هشام باشراحيل.. رحم الله رجلاً علمنا كيف نصطاد

كتب
الخميس ، ٢١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٠٣ مساءً

بقلم/ عيدروس عبد الرحمن

مات الشريف..العفيف..النظيف..الحصيف.. الأستاذ/ هشام باشراحيل..القدوة والمعلم والنموذج الإنساني الذي يستحق أن يتبع.. وجدير أن يقتدى به..مات صاحب القلب الكبير والنبض الإنساني الذي يتسع لمن في الكون..مات الإنسان وهو على صهوة نضاله..ولم يمهله القدر أن يطهر ويزيح عن من أحبته حتى النخاع..ومن عشقها وأدمن محبتها حتى الثمالة..عدن المدينة والناس..عدن الزمان والمكان.. عدن المعاش والمعاد..وسطر هذا الرجل معها وفي حبها أسفاراً من الوجد والهيام التلقائي..حتى صار محياه يعبر عنها وحاله يحكي عنها..وما آل إليه من أسقام وآلام..كأنه حاملاً أوجاعها وحالة البؤس التي وصلت إليها.. ويكفيه عزاً وفخراً انه مات من أجلها..وحمل على جسده المنهك بعضاً من أسقامها حتى فاض الكيل بما حمل.. وودعنا ولسان حاله يوصينا بها.. أليس من الواجب شرعاً وخلقاً وإحساناً أن نضحي ونفدي آبائنا ووالدينا؟.. ألم تكن عدن آمناً جميعاً؟..نحن من تتلمذ على يديها..وشب في حواريها.. وشم رحيقها المنبعث من الساحل..وذاق سمكها الطازج من صيرة.. وتزين من مسك الزعفران..وزار جامع العيدروس..وألقى التحية على الإمام العدني..لكنه لم يكن مثلنا أو معنا..كان يسبقنا خطوات ويبوح لها"عدن" بأشجانه ووجدانه وإيمانه بالعبء الذي ظل يلازمه حتى فارق الحياة ولم يفارق ذلك العبء..لذلك ضمته إلى صدرها ووضعته في حضنها..فهش لها متبسماً.. وتشربت أرضها بقايا عطره الباريسي..وذابت خلاياه وأنفاسه في جوفها..ليشكلا وحدة واحدة.. وعبقاً واحداً.. وارتباطاً وجدانياً لا يفترقان..حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

لذلك أحبته عدن..ودعت كل أبنائها..وأحفادها..وجيرانها..وأحبابها..للخروج له.. واستقباله..والاحتفاء به..حتى لكأننا في يوم عرسه.. خرجت عدن تودعه.. وتستفتي أبنائها..فكان الحضور اللافت..والتصويت الصامت.. يا هشام مر.. يسعى.. ومكلل بالثريا.. فهل كانت جنازة أم حفلة عرس؟..الأكيد أنها الأخيرة.

هكذا هي عدن..لا تخطىء أبنائها.. ولا تصيب خصومها..بل ترميهم بالتسامح والسمو..والعفو والحنو..هكذا هي عدن..كما عهدت وتعهدت.. فكيف بالأحباب.. من كانوا لها مشطاً إذا جدلت ظفائرها..ومداساً إن تحممت على الساحل.. ومتكئاً حين تشرع بالنهوض بعد غفوة..ونبراساً إذا داهمها الليل بغتة.

يا أيها الأحباب..يا أيها الأصحاب..يا أيها الاطياب..هشام لم يمت..عفواً الأستاذ والمعلم والناشر والأب هشام لم يمت..بل ساكن فينا ومعنا..سنغرسه ونزرعه في كراريس أطفالنا الدراسية.. وفي نسمات البحر إذا جاء المصيف.. وفي حفلات الزواج حين نشعل فتيل الفرح..وفي جلسات السمر..وحلقات الذكر.. وفي ليالي الترحيب برمضان..وفي قلوبنا والذواكر إن أعدنا شريط الذكريات.

سيظل هشام قمراً يضيء ليالينا العدنية المعتمة..سيظل نجماً يهدي السهارى..والحيارى..والطفارى.. سبل الرشاد

وسيظل الأستاذ/ هشام باشراحيل تشريعاً ودستوراً..يفقهنا كيف نأخذ حقوقنا بالقوة..بعز عزيز..أو بذل ذليل..وسيظل أشياءً وأجواء عديدة وكثيرة لم نستوعبها بعد..

رحم الله رجلاً علمنا كيف نصطاد..وكيف نغني بصوت مسموع..وكيف نطلق أجنحتنا للريح.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي