تعز..إسفنجة

كتب
السبت ، ٠٩ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٠٥ مساءً
عبدالإله تقي في الماضي القريب كنا نرى أبناء تعز السلام متحدين بقوة حول أي قضيةٍ وطنية أو محلية تهم مدينتهم إلا في ما ندر والنادر لا حكم له، وكان كبير الفضل في ذلك لمثقفيها وإعلامييها اللبقين. اليوم تعاني تعز الثورة من بعض من أبنائها وهم ثمة صحفيين لامعين يعملون ليلاً تحت بريق المال حثيثاً على تفريق كلمتهم وغرس مذهب الخلاف الجدلي لتوطين ثقافة وشرخ جديد على بيتهم الأنيق. منذ أمدٍ ليس ببعيد، كنت وعشرات الآلاف من أشد المعجبين بأعلام صحفية حرة تعزية يسارية لن أذكرها بالإسم الآن. لقد اتسمت كتاباتهم بوضوح وصدق أهداف قضاياهم التي يبتغون بها مرضاة الله وملايين المسحوقين الذين طالما شعروا بالحماية والثقة تحت ظلال أقلامهم التي تدفق حبرها من شرعية قضايا ملايين الفقراء فكان كلامهم ملهماً وتنويرياً ككلام الأنبياء ورسالتهم مخلصة لله... إلى أن لوّث حبرهم المس ورافق كلامهم الدس وشوّش رسالتهم الهمس. لن أذكر أسماء فستظهرها مقالاتهم الأخيرة والقادمة ولن ألمح إلى قدر ما حصلوا عليه لتحسين معيشتهم ومن أين.. فالناس اليوم يعرفون الجهة الأجنبية وربيبها المحلي الذي ما فتئ يقدم ماله باحثاً له في تعز الثقافة والحداثة عن موطئ قدم، من خلال شراء مبادئ أناس وصلوا من الكمال “المبدأي” درجةً استحال تصديقنا يومئذ أن يصلوا إلى مآلاتهم الجديدة، فتركوا رسالة النبوة ليدخلهم المال جحر العبودية. قبل أيام عرضت قناة السعيدة برنامجاً حوارياً أداره الإعلامي الجديد المحنك محمد العامري من تعز وناقش التأثيرات التبادلية بين الإعلام والسياسة وتعمد استضافة سياسي وأحد أولئك الإعلاميين موضع المقال. عرفت من اختيار العامري للمكان ونوعية أسئلته الذكية أنه لم يرد من خلال ذلك اللقاء إلا مناقشة تحول خطاب واتجاه أمثال أولئك الإعلاميين أثناء ومرحلة سياسية حساسة تستعين بمثل أولئك الصفوة بالذات لقيادة توحيد الصف الشعبي ضد النظام الخائن للمسحوقين أولاً ليصبحوا من موقدي شعلة الفتنة وعباد نارها. كانت مشاركات وحجج ذلك الإعلامي في منتهى السذاجة والتراجع والتناقض.فقد برر تراجع المبادئ التي كان يدعو الناس إليها إلى ان الصحفي هو بشر من لحم ودم يؤثر ويتأثر بالبيئة الملوثة التي تحيطه، وكأن الصحفي رجل عادي وما خلق ليكون مُبصّراً لأخطاء الناس ومنوراً لطريق التصحيح وراسماً لهم المبادئ التي ينبغي على الجميع احتذاءها. زعم صاحبنا خلال الحوار أنه طوال عمره لم يزدر فرداً من الناس بسبب شكله أو لبسه وأنه فعلها مرة مع أحدهم وظل يندم لذلك طويلاً لأنه مثقف، ونسي أنه طالما جرحني وعشرات الآلاف مثلي في مقالاته خاصة الأخيرة منها ولا سيما كتابه الجديد التهكمي على أبناء الزيود، حيث أظهر ازدراءه مبكراً في عنوان الكتاب حتى آخر صفحة منه. لقد كانت كلماته تحتقر المفردات والثقافة الشعبية والزي الشعبي. وأضاف أن معظم مقالاته تتناول علماء الدين لكرهه أن يستأثر أحدٌ بالدين لخدمة أغراض شخصية أو سياسية أياً كانت، وأنا معه في ذلك، لكننا لا ندري ونحن نتمعن في كتاباته هل معنى كرهه ذاك ضرورة أن يكتفي بنقد كلام أو “فتوى” ذلك العالم أو المتدين، أو أن يتناول الدين نفسه بالاستهتار وبعض كلمات رفض مخيفة! وإن اعتبرها حرية رأي، فهل من حرية الرأي أن تستهين بمبادئ دينية يعتبرها الآخرون ثوابت لا يجوز الاستهانة بها ، أم أن الأسلم أن يكون رأيك لنفسك ولأصدقائك ضمن دائرتك الضيقة وليس الشعبية الواسعة التي ظلت دائماً تصرخ بعدم تجاوزكم احترام مقدساتهم! فكما لم تقبل أحد الرموز النسائية اليمنية العلمانية مني نقد لبسها غير المحتشم وسط زحام الناس، التي كانت بدأت تهاجمها بغضب، لأنه قضية شخصية، يرفض الملايين تناولكم دين الجميع لأنه قضية شخصية وتثير الجميع. لن أطيل، إلا أني أريد تأكيد مفاجأتي لاكتشافي حقيقة أنه “كيفما كانت إجادة لسانك للمناورة والتفلسف واستغلال الأحداث لدعم حجتك، فقبولك نفسك السوداء للمال سحتاً أجراً للسانك لن يقبله عقلك الذي يتحكم بكل تحركات اللسان الذي سيبدو مجرد عجينة مرتبكة زائغة الاتجاه تحتاج دوماً أن ترتشف كميات من لعاب لترطيبها مرة من سيلان إغراء السحت وأخرى من احراجات الفكر والعقل وسابق مبادئ. سأقول لك ولزمرتك: يا من كنتم تُغنون عقولنا بالتفكير والتمعن وقلوبنا بحلم التمدن ويا من تمتلئ أسماؤكم بمرادفات العقل والعدل والدين والفرح والاحسان والشجاعة، ستظل عقولكم تربك ألسنتكم المستعبدة وستمنعكم من إجابة من يناديكم بأسمائكم الجميلة. ولن تسمح ثقافة ومدنية تعز الحالمة لأي منكم أن ترجعوا دواليب تقدمها إلى مواقف العبودية البائدة. وستظل تعز على انفتاحها المعتاد، لكنها ستبقى أيضاً “كالإسفنجة الناعمة” التي تشفط الماء بتلوثاته لكنها ستُبقي الكتلة الواحدة الواضحة المعالم خارج أحشائها، الحملى بالعطش ونيران الحمم وسواد أفعال عبيد.. ستبقى تعز عزاً بفضل أيادي أبنائها البيضاء.. عزيزة على كل القلوب.. [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي