ما أشبه الليلة بالبارحة

محمد بالفخر
الخميس ، ٠٢ نوفمبر ٢٠١٧ الساعة ٠٦:٥٩ مساءً

 قبل نصف قرن من الزمان وفي مرحلة النضال الوطني ضد المستعمر البريطاني كان للعلماء والدعاة والمصلحين قصب السبق في مقاومة الاحتلال وثقافة المحتل وكانت منابرهم ومساجدهم منارات هداية وتوعية ومنهم استمد المناضلون في الجبهات روحهم النضالية التي اعانتهم في تقديم المزيد من التضحيات التي اقضت مضاجع المحتلين واعوانهم في طول البلاد وعرضها وكانوا أيضا قامات وهامات عالية في مجال العمل الاجتماعي فبدورهم الملموس في تفقد حاجة الفقير والمحتاج واعانة المتعففين كانت بصماتهم واضحة في مجال الصلح بين افراد المجتمع ولم يتسابقوا الى المناصب كما فعل غيرهم ممن اتى من القرى البعيدة او ممن اتى من دهاليز الخدمة في منازل الانجليز او من بين صفوف العمال في شركاتهم ليصبحوا بعد ذلك قادة ومنظرين ،

 

ولم نجد بعد ذلك أي سطر او كلمة في الاف المؤلفات والمقالات التي تكفلت بالكتابة وارشفة التاريخ النضالي للحركة الوطنية في الجنوب بل ان هؤلاء العلماء والدعاة والمصلحين كانوا هم اول من استهدفتهم موجة العنف الثوري التي اجتاحت البلاد جميعا فما بين القتل سحلا بالسيارات كما حصل لعلماء حضرموت وشبوه وعلى راسهم الشيخ السبعيني احمد بن صالح  الحداد  (رحمه الله )والى الدهس المتعمد كما حصل للعلامة علي باحميش (رحمه الله)  امام منزله في عدن وهو جالس على كرسيه كعادته ، والى التغييب والاخفاء القسري والتعذيب في زنازين المعتقلات كما حصل للكثير ومنهم الشيخ محمد عبد الرب جابر (رحمه الله) او بالإبعاد خارج الوطن كما حصل للكثير وفي مقدمتهم الشيخ العلامة محمد بن سالم البيحاني (رحمه الله) واعداد أخرى من مشايخ القبائل ومقادمتها  ،


فبعد كل ذلك دخلت البلاد بفضل قادتها البروليتاريين  في مرحلة التحول الفكري والايدلوجي وبدأت السير مسرعة في مسار المنظومة الاشتراكية غير عابئين بالمجتمع ولا بالإقليم ولا بأصالة هذا الشعب وعقيدته الإسلامية التي يفاخر بها بين الأمم وأصبحت المجاهرة بالمعصية عنوان التقدم والرقي الثوري وعنوان للتحرر من كافة تقاليد المجتمع وبالتالي كانت تلك وسيلة للارتقاء في المناصب وتحمل المسؤوليات 
كل تلك المرحلة بمصائبها شكلت لدى معظم المواطنين ثقافة استعصاء داخلية لم تستطع ان تخترقها كل الوسائل الترغيبية والترهيبية لكن للأسف لم تصمد طويلا امام ثقافة أخرى انتشرت بوسائل ناعمة كنعومة شعر الخيول التي اجتاحت البلاد  في مرحلة ما بعد 1994م.

 تلك كانت هي البارحة  وماذا يجري هذه الليلة ؟


في مطلع 2015 اجتاحت القوى الانقلابية معظم البلاد ومنها مدينة عدن وغادرت القيادة الشرعية البلاد  وتشكلت مجاميع المقاومة في كل مكان وتصدر أئمة المساجد والدعاة وطلبة العلم الصفوف المدافعة وغاب المتسابقون على منصات الخطابة أيام الفعاليات الحراكية الا   النزر اليسير من الذين لم تشملهم الاجندات النضالية الخاصة ، فاشتعلت البلاد جميعها بركانا تحت ارجل الغزاة الجدد وانطلقت التشكيلات المقاومة في كل المدن وتقدم الصادقون الصفوف مقبلين غير مدبرين  وقدموا ارواحهم رخيصة مدافعين عن الأرض والعرض فمنهم من قضى نحبه ومنهم من اعتقل ومنهم من أصيب وفي معظمهم محسوبون على الاتجاه الإسلامي فكان الشهيد عبداللطيف الرشيد والشهيد ضياء باسندوه والشهيد المحامي محمد مسعد العقله وغيرهم الكثير والكثير ولم نسمع لهم ذكرا في ادبيات المتسلقين الجدد وهكذا كانت التضحيات وهكذا كان الانتصار بفضل الله أولا وأخيرا ثم بمساعدة دول التحالف أصحاب الدور الأكبر في عمليات تسليح المقاومة وفي قصف تجمعات ومعسكرات القوى الانقلابية التي شلت حركتها تماما،

واعلن النصر بعد ان استكملت عمليات التحرير في معظم المحافظات الجنوبية تحديدا وعادت الحكومة الشرعية والرئيس الشرعي الى العاصمة المؤقتة عدن والتي دفع محافظها الشهيد جعفر محمد سعد حياته من خلال تفجير آثم لم تكشف خفاياه ولا منفذيه حتى اللحظة وتتابعت الهجمات الانتحارية واستهدفت معسكرات وتجمعات جنود محددين ومعظمهم من محافظة ابين تحديدا التي ينتمي اليها الرئيس الشرعي للبلاد ،
وبعد ذلك بدأ مسلسل الاغتيالات للعلماء والدعاة وائمة المساجد واحدا تلوا الآخر حتى تعدى العدد الرقم العشرون ولم نسمع عن اعتقال مشتبه واحد ناهيك عن احباط ولو حتى محاولة واحدة في الوقت الذي يعلن فيه مدير الأمن عن القدرات الأمنية الخارقة التي تكتشف الجريمة قبل حدوثها ناهيك عن تصريحات سابقة تؤكد اعتقال عدد ممن ارتكبوا هذه الجرائم لكننا لم نشاهد أيا من المجرمين تم تقديمه للمحاكمة وهكذا يستمر المسلسل وتحديدا قبيل صلاة الفجر تذكيرا بزوار الفجر في ذلك الزمن الغابر ،
المحزن في الامر يكمن ان ما حدث في الماضي كان مستنكرا من الصغير والكبير وحتى من بعض شركاء الحكم في ذلك الوقت ،


هذا الزمن ومع انتشار وسائل التواصل وكثرة المواقع وكتابها وكثرة المنظرين التي يفترض تكون قد فتحت مدارك الناس وانتشر الوعي لكننا وجدنا العكس أن تلك الوسائل ساعدت في التدليس على الناس وتوجيه آرائهم نحو ازدراء المصلحين وصرنا نجد ان هناك من يصفق ومن يشجع ومن يحرض على استمرار هذا المسلسل الدامي نكاية بفصيل سياسي او شريحة معينة،

 اما يعلم هؤلاء ان هذه دماء تراق وارواح تزهق وعنف يجر عنف لن يخدم البلد و لن يرث أبنائنا واحفادنا الا بحور من دماء اسنة والله المستعان.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي