قليل من الدولة كافٍ لإنهاء كثيرٍ من العبث..

كتب
السبت ، ٢٣ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٣ مساءً

 

سامي نعمان
كان أسبوعاً تعيساً، ذلك الذي مضى، تفاقمت فيه معاناة اليمنيين، ‏لاسيما في المناطق الحارة، جراء تضاعف ساعات ‏انقطاع الكهرباء.. وأياً كانت الخبطات والاعتداءات المألوفة على الأبراج وخطوط النقل، التي تساق ‏كمبرر لمألوف لتدهور الخدمة الحيوية، إلا أنها، في المحصلة، تروج لسبب جوهري وحيد: استمرار غياب مزمن للدولة.
أكثر من ثلاثين مليار ريال هي خسائر مؤسسة الكهرباء لإصلاح فوضى الخبطات.. ومساء أمس الأول توفي ثمانية أشخاص من أسرة واحدة، جراء استنشاق غاز سام صادر عن مولد كهربائي يستعيضون به، عن غياب الخدمة الحكومية في مدينة الحديدة الساحلية.. وقبل أسابيع تعطلت ثلاثة أجهزة طبية خاصة بالعناية المركزة في مركز القلب بمستشفى الثورة بصنعاء جراء الانطفاءات المتكررة، وفقاً لأحد أطباء المركز.
تلك نماذج بسيطة لمعاناة اليمنيين المزمنة في مختلف المجالات، وصلت حد المساس بحقهم في الحياة، والعلاج العزيز، في ظل حالة تراخٍ أمني غير مبرر في تأمين وصول الطاقة، وحفظ مصالح المواطنين، بل وحياتهم..
ليت الأجهزة الأمنية والعسكرية تحضر في هذا الجانب، بذات القدر الذي تحضر به الفرق الفنية التابعة لمؤسسة الكهرباء التي ما تكاد تنجز مهمتها في إزالة خبطة كهربائية، أو إصلاح برج أو خلل، حتى تتأهب لمهمة جديدة في منطقة أخرى.
الدولة حاضرة بقوة في تلك الفرق الفنية، التي تستحق الشكر والتقدير على جهودها الدؤوبة في إصلاح الأعطال، بيد أن الكهرباء مؤسسة ووزارة يغيب دورها في كشف ومقاضاة عشرات النافذين الذين يرفضون سداد رسوم الخدمة التي تفوق عشرات الأضعاف خسائر إصلاح الخدمة، رغم أنها تفصل عن المواطنين البسطاء لبضعة آلاف تأخرت عن موعد السداد..
في المقابل تبقى الدولة غائبة تماماً في أجهزة الضبط الأمني ومعها العسكري إذا دعت الضرورة لمعالجة جزء من الأسباب، الذي يعتبر أولوية مقدمة على إصلاح الأعطال..
وفي ظل غياب دور اللجنة العسكرية في تحقيق الأمن وحفظ المصالح وفرض هيبة الدولة، فإن جهود الإصلاح تبقى نفخاً في قربة مخروقة، كما أن لا معنى أو قيمة بالمطلق لأن تعلن وزارة الداخلية أسماء المتورطين في تعطيل الكهرباء، طالما أنها لن تستكمل مهمتها في ضبطهم وإحالتهم للقضاء.
ماذا لو خصصت الدولة، لواءً عسكرياً واحداً لتأمين خطوط الكهرباء لفترة وجيزة، ريثما تستقر الأوضاع، والنظر بالتزامن مع أي طلبات أو حقوق مشروعة للمناطق المحرومة على طول خطوط النقل دون سياسة لي الذراع عبر الإضرار بالمصلحة العامة، عوض تكدسها في المدن الرئيسية، أو استمرار إغراقها في حروب ومواجهات عبثية في بعض المناطق..
* * *
ثمة حرب عبثية، كاذبة خاطئة، تدور رحاها، على طريق خطوط نقل الطاقة في نهم وأرحب، والدولة هي الغائب الأبرز فيها.
وثمة جمع في صنعاء، تشهر تسمياتها التضامن مع قتلى الجنود في أبين والسبعين، وأخرى، قبل اسابيع، تحرض عليهم في الفرضة والصمع، باسم الوفاء لأرحب ونهم وبني جرموز.
صار الوفاء مواساة «فاقد الشيء»، يصرف بالمزاج الذي لا يستند أحياناًِ لمعايير ثورية ولا إنسانية أو أخلاقية، حتى إنه منع عن صعدة، نكاية بعبد الملك الحوثي!!
لكأن صعدة عندهم هي الحوثي وجماعته، لا أرضاً وإنساناً نكبت بست حروب عبثية أخرى أتت على الأخضر واليابس، وخلفت ضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم يسكنون أرض صراع اختلقت بحماقات نظام لم يستشعر مسؤوليته كدولة، ومغامرات جماعة لم تحترم التزاماتها تجاه الدولة..
ماذا لو أسميت جمعة الوفاء لأرحب بجمعة «معاً لوقف الحرب» هناك.. قطعاً هي تسمية عديمة أخرى لن تتجاوز اسمها، لكنها ستحمل جانباً من البعد الانساني للثورة، والمسؤولية الأخلاقية للجنتها التنظيمية، عوض التسمية الانتهازية المحرضة على قتل العسكر هناك، لمجرد أن قوماً هناك يقاتلون الجيش باسم الثورة..
سمعت من جنود، لا علاقة امتياز تربطهم بـ«العائلة» أكثر من كونهم وجدوا أنفسهم يوماً ضمن قوة عسكرية يمسك قيادتها نجل الرئيس السابق، أن عشرات من رفاقهم، جنوداً وضباطاً قتلوا، وأضعافهم أصيبوا في غزوات وهجمات على معسكراتهم، وآخرين في نقيل ابن غيلان كانوا يستقلون شاحنات مبتهجين بنقلهم من صنعاء حيث بؤرة التوتر المرعبة بين أقطاب الحكم العسكري المتصارعين حديثاً، لا يرغبون أن يكونوا جزءاً من وقودها.
ويكفي ما تبثه «سهيل» من مشاهد الخراب والدمار التي يخلفها القصف العدواني أو الانتقامي الوحشي على قرى بأكملها في عقاب جماعي مروع لا يليق بجيش نظامي، بما يخلفه من إزهاق أرواح بريئة، وإعاقات مستديمة طالت حتى الشيوخ والاطفال الذين لا علاقة لهم ببطولات شيوخ الثورة -هناك- الذين يخوضون حرباً وهمية مستمرة مع من يسمونهم بـ «الحرس العائلي».
فيما العائلة سالمة، حاكمة، بل ومحصنة في صنعاء!!
إلى تاريخ توقيع المبادرة الخليجية؛ أو لنذهب أبعد قليلاً، إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد يمكن التبرير لتلك الحرب على أنها جاءت كإحدى تبعات احتقانات المركز التى وصلت تعز؛ لكن بعد سريان الحل التوافقي لا يمكن التبرير لها بأي حال من الأحوال سوى أنها شكل آخر للدولة المغيبة.
وطالما أن قوات الحرس لا زالت -حتى اللحظة- تتهم مجاميع قبلية بمحاصرة مواقعها، واستمرار الحديث في وسائل الاعلام عن استمرار قصف قرى أرحب، فإن اللجنة العسكرية ومعها وزارتا الدفاع والداخلية مسؤولتان عن إنهاء هذه الحرب العبثية، والتفرغ لحماية مصالح المواطنين.
* * *
أليس الأولى أن تتفرغ بعض تلك القوات لأداء مهمة وطنية ملحة من قبيل حماية خطوط الكهرباء، وفتح الطرق المكتظة بقطاعها كطريق صنعاء الحديدة مثلاً..
الكهرباء، وخدمات أساسية أخرى هي أولوية، لا تقل أهمية عن محاربة القاعدة في أبين، خصوصاً أن أضرارها وصلت حد المساس بحق المواطنين في الحياة، ولا حل لهذه المعضلة المؤرقة إلا بحضور الدولة بقوة كما حضرت في أبين، عوضاً عن إرهاق الخزينة العامة في معالجات لحظية من قبيل استئجار محطات كهربائية لسد احتياجات بعض المدن..
لا بديل لغياب الدولة سوى وجودها، وطالما أن الرئيس أكد في أولى خطاباته الرسمية أن استعادة الدولة تمثل أولوية مهامه خلال الفترة الإنتقالية، فلا مبرر لإستمرار تغييبها في أهون المعارك التي ستربحها أجهزة الدولة وبأقل الخسائر، وأكثرها جدوى على صعيد استعادة ثقة الشعب بدولته التي أريد لها أن تكون مغيبة على الدوام..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي