مجزرة جعار... الخلفيات والأبعاد

كتب
السبت ، ١١ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٠٨ صباحاً
بقلم: د.عيدروس نصر النقيب ‏لا بد في البدء من التوجه بالتعازي الحارة لأهالي ضحايا المجزرة الدموية التي شهدتها مدينة جعار في محافظة أبين يوم السبت 4 ‏/ 1 ‏/ 2 ‏ا 20 ‏والتي راح ضحيتها حتى اللحظة ما يزيد على الأربعين قتيلا وعشرات الجرحى، وإذا كنا هنا نشير إلى أسرتي آل السيد وأل الحوشبي، لفقدهم أكثر من فرد من الأسرتين، لكن التعازي موجهة لكل من فقد عزيزا علية.. تعاز مملوءة بالألم والمرارة والابتهال الى الله أن يتغمد الشهداء بواسع رحمته وأن يمن على أسر الشهداء بالصبر والسلوان وعلى الجرحى بالشفاء العاجل،.. وللتذكير فإن مدينة جعار وجارتها زنجبار هما اللتان ظلتا على مدى أكثر من عام مسرحا للعمليات العسكرية بين قوات حكومية وجماعة أنصار الشريعة بعد أن وجه فخامة الرئيس المخلوع،(الزعيم الرمز)أنصاره بتسليمهما إلى مجموعة أنصار الشريعة، أصدقائه التاريخيين. ‏الحادثة تترك العديد من الأسئلة الساخنة التي على الجميع الوقوف أمامها ومحاولة الإجابة عنها، لعل أهم هذه الأسئلة: كيف حصلت هذه الحادثة وما شابهها من الحوادث التي شهدتها ابين ومثلها تلك التي جرت في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية؟ لماذا تتكرر هذه الحوادث رغم الادعاء بان جماعة أنصار الشريعة قد تمت هزيمتهم وان ابين قد اصبحت تحت السيطرة التامة منذ أكثر من ثلاثة اشهر.‏إلى متى يتكرر حصول هذه الحوادث في ظل وجود الفيالق والفرق العسكرية التي يتجاوز عدد أفرادها مئات الألاف لكنها لا تحمي حيا سكنيا واحدا في البلد؟ وأخيرا كيف يمكن الحيلولة دون تكرار حصول مثل هذه الحوادث في المستقبل القريب والبعيد ليس فقط في أبين بل وفي كل اليمن؟ إن هذه الحادثة المروعة والتي ذهب ضحيتها العديد من المواطنين الابرياء تكشف الصورة المرعبة للوضع الامني في أبين وفي عموم اليمن، فالسلطة التي تقول أنها قد حققت انتصارا حاسما على أنصار الشريعة، لم تستطع أن تحمى هذا الانتصار من خلال تعزيز الأوضاع الامنية وقطع الطريق على عودة المجاميع المسلحة التي لا يمكن أن نتوقع بمنها القبول بالهزيمة دون انتقام. كعادة الحكم في اليمن يعتبر النصر في لحظة معينة هو نهاية التاريخ، ونسي الحكام أن تعزيز النصر العسكري يقتضي مجموعة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والأمنية المكملة والمهمة التي لا تستدعي بالضرورة تحويل المهزومين إلى أعداء دائمين بل لا بد أولا من اجتثاث العوامل السياسية والثقافية والاقتصادية والسياسية للإرهاب، والبدء بالعمل على اجتذاب المغرر بهم واعادة دمجهم في المجتمع، من ناحية ومن ناحية اخرى بناء منظومة أمنية تعيد الثقة لدى الناس بان لديهم سلطة تحرص على أمنهم وتحمي مصالحهم وتصون دماءهم وأرواحهم، وهذا بكل اسف ما فشلت فيه السلطات اليمنية منذ الستينيات. سنظل نكرر ان عدم الثقة بالمواطنين الجنوبيين والنظر إليهم على إنهم مجموعة من المتآمرين أو من العملاء لإيران وما شابه تلك الترهات التي تستخف بعقول الناس وتحتقر ملكاتهم الذهنية، أو أنهم مجموعة من المهزومين الذين لا يستحقون الثقة بهم من خلال إعادة إشراكهم في المنظومة الأمنية والدفاعية للبلد، أن هذا النوع من السياسات هو ما حول الجنوب إلى واحة لكل العابثين والمستهترين والمنحرفين.والمجرمين. يعرف الرئيس عبد ربه منصور هادي أنه وفي عهد النظام السابق الذي يسمونه (بالشمولي والبغيض) والذي كان عبدربه جزءا منه، كان وزير ألداخلية أول من يعلم فيما لو سرقت فرخة في المهرة أو صحراء ثمود، ولا تمر ساعات حتى يكون الموقف قد عولج وتم ردع الجاني وإخضاعه للقانون،.. ليس هذا بسبب وصفة سحرية استخدمها النظام (الشمولي البغيض) بل ببساطة لأن أجهزة الدفاع والأمن حولت القضية الأمنية إلى عقيدة فكرية لكل الناس، وصار المواطن نفسه جزءا من هذه العملية، ولم يكن أي مواطن يرضى لنفسه أن يرى مجرما أو عابثا أو لصا يرتكب جناية أو يعد لها دون أن يبلغ عنه الجهات المعنية، ويساهم في استعادة الحق لأصحابه. يعلم الرئيس هادي بأن الرجال والنساء الذين كانوا يقومون بهذه المهمة ما يزالون يتمتعون بكامل الطاقات والقدرات والمؤهلات الجسدية والعملية والاخلاقية والذهنية التي تمكنهم من القيام بدورهم لكن من المؤسف أن الرئيس هادي (ذا المنشأ الجنوبي) يواصل سياسة سلفه في النظر إلى الجنوبيين على إنهم أعداء أو على الأقل مهزومين لا يجوز منحهم الثقة لتولي مسئوليات أمنية أو إدارية تنفيذية، فيأتي بمقدشي أو مروني أو سنحاني ليقود مهمة في منطقة هو لا يعرف خصائصها ولا يمتلك الإخلاص لأهلها الذين يتعامل معهم كخصوم متهمين حتى يثبتوا براعتهم. من منا لا يتذكر أن الرئيس المخلوع هو من وجه أصحابه بتسليم جعار وزنجبار لأنصاره (أنصار الشريعة) ومنحهم كافة العتاد والمخزونات التي كانت لدى وحدات الأمن المركزي والسياسي والقومي وسواها لاستخدامها في مواجهة خصومه السياسيين؟.. إنه اليوم وأقرباؤه ما يزالون يسيطرون على أهم المفاصل في المؤسسة الأمنية والدفاعية، ولعل حادثة اقتحام وزارة الداخلية كانت رسالة أكثر من واضحة أراد الرجل من خلالها القول بانه ما يزال يتمتع بعناصر من القوة تمكنه من أسقاط حكومة بكاملها بعد أن ينسى أصحاب المبادرة الخليجية مبادرتهم،.. أوردت هذا للتأكيد بأن حادثة جعار وقبلها حادثة السبعين وكلية الشرطة وغيرها مما حصل وما سيحصل لا يمكن أن يتوقف وصديق أنصار الشريعة ما يزال يسخر كل ما يتمتع به من إمكانيات وأجهزة وفيالق الدولة لدعم أصدقائه الذين لا يمكن ان يقبل بان يراهم يهزمون وهو قاعد يتفرج. إن الخطوة الاولى باتجاه استعادة الإمساك بالملف الأمني، هي القطع النهائي مع بقايا النظام المخلوع من خلال استعادة المؤسسات الأمنية والدفاعية التي اختطفوها وإدماجها في المؤسسة الشرعية التابعة لحكومة الوفاق الوطني والرئيس المنتخب،وتحريم القيادة على المجرمين المحصنين، وعزلهم نهائيا من أي مناصب قيادية، إذا ما أرادوا التمتع بالحصانة أو فتح ملف المحاكمات على كل جرائم القتل والجرائم المالية وقضايا الإرهاب وجرائم الحروب المختلفة التي أصروا على الحصول على حصانة من المسائلة عليها. اما بالنسبة للمحافظات الجنوبية فإن استعادة الأمن فيها يشترط إعادة أبنائها المبعدين من المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى أعمالهم، والاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم العلمية والمهنية والانفتاح على الأجيال الجديدة منهم في استعادة الأمن والاستقرار ومقاومة أعمال العنف والإرهاب، فهم من تربى على الانضباط والوفاء للمهمات الوطنية ولعلها فرصة لاستعادة ثقتهم والاستفادة من كفاءاتهم، فهم من سيقومون بالمهمة الوطنية أفضل من الوافدين والمستقدمين الذين يأتون وعينهم على الأراضي والمصالح والمكافأت التي سيحصلون عليها من خلال مواقعهم. إن معالجة الملف الامني لا يمكن ان يأتي إلا كجزء من حزمة كاملة من السياسات الهادفة إلى تفعيل حضور الدولة وإعادة الخدمات إلى المستفيدين منها، وتعزيز الكفاءة العلمية والمهنية والمعنوية لأفراد وضباط الاجهزة الأمنية وتجسير الثقة بينهم وبين المواطن ‌ ين، ‏وتعزيز الثقة بينهم، والقضاء على عوامل الإرهاب وجذوره الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وليس بالعنتريات والبروباغاندا الجوفاء التي ما قتلت فارا ولا أشبعت جائعا ولا أسعفت محتجا ولا أعادت منحرفا إلى سواء السبيل. برقيات ‏- محاولة اغتيال الزميل علي العمراني وزير الأعلام تؤكد أن المخلوعين لن يدعوا وزيرا محترما مثل الأخ العمراني يمارس عمله بنزاهة وحيادية،وهو ما ينطبق على كل الوزراء المحترمين، حتى وان كانوا أعضاء في المؤتمر الشعبي العام،.. كل التضامن مع الأخ علي العمراني، ولا بد من فتح ملف محاولات الاغتيال التي لا تأتي بعيدة عن مخاولة المخلوعين خلط الأوراق للحيلولة دون إكمال عملية الانتقال السلمى للسلطة. ‏- رغم معرفتي بنزاهة ووطنية وشجاعة معظم من سربت أسماءهم باعتبارهم أعضاء في خلية التجسس الإيرانية، فهم أول من أطلق نار التعرية على نظام العائلة ودفعوا ثمن ذلك أشهر من حياتهم في زنازين الاختطاف وأقبية التنكيل والقمع،.. أقول رغم ثقتي بهؤلاء إلا إنني أطالب بكشف الحقيقة كاملة وتقديمهم لقضاء نزيه يعتد بأمانته وليس ذلك الذي كان يتلقى نص الأحكام بالهاتف.. متى نكف عن استخدام تهمة العمالة للهروب من مواجهة الحقائق بدلا من مواجهة فشلنا في حل مشاكل بلدنا؟؟ ‏- يقول الإمام علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه: النفس تبكى على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وان بناها بشر خاب بانيها أين الملوك التي كانت مسلطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها كم من مدانن في الآفاق قد بنيت أمست خرابا وأفنى الموت أهليها
الحجر الصحفي في زمن الحوثي