مرة أخرى عن تعز..

كتب
الخميس ، ٢٦ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٥٢ صباحاً
  بقلم: جمال حسن أحد أصدقائي، قال لي: تعز لن تموت، تعقيباً على مقالي الأخير. هل قلت إنها ماتت. لماذا عندما نغالي في حب شيء، أو نتصور انتماءنا لهذا الشيء، نبالغ في مداراتنا الحقيقة. آخر سألني عن أي استثناء أتحدث، وبالطبع سيكون من الغباء شرح مسألة واضحة، لنقل إننا نحب بذهنية العشيرة، عند حدوث مشكلة، يتم التعامل معها كفضيحة يجب مداراتها. مسلحون حولوا تعز إلى مستنقع للفوضى، لكن لا يجب الحديث عن ذلك. التطرف في الحب أيضاً مشكلة. لأننا كنا نفرط في استخدام الكلمات، دون النظر إلى الواقع. ذات يوم قال لي نفس الصديق المستاء من مقالي، تعز تم ذبحها، لم يعد فيها متعلمون، بل شباب متبطلون تثيرهم مسائل بسيطة، وأشياء أخرى لن أتحدث عنها، وعندما كانت المدينة شرارة انتفاضة أشعلت اليمن، كانت تستعيد جذورها الخبيئة، لكنها اليوم تستعيد الواقع المرير. كنا نقول تعز العاصمة الثقافية على غرار عدن العاصمة التجارية، لكن من المضحك أنه يصعب العثور على كتب جيدة فيها، فقط وصف بلا معنى. مثلما عدن، واقعها يقول غير ذلك، لم يكن هناك توجه لجعلها عاصمة اقتصادية. في السبعينيات كانت هناك مكتبات على غرار الطليعة وغيرها، يباع فيها آخر الإصدارات، المنتمية للفكر التقدمي آنذاك، أتذكر ذات يوم أخبرنا المرحوم الدكتور خالد الهمداني، عن انفتاح المدينة حينها، عاشوا أيضاً جزءاً من هوس السبعينيات، الخنافس، بنطلونات الشارل ستون الضيقة والواسعة عند فتحة القدمين، الأحذية ذات الكعب المسحوب والمقدمات الحادة، تسريحات الشعر المجنونة. كان المجتمع يتسامح مع تلك التقليعات. لكنه اليوم لا يتسامح مع حلاقة الشارب، هل أتناول قضايا صغيرة. يطن في رأسي الآن صوت يتحدث عن أننا في عهد ثورة. لكن حين لا تقدم الثورة حرية للمجتمع، فإنها بالتأكيد عقيمة. لذا لا يمكن أن تكون ثورة إيران الإسلامية مثالية. وإذا كانت ثوراتنا هي الوجه السني للثورة الإسلامية، فإننا أيضاً سنكون في إشكالية كبيرة. مؤخراً قال محافظ تعز في خطاب له، أن من كانوا يسمون بحماة الثورة أصبحوا اليوم من يقفون ضد مسار الثورة والتغيير. هل يبدو جيداً الوقوف ضد هذه العبارة بالتحديد؟ هذا سيعني دعم الأطراف التي تنتهك المدينة. ليس علينا الانحياز لطرف بعينه، أو لشخص ما، لكن علينا الانحياز لقضايا. هل نحن مع الوجه المدني، أو نحن مع المسلحين وعصابات التقطع. نحن مع قضايا، لا يجب الحديث عن أطراف حمت الثورة، أو لولاها ما وقعت ثورة، دعونا نفر من المغالطات العقيمة. في الواقع، المداحون لجنرالات الثورة، أو أطراف سياسية معينة، هاجموا المحافظ واعتبروا الانفلات الأمني سببه إقالة مدير الأمن السابق، أي السعيدي. هكذا تقول تعليقاتهم. لكنهم في الواقع، لم ينتبهوا بأن الكذبات تحمل أيضاً شكل الصدق. كانوا أيضاً يعترفون، بصورة غير مباشرة، بوقوفهم وراء هذا الانفلات، للي ذراع سلطات المحافظة، التي أقالت رجلهم في المدينة.. لنسأل أنفسنا مجدداً: ما هي قضيتنا؛ تسليم مدننا لميليشيات مسلحة، أو ترسيخ شكل الدولة؟ وبما أن معظمنا لا يتمنى أن يكون مستقبله مرافقاً، أو مسلحاً، أو رجل عصابة، وبما أن معظمنا لا يمكنه أن يكون كذلك. واحدة من السخريات، أن ينكر البعض وجود هؤلاء المسلحين، أو إعادة الشريط الممل بأنهم رجال النظام السابق. في الواقع، كنا نحتاج لمقولة كتلك، إن من كانوا في صف الثورة ها هم اليوم يعملون ضد مسارها، كنا نحتاجها لإعادة الروح الحقيقية لثورتنا، لتكنيسها من رواسب النظام القديم ،وفي تعز، كشفت تلك الاطراف وجهها الهمجي. وكنا بحاجة لمثل تلك العبارات الواضحة، لأنها تصحح لنا جزءاً من الواقع، ما يحدث في تعز، لا يخص فقط المدينة، بل يتضمن غرائز متضامنة مع بعضها تحاول فرض إرادة ما، إرادة خطيرة ومشبوهة، علينا التعامل معها، دون الوقوع في تهريج خطابي، يحاول تسوير الثورة كواحدة من الاراضي التي يتم تغلفها بمسلحين، لتتبع شيخاً، أو جنرالاً.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي