القضاء المصري.. بين الاستغلال والاستقلال

كتب
الاثنين ، ٠٤ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٠٢ مساءً

كتب - فؤاد الحبيشي

لقد  كانت  رحلت الشعب المصري  نحو الديمقراطية صعبة ، رغم المظاهرات المستمرة, والمطالبات المتتالية , فقد واجهوا كثير من المعوقات ولا زالوا , ودفعوا  كثير من التضحيات, ثمناً للحرية التي ثاروا من أجلها .

ومعان حسني مبارك  تجاهل الثوار , و سخر من المعارضين له  ولم يعرهم أي اهتمام .  وبعناد  وكبر رفض التغيير .

لكنه عندما شعر بالكرسي يتأرجح من تحته , عرف أن الشعب قد أحكم قبضته, فحاول أنيستعطفه  تارة ويستلطفه تارة,  لكن الوقت كان قد فات.

لقد كان بقاء مبارك  واستمراره تجسيداً لحكم الفرد , الذي حكم 30عاماً بالتزييف والتزوير للانتخابات , والتلاعب بالدستور والقانون , كما جمع بينرئاسة الدولة والحزب الحاكم , في تعطش مقيت للبقاء , وفي مشهد حقير للأنانية وحبالذات , رئيساً دكتاتورياً لثلاثين عام , كما أنه كان صاحب القرار الأول والأخير .

ورغم أن الشعب المصري كان مطلبه أن يحاكم مبارك ونظامه سياسيا ,على الجرائم التي ارتكبها  بحق المصريين , من تشريد, وتهجير, وإفقار, ومحاكمات واحكام عسكرية قسرية وجائرة على أشخاص تبرئهم المحاكم المدنية, وينتهي بهم المطاف , في السجون خلف القضبان, وتحت الأعمال الشاقة, ومصادرات للممتلكات الخاصة , و اهدار للأرض والعرض والمال , وحرمان للمواطن  من حقه المشروع في المسكن والتعليم والعلاج .

 لكن المحكمة التي حبس المصريون أنفاسهم لسماع ما يسرُّهم منها كانت قد  اختصرت فترة الحكم  التي تربع فيها مبارك على عرش السلطة  وممارساته لكل أنواع  الإذلال للشعب المصري ,واستهتاره بدمائهم , فقد تجاهلت المحاكمة جرائم كثيرة مارسها مبارك بصفته رئيس للجمهورية وهو المسؤول الأول سياسياً  عن مصر  ومن فيها , صحيح أن الدرس كان قاسيا , بالحكم المؤبد , لكن للذي يأتي من بعده .

أما مبارك فالمرض قد أنهكه ولم يعد بحاجه للحكم , وما كان يأمله , أن يخلفه أولاده من بعده

 صحيحأن مصر قطعت شوطاُ كبيرا , عندما جعلت رأس الفساد و زمرته خلف القضبان .. لكن الحكم  كان جائراً عندما برَّأ القضاء المصري من يتهمهمالشعب بقتل أبنائهم وآبائهم .

كيف يُبرَّأ  أعوان حسني مبارك ووزير داخليته ومساعديه ؟ هذا يعني أن الثوار هم  المدانون!!  وقد يجدون  أنفسهم  يوما  منالأيام في السجون والمعتقلات  جزاءً بماكانوا يطالبون..!!

لقد ثبت أن القضاء المصري مستغل وليس مستقل , والدليل التمهيد بالمقدمة السياسية  للحكم , وكذا التهديد بعدم اثارة أي حركة  قد تخل  بهيبة القضاء أثناء النطق بالحكم .

 ولأن المحكمة كانت تتوقع  مسبقاً أنها ستكون في مواجهة مع الشعب وستكون هناكردة فعل شعبية  .

 فقد كانت العبارة بالنص (السادة الحضور الهدوء التام أي حركة أي صوت سنعتذر فورا)وكررها قائلا (أي صوت سيصدر حتى نهاية الجلسة سنعتذر فورا , وسنطبق القانون بكلحزم ), ماذا يعني هذا.!! ثم ماذا تعني  الحراسة المشددة بخمسة آلاف جندي وضابط , وخمسين مصفحة ومدرعة  ؟!

لقد كان الحكم جائراً لما  فيه من التناقض , فالمقدمة للحكم تطرَّق فيها القاضي لثورة الشعب المصري السلمية , وبدأ يمدحاها ويمجدها - باستعطاف - وأن (إرادة الله في علاه أن أوحى إلى شعب مصر بتلك الثورة تفوحهم رائحة الحق ), ثم ذكر ما عاناه الشعب من آلام  وفقر وإذلال (وما تكبده المواطنون من ألم وحسرة وقهر) (وتوجهوا إلى ميدان التحرير بالقاهرة مسالمين مطالبين "عيش حرية عدالة اجتماعية" ضد من ارتكبوا وقائع الفساد وعميت قلبوهم وانطفأت مشاعرهم) ولم يتطرق القاضي للشهداء الذين سقطوا تحتوابل الرصاص, وداستهم المجنزرات والجمال, وخنقهم الغاز , وأُمطروا  بزجاجات المولوتوف, وانهال عليهم الجنود بالضرب بالعصي وأعقاب البنادق , كل ذلك وغيره  لميكن دليلا كافياً عند السيد القاضي  الفاضي, لأنه لا يعنيه .

أما الثورة التي فاحت منها رائحةالحق , وكذا الفقر والفساد  الذي أصاب مصر-كما قال- فهو لم يقف معها , لن الأعوان والمساعدين والأبناء خرجوا بعدها أبرياءلأن القاضي لم يجد دليلاً  رغمالجلسات المتعاقبة التي بلغت 49 جلسة وبمعدل زمنى 250 ساعة وبمدة وصلت لأكثر من 10ساعات في الجلسة واحدة، ولا حتى أوراق  القضية التي بلغت أكثر من 60 ألف ورقة .

المحكمة بدت وكأنها غير مسؤولة عن إصدار الأوامر لقوات الامن بإطلاق النار على المتظاهرين، وسقوط نحو ألف قتيل.  أما مضمون الحكم فقد كثرت فيه المبررات,   وتكررت فيه خلت وخلت و خلت , لنكون بعدها في" تلك أمة خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"

وكما أكد  خبراء قانونيون أن  الحكم يبقى واسعاً  ومفتوحاً أمام الاستئنافات والاعتراضات  والمراجعات القانونية أيضا كما نسب الى منظمة العفو الدولية قولها ان الحكم فشل في وضع حد لثقافة الحصانة من القانون بالنسبة لمسؤولي الامن والسياسيين المذنبين بارتكاب إساءات لحقوق الانسان

ردة الفعل الشعبية القادمة ستكون ثورة  شعبية للقضاء على القضاء ,الذي لم  يحرك ساكناً لدماء الشهداء , التي سالت والأعراض التي انتهكت , والأموال التي بددت , والأراضي  والممتلكات التي صودرت  بغير حق

ويبقى السؤال.. من الذي سيدفع ثمن مقتل المصريين الذين سقطوا ..؟! ومن الذي سيتحمل مسؤولية الدولة في القتل ..؟!! وهل ستكون  الحصانة قانون  يمنع المناقشة فيه ..؟!!.

  ومع اقتراب تسليم المجلس العسكري الحكم لرئيس منتخب , هل تكون بداية التعثر  للقادم الجديد  أم المواجهة مع القدر المحتوم !!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي