خالد الهلالي : الأصوات النشاز.. آن لها أن تخرس

كتب
السبت ، ٠٧ اكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٠٨:٢٨ مساءً

 

لا تفتأ نفس المطابخ المعروفة بترديد اسطوانتها المشروخة متى ما استدعت الضرورة من وجهة نظرها، أو استشعرت أن ثمة تهديد يستهدف مصالحها اللاوطنية، ومن منظورها الضيق الذي يتعامل مع الواقع ومستجدات الأحداث وكل القضايا -بل حتى الوطن- بعين المصلحة الشخصية والفئوية والحزبية، وذلك وأيم الله ارتكاس متجرد عن أخلاقيات (الصراع) أو التنافس السياسي الشريف، أو السباق في خدمة الوطن، بل ويتعارض مع فقه الواقع الذي فرضته المرحلة، حيث أصبح الجميع في مترس واحد لمواجهة عدو غادر يستهدف الجميع.

 

تطالعنا من وقت لآخر حملات ممنهجة تقودها كتائب فيسبوكية، مليشيات وسائل التواصل، حيث تركت كل جرائم وفساد الإنقلابيين وما يرتكبونه بحق اليمن أرضاً وإنساناً، لتتفرغ لاستهداف بعض مكونات معسكر الشرعية، وتجاوز الأمر إلى تناول الشخوص والذوات، وممارسة إرهاب فكري لا أخلاقي بحقهم، ممارسات تكشف عن سوء النوايا المبطنة والمبيتة، والجهل المركب بأداب وأخلاقيات النقد البناء، كونها تجاوزت النقد الصحي بمراحل ولا تمت له بصلة، حيث حولتهم إلى ديدان جراح توسع الجرح لا تعالجه وتتغذى على قيوحه، وأي معالجة ونقد ذلك الذي يصل به الحد إلى الخوض في الأعراض والتشهير بسين من الناس نتيجة اختلاف سياسي رغم شراكة القضية والهدف؟!


 
تابعت كما تابع غيري الحملة والحملة المضادة حول ما سرب مؤخراً من وثيقة لأحد الوزراء في الحكومة الشرعية عين فيها نجله سكرتيراً له وما ترتب على تلك الحملة (وأخذت هذه الحادثة كنموذج فقط، فهناك عشرات الحملات السابقة)، غير أن المثير للإشمئزاز هي الحملة المضادة التي استنفرت من فورها واستدعت الماضي، للأخذ بالثأر في طيش سياسي أحمق، ينبئ عن مرض مزمن تلبس بعض الأطراف، ولا انفكاك لهم منه مهما كانت حساسية المرحلة، وأراد لها مهندسوها أن تأخذ بعداً آخراً، وأن تحقق أهدافاً رخيصة، لإشباع مراهقاتهم السياسية، وهذا ما مارسته تلك المطابخ، وطفحت به مواقعهم وصفحاتهم، وهنا لابد من تسجيل بعض النقاط في طيات هذه المقالة، والشيء بالشيء يذكر.

 

قرأت عدداً من المنشورات التي تهاجم حكومة بن دغر، فيما يخص المرتبات التي يتقاضاها أعضاء وموظفوا الحكومة الحالية وتحملها المسؤولية، بطريقة طفا على سطحها الحقد والإستغلال لتمرير رسائل، ولإستهداف أشخاص بعينهم بدوافع الإنتقام، ولمن شنَّ الهجوم، أو شارك فيه، أو تفاعل معه، دون علم بالحقائق؛ أقول له ومن باب الإطلاع، كشخص له علاقاته ومعرفته الشخصية ببعض قيادات الشرعية -لا أكثر- إن لائحةَ المرتبات والأجور التي تُستغل على الدوام لشن هجومٍ على الحكومة الحالية، أُقرت في عهد حكومة خالد بحاح، وبقرار من مجلس الوزراء آنذاك، بمعنى أن من تهاجمونهم اليوم لم يكن لهم أدنى مشاركة في إقرار تلك اللائحة، وجاؤوا على لائحة مالية قديمة ومعتمدة مسبقاً، ثم إن من يعيش خارج اليمن وخصوصاً في المملكة العربية السعودية؛ يعرف أن تلك المبالغ التي يرون أنه مبالغ فيها، تعتبر الحد الأدنى لمواجهة المتطلبات الشهرية لأي شخص وبالكاد تغطي احتياجاته وأسرته في بلد قيمة سوقه الشرائية والعقارية غالية جداً مقارنة ببلدنا، ولذلك فإن الهجوم في هذه النقطة يعتبر هجوماً ممجوجاً وفي غير محله، بل إنه غير مبرر بالمطلق.

 

أما فيما يخص بعض التعيينات التي حولتها تلك المطابخ إلى عصا ترفعها على كل من اختلف معها، أو وقف ضد أجندتها بين الفينة والأخرى، وأعدت بذلك قوائم مسبقة داخل دروجها المظلمة (والتي منها قوائم خصصتها لما سمته بالتعيينات العائلية التي تحتوي على أسماء مكذوبة وغير صحيحة البتة)، حيث تسارع إلى تعزيز مليشياتها على وسائل التواصل بتلك القوائم بعد إجراء تحديثات عليها بحسب المستهدفين الذين تم تحديدهم من كل حملة، أقول إن هذه المسرحية المكشوفة، والأسطوانة المشروخة، لم تعد تنطلي على أحد، حتى وإن طارت بها مليشياتكم، ولو أن هذه المطابخ تمتلك أدنى قدر من المصداقية، لرأيناها لا تحابي أي مكون، أو حزب، أو جماعة، ولا تستثنيه من قوائمها وإشاعاتها، وسأكون صريحاً أكثر -ولا أريد نشر الغسيل- لكنه من غير المنطقي أن يتم استهداف بعض رموز الدولة وبعض قيادات مكونات الحكومة الشرعية الفاعلة، كالمؤتمر الشعبي العام، والناصري وغيره، ويتم غض الطرف كُليةً عن حزب الإصلاح الذي يمتلك نصيب الأسد ليس في التعيينات الحكومية أو (العائلية) -فقط- بل إنه استفرد بمحافظات وألوية ومعسكرات، وكل قائد عسكري أو مسؤول لا يكتفي بتعيين ابنه -فقط- بل يُعيّن كل (العَصَبَة) ورثة وأقارب، وأقارب الأقارب، والأنساب والأصهار، وإذا بقي مجال يضيف للكشوفات أقاربه المغتربين.

 

وأعرف وتعرفون أنتم أن رمزاً كبيراً من رموز الدولة لديه في مكتبه فقط ٣٨ موظفاً، من درجة وزير إلى درجة رئيس قسم، يتقاضون بالدولار، وكلهم من لون واحد وأصهار وأقارب، ولم نرَ أحداً من أدعياء مكافحة الفساد تطرق لأحدهم وعَرَّضَ به من باب التمويه، أو حفظ ماء الوجه، لكنه الإفراط في الخصومة حد الشطط، وعدم المصداقية، والكذب، والتدليس، جعلهم يغضون الطرفَ بل ويتعرّون بقبح، ومن يرى أنه بتصرفه هذا يحارب ما يطلق عليه (الفساد)، نقول له إنك بتصنيفاتك وقوائمك المفروزة وفق أبعاد حزبية، ومصالح وأحقاد شخصية، تمارس فساداً أشد، فساد أخلاقي مركب، مع التأكيد على عدم اعتراضي على النقد أبداً، النقد الصحي الغير مُسَيّس، ولا مُوجَّه، نقدٌ لا يقومُ على التمييز والتفرقة، ولا يخدم أجنداتٍ وأحزاب.

 

أخيراً؛ كنتُ أتمنى أن تُحوِّلَ هذه المطابخ ماسورةَ مِدفعها الذي نُصب لإطلاق قذائف الكذب والشائعات باتجاه شركاء المعركة والقضية، أن تُحوّلها باتجاه معكسر الإنقلابيين، وتتفرغ لفسادهم وجرائمهم، من باب المهم والأهم، وأن تُسخِّرَ الأموال -التي تتقاضاها من خزينة بنوك الشرعية وتنفقها على حملاتها المشبوهة- في مواجهتهم وحربهم، وحريٌ بهم وبكل من أعلن موقفاً من الإنقلابيين، أن يتوقف عن تصويب سهامه الغادرة تجاه رفقاءه في النضال ومحاولة حرف مسار المعركة، ومن فقه الأولويات؛ أن محاربة الإنقلابيين ومقارعتهم، وفضح فسادهم، وجرائمهم حتى نستعيد جمهوريتنا المسلوبة ، مُقدَّمٌ بألف مرة على مكافحة الفساد الذي ترونه في معسكر الشرعية، وذلك أضعف الإيمان.

 

وإن كانت تبعيتك قد أعمت بصيرتك عن التمييز بين الأولويات، ولا تعرف فقه الواقع جيداً، فاكفنا شرّك بالتوقف عن مشاركة العدو في معركته ضد الشرعية، حكومةً ومكونات وأفراداً.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي