على هامش الانتخابات المصرية .. إخواننا و إخوانهم

كتب
الاربعاء ، ٠٦ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٤ مساءً
د. محمد سعيد الحاج لا أحد ينكر ما قدّمه الشعب المصري الشقيق للشعب اليمني منذ زمن ٍ ليس بالبعيد , فقد قدمت مصر آلاف الشهداء من أجل ترسيخ ثورة 26 سبتمبر و قدمت المساعدات التعليمية و الثقافية لسنوات عديدة , و حتى زمن قريب كان المعلم المصري يتواجد في كل قرية في اليمن متحملا ً الظروف الصعبة و القاسية و كان الكتاب المصري يُدَرّس في مدارسنا في مختلف المراحل التعليمية و ما زال الأشقاء يقومون بواجبهم التربوي حتى الآن في التعليم الجامعي . كل ذلك جعل اليمنيين يصلون إلى حقيقة أن كل ما يحدث في مصر على مر الزمان يصل أثره ونتائجه إلى اليمن شئنا أم أبينا , وعندما تأسس حزب الإخوان المسلمين في مصر في القرن الماضي تبعه بالظرورة تأسيس حزب الإخوان المسلمون في اليمن , وواجه الإخوان المسلمون في كل ٍ من مصر و اليمن عبر تاريخهم الأنظمة السياسية المتعاقبة في الدولتين وكانت بين الشد و الجذب إلّا أن الظروف السياسية للبلدين لم تكن متطابقة لأسباب عديدة منها : موقع مصر الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط و قربها من دولة إسرائيل ووجود الطائفة المسيحية الكبيرة داخلها , كل ذلك أثر على مسيرة الإخوان المسلمين في مصر , حيث لم يُسمح لهم بتشكيل حزب سياسي مُعترف به إلا بعد أحداث ثورة يناير الشبابية . على عكس الإخوان المسلمين في اليمن و الذين كان لديهم مساحة أكبر من الحرية السياسية , فكان لهم وجود في الحراك السياسي اليمني قبل الوحدة و بعدها , و عندما قامت الوحدة اليمنية المباركة ظهر الإخوان المسلمون بصورة أكبر وضوحا ً لأن الوحدة اليمنية ترافق معها إعلان الديمقراطية الحقيقية في اليمن . فقام الإخوان المسلمون في اليمن بوضع مكان ٍ لهم في الخريطة السياسية اليمنية , فشاركوا في حكومة الإئتلاف بعد تحقيق الوحدة و شاركوا في حكومة ما بعد حرب صيف 94 , وشاركوا في الإنتخابات الرئاسية الأولى و الثانية ولا سيما بعد أن شاركوا في تأسيس ما سمي باللقاء المشترك مع أحزاب غير دينية . مما سبق يمكن القول: أن الإخوان المسلمين في مصر لم يُسمح لهم بالمشاركة السياسية الفاعلة كما سُمِح للإخوان في اليمن مما جعلهم أكثر نضجا ً في السياسة من الإخوان في مصر , و يدل على ذلك ما وقع به الإخوان المسلمون في مصر من أخطاء عميقة في انتخاباتهم الرئاسية الحالية و ما حدث من ارتباك في تحديد مرشح الرئاسة و عدم قدرتهم على التحالف مع الاحزاب الأخرى غير الدينية – كما حدث في اليمن- مما سمح لأصحاب النظام السابق الدخول بقوة في المنافسة على كرسي الرئاسة مما يُعرّضهم لخسارة كبيرة . يؤكد ذلك دعوتهم هذه الايام لتحالفات مع الآخرين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ويدل ذلك أيضا ً على إن الإخوان المسلمين في مصر لم يلعبوا اللعبة السياسية بصورة دقيقة نتيجة لقلة الخبرة في هذا المجال , على عكس الإخوان المسلمين في اليمن الذين فهموا اللعبة مبكرا ً وتحالفوا مع الآخرين مما سيعطيهم الفرصة للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة في اليمن , وبدون الحاجة إلى جولة ثانية وإلى إستجداء الآخرين وتقديم التنازلات . نخلص من ذلك إلى أن إخواننا في اليمن وعلى الرغم من أنهم فرع من فروع الإخوان في مصر إلا أن الأحداث في مصر تدل على تقدم الفكر السياسي للإخوان في اليمن , و كان على الإخوان في مصر الإستفادة من تجربة الإخوان في اليمن في تحقيق تحالف مع الأحزاب الأخرى في إطار تحالف مشترك , ولو كان حصل ذلك لكانت أصوات أبي الفتوح و صباحي في متناول أيديهم , و أرى – كما يرى الكثيرون – أنه كان على الإخوان المسلمين في مصر أن يكتفوا بأغلبيتهم في مجلس النواب و رئاسة مجلس الوزراء , ولا يخوضوا إنتخابات الرئاسة على الأقل في هذه الإنتخابات , و يتركوا إنتخابات مصر لأحزاب أخرى خاصة ً تلك الأحزاب التي تريدها الثورة الشبابية , و أعتقد أن هذا الفعل كان سيحقق لهم مكاسب عديدة أهمها : الحفاظ على مصر مستقرة آمنة , و الحفاظ على شعبيتهم , و الحفاظ على الثورة و نجاحها , و أخيرا ً القضاء على بقايا النظام السابق نهائيا ً . أما الآن فقد وضعوا أنفسهم بزاوية صعبة و خاصة في أول تجربة سياسية لهم فلو لم يفُز الدكتور مرسي في إنتخابات الجولة الثانية , فكيف سيكون موقفهم , إنهم بلا شك سيخسرون الكثير وسيظل تأثير هذه الخسارة عليهم فترة من الزمن بل سيجدون أنفسهم مُتهمين من قبل الشعب بتحمل جزء من مسئولية ما قد يحدث في مصر من عدم استقرار والعودة إلى المربع الأول . وعلى قاعدة أن ما يحدث في مصر سيحدث بالضرورة في اليمن نجد بعض اليمنيين يضعون أيديهم على قلوبهم وسط مخاوف من فوز مرشح النظام السابق في مصر“ أحمد شفيق” برئاسة مصر , وهذا يعني بنظرهم أنه قد يفوز مرشح النظام السابق في اليمن بالإنتخابات الرئاسية القادمة . و أعتقد أن هذه المخاوف غير مبررة لأن النظام السابق في مصر غير النظام السابق في اليمن فهناك فروق جوهرية بين النظامين أهمها : أن العداء بين النظام السابق في مصر و الإخوان المسلمين لم يكن بنفس الجدّة في اليمن , إضافة إلى وجود شعبية كبيرة لنظام مصر السابق بسبب عدم إقتناع الكثيرين من المصريين أن الإخوان المسلمين هم البديل الحقيقي للنظام السابق , كذلك وجود الطائفة المسيحية الكبيرة في مصر التي تعلن صراحة تخوفها من النظام السياسي الديني , كل تلك الأسباب لا توجد في اليمن و بالتالي لا مبرر للمخاوف من فوز بعض رموز النظام السابق في مصر برئاسة مصر . و أخيرا ً يجب القول: إنه على الإخوان المسلمين في اليمن الاستفادة مما يحدث في مصر اليوم وعليهم أن يعملوا على دراسة التجربة المصرية بطرق موضوعية تفيدهم و تفيد اليمن و ثورتها و أمنها و استقرارها . *جامعة تعز
الحجر الصحفي في زمن الحوثي