وقلّك علي سالم البيض انفصالي!

كتب
الثلاثاء ، ١٠ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٠٠ مساءً
  بقلم  : محمد العبسي مع احترامي للمبادرة حسنة النية التي أطلقها أمس ناشطون وزملاء، ممثلة بقلب صورهم الشخصية في "فيسبوك"، كاعتذار رمزي للجنوبيين أو إدانة متأخرة ليوم 7/7، إلا أنها على قيمتها المعنوية ستدوم أياماً وتنسى. فلن تضمد جرحاً ولن ترد أرضاً نهبت. إنها انفعالة عاطفية شهمة قام بها شبان كانوا سنة 94 أطفالاً -معظمهم على الأقل- أو طالباً في رابع ابتدائي كحالتي، فلا شاركنا فيها ولا أيدناها، ولا كنا وقت الحرب ندرك كنهها حتى، وبالتالي فهي مجرد تشنيجة ثورية من قبيل شيء أحسن من لا شيء. كان للفكرة أن تحظى بقبول وصدقية لدى الشارع الجنوبي المعني بها، والموجهة إليه أصلاً، لو أن أحد قادة حرب 94 أو المستفيدين منها على هيئة أراض واستثمارات وبلوكات نفط مشروعة- فكيف بغير المشروعة!- تبناها بصدق وحماسة. كأن يقلب صورته مثلاً اللواء علي محسن أو أحد أبناء الشيخ عبدالله الأحمر -ولديهم حسابات نشطة في "فيسبوك"- إسوة بالشباب الذين خجلوا من مآسٍ تسبب بها غيرهم، فكان قدر جيل الوحدة أن يستيقظ على بلد كان يدعى أرض الجنتين، فيما هو اليوم مشطط إلى أكثر من شطرين، إنما دون أن يلحظ أحد، فليس هناك علم حتى الآن أو برميل حدودي. ليس على محمد سعيد الشرعبي أو هائل سلام أن يقلبا بنبل صورتيهما، فالمعنيون بذلك، إن كان لديهم دم، المذكورون بتقرير باصرة وعبدالقادر هلال، بوصفهم ناهبي أراضي الجنوب، وخاصة المنضمون للثورة باعتبارهم أشخاصاً ساندوا التغيير الشخصي والعام كمحمد علي محسن أو الظنين كانحياز عظيم (لم أذكر صالح وأبناءه ومقولة، فهم أشرار لا يتحرجون من كونهم أشراراً، بخلاف الأشرار المتنكرين في ملابس الثوار).. إذن كانت الفكرة لتبدو مقنعة أكثر لو أن حميد الأحمر تجاوباً مع الحملة، قلب شعار قناة سهيل ليوم واحد مثلاً، كونه مستفيد من الجنوب -بالحق أو بالباطل- ويكفي أن لديه شاليهات ومدينة سكنية في عدن، وأنه شريك في قطاع أوكسيدنتال قبل توريط مجموعة الرويشان به. كل رجال الأعمال الجيدين والسيئين، الطفيليين أو الذين عرقوا بتجارتهم، كلهم مطالبون بعمل إنساني نبيل كونهم استفادوا بشكل مشروع أو ملتوٍ. ثم إننا لسنا في هولندا، نحن في اليمن حيث القانون ذاته أداة احتيال. استأجرت مجموعة هائل سعيد، ولو بشكل مشروع، رصيف المعلا 90 سنة، ولديها في كرتير وحدها كيلومترين تعادل غنيمة الشيخ عبدالله. محطة حجيف تم تأجيرها لتوفيق عبدالرحيم، ومطاحن الغلال للرويشان، خرطوم الفيل لشاهر عبدالحق، فندق عدن لصديق قائد الحرس أحمد علي، رصيف الميناء القديم للعيسي: سيقول حمقى الحراك هذا جنوبي! لا فرق بين جنوبي وشمالي. الحق العام واحد. بل إن القادة العسكريين الذين شاركوا في حرب 94 –ومعظمهم من الجنوب وعلى رأسهم هادي- هم المطالبون بالاعتذار، وليس أنا أو محمد المقالح ومحمود ياسين وأبناء تعز ووصاب وريمة الذين يتعرضون لابتزاز نفسي، ويعاملون كعرب 48 في الجنوب مؤخراً. المطالبون بالاعتذار هم أصحاب البلوكات النفطية وشركات كـ:ذكوان والماز وأركاديا وسبأ والحثيلي والحاشدي بتروليم، وصاحب أرضية "البرتقالة" بالمكلا نجل عبدالوهاب الآنسي، والثائر عبدالولي الشميري صاحب أطول سور أرضية بالبريقة... والبقية. إن الشباب الذين أطلقوا الفكرة من الصدق أنهم بذلوا ما يملكون: صورهم في "فيسبوك"، فهم لا يملكون 1% مما يملك حميد الأحمر، ولا يجد بعضهم قيمة صبوح، لكن لو أن لأحدهم قطعة أرض اشتراها بماله ما قال مثله "يتصل بي علي سالم البيض"، أو كشقيقه حسين "يرفع البيض دعوى في المحكمة". وقياساً بقولهما فإني أشيد بمحمد عبدالإله القاضي الذي أعلن قبلهما استعداده غير المشروط إعادة بيت عقيلة البيض. الحقوق حقوق أكانت شمالا أم جنوباً. ينبغي المطالبة بإعادة منازل علي ناصر والعطاس وسالمين. بل إن الأولى بنا كشماليين مطالبة آل الأحمر وآل أبو لحوم بإعادة ممتلكات بيت حميد الدين! كيف يثق الجنوبيون بآل الأحمر إذا كانت الندوة الأسبوعية لمنتدى الأحمر التي تطالب بالعدل والمساواة! تقام، عصر كل اثنين، في منزل منهوب أصلاً؟ إنه منزل الصمصام بن يحيى حميد الدين. حسناً. منزل علي سالم وقالوا إنهم اشتروه من الدولة، فممن اشتريتم منزل الصمصام يا حميد؟ طلب محمد قحطان مؤخراً من الرئيسين هادي وصالح الاعتذار عن حرب 7/7. هذا أجرأ تصريح حتى الآن من أحزاب المشترك ومن قيادي إصلاحي، وهو كلام طيب، لكنه، كالعادة، دون المستوى، سيما وأنه خصخص شركاء الحرب، فذكر هادي وصالح، ولم يطلب من حزبه الإصلاح ولا الشيخ عبدالمجيد الزاندني، ولا كبار مشائخ حاشد وبكيل، كأطراف رئيسية في الحرب، الاعتذار. إن كان الإصلاح يتحرج من ماضيه وتحالفاته السابقة، فليقل إنها حرب مثلها مثل أية حرب أهلية في العالم تقع فيها مظالم وجرائم، ويعمل بكل صدق على إعادة ممتلكات الجنونيين من ناهبيها. هذا أشرف له. شخصياً، لم أقلب صورتي في "فيسبوك"، لا لأنني لا علاقة لي بحرب 94، ولا أيّدتها. بل على العكس كتبت في 20/8/2005، بتحريض من القديس عبدالكريم الخيواني، الحلقة الثالثة من ملف "تجار ومسؤولون"، الذي أعد الزميل عبدالعزيز المجيدي حلقتين قبلي. وقتها عاد ياسين سعيد نعمان، وانتخب أميناً عاماً للحزب. نُشر التحقيق، فقامت القيامة، وكتبت صحيفة "الثورة" يومها تحرض على التحقيق الذي تطاول على رئيس حزب الإصلاح الشيخ عبدالله، فقرر د. ياسين مدفوعا بحماسة بن دغر، إيقاف صحيفة الحزب لأسابيع بحجة مراجعة خطابها الإعلامي. قبل النشر بيوم تحدث أنا وخالد عن الأثر الذي من المحتمل للتحقيق أن يحدثه. وبينما كنا أنا ونبيل سبيع وآخرين، نتغدى في منزل صديق إذا بخالد يبعث فجأة رسالة sms قائلاً إنه أول من قد تطاله الشرارة. كانت هذه أقسى طعنة "داخلية" يتلقاها العزيز خالد سلمان. كان خالد يستحق المكافأة عن نضاله ومجهوده الشخصي الجبار الذي لولاه لكانت "الثوري" مجرد منشور رث كما هي الآن. جاء د. ياسين فكافأه أيما مكافأة! شعر خالد بعدها أنه غير مرغوب به في صحيفته -وإن لم يقل له ذلك- كونه يتسبب للقيادة بالإحراج من "شركائنا في المشترك"! شركاء الأمس أم اليوم؟ لا فرق. هذه الطعنة كانت بداية تحفز فكرة طلب اللجوء السياسي لدى خالد، التي فوجأنا بها جميعا لاحقاً. تناول التحقيق أزمة 1992 إثر تخصيص الرئيس صالح 25% من إيرادات النفط تحت بند مصروفات الرئاسة، وهو ما دفع البيض للقول: "مجلس الرئاسة أصبح مجلس حوالات"! ذكرت أيضاً تحليلاً هاماً نشر في 17 يونيو 1994، بصحيفة "الوطن العربي"، عن سعي نظام صنعاء للسيطرة على نفط الجنوب. "فلم يتم إبرام أي عقد نفطي منذ 90 حتى 1994 إلا عبر صنعاء وعبر وكيل شمالي، حتى إن الشيخ عبدالله بن حسين، حسب الصحيفة، حاز 6 عقود من أصل 18 عقداً كوكيل لشركات التنقيب". كما فُرض وكيلاً على شركة أوكسيدنتال -كانت تعمل بالجنوب قبل الوحدة- واتحاد المقاولين العرب، مالكها الملياردير الفلسطيني حسيب الصياغ. وأضافت الصحيفة: "عدا ذلك طلبه حق التصرف بحقول أريام التي تعمل بها شركة كوديل". علقتُ على كل ذلك بعبارة تهكمية ما تزال صالحة الاستخدام، وهي: "وقلك البيض انفصالي"! بحسب علم النفس السلوكي، فإن أكثر الأشخاص عدوانية ليسوا عدوانيين مسبقاً، بل إنهم أشخاص مسالمون يدفعهم محيطهم الاجتماعي نحو العدوانية دفعاً. إن المظالم القائمة في الجنوب هي التي رفعت مطالب فك الارتباط قبل شباب المنصورة وقبل أكبر دعاة فك الارتباط ومنظريه. ما لم ترفع ونسعَ جميعاً لإصلاح الشرخ الذي أحدثه في النفوس قبل الممتلكات، وفي كرامة الإنسان وانتمائه قبل كل شيء، فالمستقبل، تيقنوا من ذلك، لدعاة التشطير وأمراء الطوائف والبارود في الشمال والجنوب معاً.  
الحجر الصحفي في زمن الحوثي