7 ‏يوليو.. الصدع العميق

كتب
السبت ، ٠٧ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٧ مساءً
خالد عبدالهادي ما أقسى على مواطني المناطق الجنوبية أن يعودوا بذاكرتهم الجماعية 18عاماً ليصطدموا مرة أخرى بمشاهد مؤلمة لغرباء يدهمون مساكنهم ويطردونهم منها على وقع شعارات، من العجب أنها تمجد الوحدة، ثم يزرعون في نفوسهم إرثاً ضخما من الكراهية والشك والعلاقات المتصدعة. تلك هي الحرب الغاشمة على محافظات الجنوب والحزب الاشتراكي اليمني التي تطوي بعد يومين عامها الثامن عشر يوم أكملت قوات علي عبدالله صالح بالاشتراك مع جماعات إرهابية ومراكز قوى تقليدية إخضاع المناطق الجنوبية فيما ما زال إرث تلك الحرب تحدياً هائلاً في طريق الاندماج الوطني. من المؤسف حقاً أن المهزوم والمنتصر مازالا يعيشان الشعور النفسي ذاته الذي ولدته الحرب عام 1994م بعد انقضاء 18عاماً كانت كافية لإزالة أعتى الحواجز وبناء علاقات جديدة، لو أن المنتصرين وعوا أنهم لم يحرزوا نصراً بقدر ما زرعوا محنة مظلمة في قلب القضية الوطنية. إلا أن لاستمرار هذا الشعور ما يبرره لدى المهزوم فقط، فلا هو غادر جو "الهزيمة" التي رسخها المنتصرون عبر صنوف مختلفة من السياسات ولا المنتصر تخلى عن وهم انتصاره وانتقل إلى التعاطي بمسؤولية مع الصدع الوطني العميق الذي أحدثته حربه. كان ممكناً محاصرة آثار ذلك الصدع في المستوى السياسي لو لم يحول المنتصرون تفوقهم العسكري إلى انتقام شامل ضد الإنسان في الجنوب وتاريخه السياسي وأنماط حياته كافة. بل إن نشوة النصر تفشت بصائر المنتصرين فعزلتها عن مقتضيات المواطنة والإنسانية التي كان بوسعها أن تحملهم على مراجعة السياسات المفروضة على المجتمع الجديد الذي استفردوا به. وفي كل ذلك مبرر كاف لما يصدر عن مواطني الجنوب من توصيفات وقراءات للمحنة التي يعيشونها منذ 7 يوليو 1994م مهما اشتملت عليه من تطرف ومبالغة في النفور من الخصوم الذين اجتاحوا الجنوب، فمبعث كل ذلك حالة ثقافية عميقة وانسانية تنبعث وسط أي مجتمع تعرض لاجتياح ذاته وخصائصه ثم فرض عليه قهر ملازم. لعل الحوار الوطني المقرر تنظيم مؤتمره العام قريباً هو أول فرصة مكتملة لبحث القضية الجنوبية والتفاوض الجاد مع أهلها الحقيقيين في حال جرت وقائعه كما ينبغي. لكن قبل الحوار ثمة ما هو أهم وحاسم: إنها القناعة التي استقر عليها شركاء الحرب مما صنعوه واستعدادهم للإقرار بحق ضحاياهم في اختيار الحل الملائم لقضيتهم. فإلى الآن لا يبدو أن مواقف شركاء الحرب مقتنعة بما يكفي للتفاؤل، إذ أن أقربهم إلى تفهم القضية الجنوبية لا يفعل أكثر من أن يجيز تذمر أصحابها ويقول إن ذلك جهراً بالسوء من القول تبيحه الشريعة للمظلومين. كما أن أفواها مازالت تصدر القول إن الاشتراك في الحرب على الجنوب والحزب الاشتراكي اليمنى في 94م ‏كان مبرراً. وقول من هذا القبيل بعدما لمس الجميع نتائج الحرب الكارثية هو قبح مساو لشن الحرب وتصلب مناف لحركة السياسة والمصلحة الوطنية التي تقتضي في الوقت الراهن بذل كل ما من شأنه حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي