم سياسة الفرقة أكثر من خدمتها للقضية الجنوبية. والمصير الذي قد تأخذنا إليه تلك القنوات الإعلامية ليس المصير الذي يريد الشعب الجنوبي تقريره.

المصدر : عدن الغد

الحجر الصحفي في زمن الحوثي