القضية الغائبة :الدولة المدنية"

كتب
الخميس ، ١٩ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٥١ مساءً
بقلم : محمد ناجي احمد ستقرؤن في هذا الجزء الأول من المقال :قراءة نقدية لما طرحه الدكتور السقاف عن :"القضية الغائبة :الدولة المدنية" _ولي الأمر ووعاض السلاطين ... _"القبيلة ودولة السلطة الواحدة " -الديمقراطية والدولة الريعية " - "مرة أخرى :قضية الجنوب " - شذرات من كتاب "دفاعا عن الحرية والانسان "1-2 "دفاعا عن الحرية والانسان "هو عنوان الكتاب الذ ي أعده الزميل "هايل منصور "-صدر عن منتدى الجاوي -وهو عبارة عن مقالات كتبها الدكتور السقاف خلال سنوات التسعينات ،وتواصلا إلى بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ... لا أجد تباينا بيني وبين استاذي أبو بكر السقاف في رؤيته للحرية ،وتفكيكه للاستبداد الاّ أنه يرى الحرية قائمة على ثنائية الشمال والجنوب ،وأنا أراها لا تستقيم الاّ على تحالف بين الجهات والمذاهب والطوائف ،للوصول إلى إلى دولة مدنية نكون فيها مواطنين ،نتنافس ونتفوق وفقا لجهدنا وعملنا ،وليس على أساس أوهامنا الجغرافية أو المذهبية أو الطائفية ! في مقالة بعنوان "القضية الغائبة :الدولة المدنية "،يطرح الدكتور أبو بكر السقاف توصيفا لما قبل الاستعمار في الأقطار العربية ،فيعطيها وصف "الاستبداد السلطاني"ثم الخروج من هذا الاستبداد إلى الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى ،وهو يرى أن هذا الانتقال يعد من "عوامل تعثر الاصلاح والنهضة في بلداننا العربية ،إلى جوانب عوامل أخرى "11ص .لكنه يصف انقلاب الضباط في العراق "انقلاب بكر صدقي "1936م ثم انقلاب حسني الزعيم 1949م في سورية ،وتوالي هذه الانقلابات ،بأنها "لخدمة الثلاثي الامبريالي :بريطانية وأمريكا وفرنسا ."11ص. يرى الدكتور السقاف أن السياسة المدنية "تدور على الرأي والمصلحة والمساومة والتوافق ،وتتميز السياسة المدنية بأن برلماناتها ليست صورية ،بل يصور التعدد الاجتماعي في المجتمع ،وهي إطار الصراع السلمي وموئل التضامن الاجتماعي والوطني لاعادة إنتاج المجتمع ودفعه في مسار التطور والتقدم "12ص. ينظر الدكتور السقاف إلى "ثورة يوليو "1952م على أنها انقلاب ،ويرى أن أقسى ثمارها" هزيمة 1967م وطغيان أجهزة الأمن السياسي على حياة المدينة والسياسية والاجتماعية "12ص. ومن وجهة نظره أن العالم العربي "لم يعرف الاّ ثورة واحدة :ضدا على الاجنبي إلى يومنا هذا "1ص. ويرى أن ثورة 62 سبتمبر 1962م ،لم تكن سوى "انقلاب عسكري "ضد المملكة المتوكلية ،ثم أصبح هذا الانقلاب منذ "5 نوفمبر 1967م "جمهورية النظام القبلي "12ص."فقد رحل جيش الحملة المصرية ،وتم طرد ممثلي الأطراف غير القبيلية من الجيش والأمن في دورات امتدت من مارس 1968م إلى اغسطس 1968م ،واستولت الجمهورية بعد ذلك على جواد القبيلة ،هادئة مطمئنة ،وتوحدت بالجيش –الامن ،حتى أصبح التمييز بينهما صعبا "12ص.ومن وجهة نظري أن جواد القبيلة لأنه كان منظما منذ 1958م كان هو الذي استولى على جواد الجيش في إطار تحالف رعته المملكة السعودية ،وفق توازنات بين القبيلة والجيش والايديولوجيات اليمينية ،والتجار ...والدكتور السقاف ينظر إلى ما حدث في الشمال في 1962م على أنه لم يكن ثورة وإنما انقلاب "ف "القبيلة السياسية ليست حاملا تاريخيا للثورة حتى إذا أمكن تربيع الدائرة بمعجزة خارجية ،ويرى أن ما جرى في الجنوب ،ابتداء من 14 اكتوبر 1963م ،لم يكن سوى "نمط ستاليني الذ ي نقلت صورته إلى الجنوب كان أبعد ما يكون قدرة على أن يوظف لا نجاز ثورة سياسية مدنية ،وبناء أنموذج ،وماتحقق في واقع الجنوب كان استمرار وتطوير للمثاقفة السياسية والمدنية والحضارية التي جرت مع مؤسسات النظام الامبريالي "12ص. فما هو في الجنوب لم يكن مدنيا سياسيا "رغم الحديث الطويل الممل عن دور الحزب ،بل يقوم على تحكم الجيش – أي القوة الوحيدة المنظمة عسكريا –في الشأن العام لهذا فهو يرى أن ما حدث في وحدة 1990 م من قبل الحزب ،لم يكن سوى "تخلص الحزب من دولته ،كما يفعل طفل الاستمرار في التمتع بلعبته ،فهو إما يسلمها لغيره أو يقوم بتحطيمها ،وقد قام الحزب – الجيش في اعبى فعل سياسي معا :فتسلم جيش القبيلة في الشمال دولة على طبق من دماء "13ص.لهذا "أكد الجيشان أنهما عدو للسياسة المدنية ،والدولة المدنية ،وسقط شعبا الجنوب والشمال ضحية سوء تدبيرهما "13ص.ومع اتفاقي بخصوص فكرة السقوط لكنه من وجهة نظري سقوط لشعب وليس لشعبين كما يذهب الدكتور السقاف في تحليله ورؤيتة لشعبين ! ينبهنا الدكتور أبو بكر السقاف إلى أن الانغلاق على النفس لا يولد رؤى مختلفة ،فيقول "أن الأقلية المغلقة ،التي لا تحاور الاّ نفسها ،تفرط مع مرور الأيام في التمركز في ذاتها ،لأن الذهنية القبيلية حصرية با متياز ،في جميع الثقافات "13ص. عندما تصبح القوة فوق الحق ،بل وصانعة له ،فذلك انحراف لميزان العدل ،لهذا يرى السقاف أن هذا الانحراف بدأ مع طرد" شعار حزب الوفد الذي صاغه الزعيم سعد زغلول ،طرد من مجال التداول السياسي بعنف وفظاظة بعد 1952م ،فلم يعد "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة "بل سرت جرثومة القوة في كل علاقة قائمة في ظل دولة القوة "14ص. ويرى الدكتور السقاف أن الانظمة العسكرية في الدول السلطانية ،التي تحتكر لا القوة :الجيش والامن ،بل مصادر القوة :الاقتصاد والمال العام "14ص. ولهذا فهذا النوع من الانظمة لا يسمح بأي نوع من التغيير الاّ من داخله "أي ينتج انقلابا جديدا ،أو من الخارج الغازي الذي يجلبه الاستعمار الداخلي "14ص. فكيف إذا اجتمع مبدأ تغيير النظام بين مكوناته داخليا وخارجيا كما الشأن في ما يسمى بالربيع العربي ! وفي مقالة بعنوان "ولي الأمر "ووعاظ السلاطين "يتناول الدكتور السقاف ،العلاقة بين مفهوم "ولي الأمر كمصطلح مصادر للجماعة ،وبين "وعاظ السلاطين "باعتبارهم أداة من أدوات السلطان ،التي يستخدمها في تطويع مجتمع تم أسره وتحويله إلى مجرد سجين تقوم وظيفة "وعاظ السلاطين "بتطويعه وتدجينه ،لهذا يحلم السلطان "بتحويل الناس إلى سجناء سياسيين حتى يتمكن علماؤه من الحوار معهم "23ص. إن ابتلاع الدولة باسم الخليفة يصبح "سمة السياسة المائزة "22ص.لهذا تكون السلطة الفردية "مطلقة في الاسلامين السني والشيعي "22ص.إن مصطلح "أولو الأمر "الفرد "هو ما يردد صباحا ومساء في المملكة المجاورة ،وزاد الجهر به عندنا منذ أن أشعل ولي الأمر –أولوا الأمر نار الحرب في صعدة –هو "الحاق كامل للمسجد بالقصر ". تتسع حروب وعاظ السلاطين لتختلق أعداء وهميين ومعارك وهمية والاّ "فما دخل السادة في حضرموت أو في غيرها في الحرب ،إنه نقل أمين لشعارات انطلقت للمرة الأولى في نجد على لسان محمد بن عبد الوهاب "23ص. ومن مقالة بعنوان "القبيلة ودولة السلطة الواحدة "يبين لنا الدكتور أبو بكر السقاف حقيقة شركة المنقذ ،باعتبارها نموذجا للاستيلاء على المال العام ،فهي من وجهة نظره شركة وهمية لا أساس لها من الواقع ،وهي نموذج في الاحتيال على مال المساهميين الصغار من الفلاحيين ،وعلى مليار ريال تم منحهم إياه كتعويض حكم به المحكمون من المشايخ ،وعلى رأسهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ،وحين طلبت الحكومة تقسيط المبلغ على سنوات ،رفض الشيخ الأحمر ذلك ،وأرسل برسالة عبر ابنه حميد يؤكد على الحكومة ضرورة دفع المبلغ كاملا ،ولو كان في ذلك خلل في ميزانية الحكومة ! وهو ما يعلله الدكتور ب "دورات الغلبة ""التي لا تصنع تقدما ،فهي عقيمة ،ويشهد على عقمها أن مبدأ الخروج عند الخوارج والزيود لم يحدث تغييرا في الفكر السياسي ،والحاكمية اليوم في طبعتها الشيعية الاثنى عشرية ،ايران ،وحاكمية السنيين :المودودي والندوي والشهيد سيد قطب ،تدور داخل البيعة التي تسلم الحاكم رقاب العباد ومصائر البلاد "37ص. وفي مقالته عن "الديمقراطية والدولة الريعية "نجد الدكتور السقاف يفرق بين المجتمعات المنتجة ،التي تقدس العمل ،وتجد أنه المعيار في التمايز بين الأفراد ،ومجتمعات الريع التي تقدس العطالة والانفاق ؟الدخل الذي لا يقابل الجهد والعمل ،لهذا فهو يشير إلى الاقتصادييين الكلاسيكيين الغربيين ،ويصفهم بأنهم "يميلون إلى رفض الريع ،بسبب احترامهم العمل ،ولعل ماركس يقف بين أكثرهم رفضا وتمجيدا للعمل ،الذي وصفه في النقطة المحورية لنظريته الاقتصادية "41ص. وعن سلوك الفئة التي تستولي على الريع ،يصفها بأنها تتسم "بالتعريف بغياب الذهنية الانتاجية ،كما أنها لا تساهم في الانتاج ،فالنفط وهو مصدر الثروة الأساس في دول ذات ريع اقتصادي ،أو دول ريعية بصورة كاملة ،يستخرج ولا يصنع ،كما لا حظ الزميل غسان سلامة "41ص. لهذا لا يفرق الدكتور السقاف بين "المواطنيين الذين يحصلون على الخدمات المجانية في دولة الريع لا تشبه علاقاتهم بدولتهم ،علاقة المواطنيين في الغرب بدولة الرفاهية التي بدأت مسيرتها منذ اصلاحات بسمارك في نهاية القرن التاسع عشر في المانيا بتقديم الخدمات خوفا من قوة العمالة والاشتراكية الصاعدة .إنهم رعايا " لهذا فالاقتصاد القائم على الريع ليس اقتصادا رأسماليا "بالدلالة الصارمة للكلمة ،فلا وجود للمخاطرة ولا المبادرة ،والشركات الكبيرة في مجال الخدمات والانتاج عائلية بامتياز ،ولا تذكر في شيء بتلك العائلات العصامية التي نشأت داخل المجتمعات الرأسمالية الغربية ،ونجد صورها الخلابة في أدب دوس باروس الامريكي ،وتوماس مان الالماني ود-ايزر الأمريكي ،تمثيلا لا حصرا "43ص. وفي مقالة بعنوان "مرة أخرى :قضية الجنوب "يؤكد الدكتور السقاف على أن التكفير الجماعي كان "ذروة حرب 1994م "وتأكيد ا على"ما قاله كثيرون من أنّ الحكم كان سياسيا ولم يكن قضائيا ،وتكمن وراء هذه "الأحكام "الجماعية الطابع نظرة إلى الجنوب تعتبره كلا واحدا ،غنيمة بحجم بلد ،وتصدر هذه النظرة بدورها عن ذهنية قبيلية لا تأخذ في اعتبارها فكرة الفرد المواطن ،والوطن أو المواطنة ،وبقية مكونات النظرة الحديثة للانسان "201ص.،لكنني بدوري أسأل الدكتور ابو بكر السقاف :إذاكان الحكم السلطاني ينظر للجنوب كلا واحدا "غنيمة بحجم بلد "مسقطا فكرة الفرد –المواطن ،فهل التحرر من الحكم السلطاني يقتضي الصراع معه على أساس الفرد والمواطنة ،أم على أساس الشمال والجنوب والجزر المتفرقة ؟ صحيح أن القضية الجنوبية تزداد "اشتعالا في العقول والنفوس "لأن المواطن يزداد يقينا من أن "عصبية شمالية تحكم السلوك الاداري وكل مفاصل السلطة ،فذكاء الناس ومعه خبرتهم اليومية يتمكنان من رؤية خيوط السلطة وراء التوزيع الصوري للمناصب الرفيعة وغير الرفيعة ،كما أنهم يرون مناطق محرمة تتوحد بجهات بعينها وكأنها لا يمكن أن توجد الاّ على تلك الشاكلة ،ومنها الرئاسة الأولى والجيش والأمن السياسي "ومع ذلك ،فذكاء المواطن يقول له أن أساس الهيمنة والسلطة ليس جغرافيا ،وإنما قطيعيا ،فكل من قبل على نفسه أن يكون ضمن القطيع يجد لنفسه منصبا في خدمة السلطان ،أي السطة ليست جهوية وإنما احتكارية !وتعمل على توظيف كل المكونات المتخلفة !وباعتقادي حتى لو تزحزحت هذه المناصب كما يحدث منذ ما بعد التسوية الخليجية "السعودية "في عام 2011م فإن قضية المواطنة لن تتحقق لأن زحزحة التسلط من جهة لأخرى لا يوفر مواطنة حقيقية ،وإنما انتقال لولاء الرعية من شخص لآخر ،ومن جهة لأخرى ،إنه قطيع يتحرك وفق انتقال مركز الهيمنة والسلطة ! اتفق مع الدكتور أبو يكر السقاف ، في أن ترحيل المشاكل بدلا من حلها ،هي ذهنية قبيلية با متياز ،لكن حل القضية الجنوبية عبر الانفصال هي من وجهة نظري جزء من هذه العقلية التي تستسهل تفيد الأوطان أو الهروب وترحيل المشكلات !عبر التراجع إلى الوراء ،فالمآزق التي سنواجهها عبر الاستمرار بالعقلية السلطانية هي نفسها التي سنواجهها عبر التراجع إلى الوراء ،إن لم يكن التراجع أسوأ !وستظل قضية المواطنة هي المؤجلة دوما ،والتسلط هو الجاثم على أي شكل سياسي اتخذناه وسيلة للهروب من مواجهة المشكلة والعقدة الرئيسية ،وهي غياب ثقافة الفرد والمواطنة ،وحضور وتسيد ثقافة ذهنية القبيلة !
الحجر الصحفي في زمن الحوثي