الاستخبارات مشكلة الشرعية ؟

محمد القادري
الاثنين ، ٢٧ مارس ٢٠١٧ الساعة ٠٥:٠٦ مساءً
 
أي دولة لديها اجهزة استخباراتية قوية وبرامج مخابراتية محكمة تغوص بعمق في الجانب العسكري والمدني ، بلا شك انها دولة قوية لديها جيش متماسك وتنعم بالأمن والاستقرار ، ويحكمها نظام صارم لا يتأثر بالتغييرات التي قد تطرأ على رأس هرم الدولة أو الحكومة ولا ينتج بسبب ذلك الانفلات والفوضى وسقوط مؤسسات الدولة .
 
الاستخبارات لها دور في نجاح انظمة الحكم  يكاد ان يكون نصف ماتقوم به بقية اجهزة الدولة ، فالاستخبارات في كفة وبقية اجهزة الدولة من جيش وأمن وشرطة وجميع المؤسسات المدنية في كفة أخرى ، فالاستخبارات هي من تمنع الجريمة قبل وقوعها ، وهي من تعد الاسلوب والبرنامج المناسب للتعامل مع الشارع العام والواقع المعايش ، وهي من ترسم سياسة الدولة تجاه الشعب ، كون الاستخبارات هي من ترفع التقارير بصورة دائمة وتراقب الشارع بطريقة مستمرة ، وتتصل بجميع شرائح المجتمع بحالة مخفية .
 
 مشكلة الدولة الشرعية في الوقت الحالي تتمثل في ضعف الجانب المخابراتي ، فانفلات الامن في بعض المناطق المحررة ، وتغلغل الخلايا النائمة من الجماعات  الارهابية ، وتنفيذ اعمال الاغتيالات وغيرها ، يعود السبب الرئيسي لضعف جهاز الامن القومي والامن السياسي ، بل هناك دلائل عديدة توضح ان اجهزة الاستخبارات لدى الشرعية غير مفعلة بالشكل المطلوب ، وليس لديها استراتيجيات وبرامج وابعاد وخطط وآليات تواصل تتناسب مع متطلبات الواقع وظروفه العامة .
 
 يفترض ان تهتم الدولة الشرعية بجهازي الامن القومي والسياسي بنفس اهتمامها ببناء جيش وطني او اكثر بكثير ، ويجب ان تضع خطة شاملة وعميقة ودقيقة للعمل المخابراتي يتضمن المناطق المحررة كقسم اول ، والمناطق التي لم تتحرر كقسم ثاني ، بحيث يتخصص القسم الاول في مراقبة ومتابعة والتواصل بشكل شامل مع جميع الطبقات الاجتماعية ويقيس نبض سكانها ويرصد متطلباتها واحتياجاتها على المستوى الامني والخدماتي ورفع تقارير مفصلة للجهات المعنية والزامها بالتنفيذ والتحرك مع تقييم الاداء والمحاسبة على التقصير  ، وايضاً في المناطق التي لم تتحرر يجب على القسم الثاني ان يراقب ويرصد ويقيس مدى امكانية الاحتواء للافراد والوجاهات والشخصيات المؤثرة لضمها مع الدولة الشرعية ، وفتح خط تواصل مناسب يكون مباشر او غير مباشر ، واتخاذ سياسة ملائمة تتضمن تحقيق الوقوف مع الشرعية في الوقت المناسب او على الاقل عدم الوقوف مع الانقلاب ان لم يقفوا مع الشرعية ، بالاضافة إلى رصد تحركات العدو بطريقة دقيقة ، فاستخبارات الشرعية  في المناطق التي لم تتحرر ضعيفة جداً ، والدليل ان هناك شخصيات كثيرة تريد الوقوف مع الشرعية وفتح خط تواصل معها بشكل سري او غير ذلك ، ولكن ليس هناك من يحتويها ويتواصل معها ويرفع بتقارير موضوعية عنها ليتم بعدها التعامل معها بالطريقة المناسبة والاستفادة منها في مايصب بصالح الدولة الشرعية .
 
كما هو معلوم ان الاجهزة المخابراتية كالأمن القومي والسياسي تتبع رئاسة الجمهورية بشكل مباشر ، لا يجب ان يتدخل بها حزب او تكتل او تتم وفقها المحاصصة بين مكونات سياسية ، ويفترض ان تعي تلك الاجهزة المخابراتية المسؤولية الملقاه على عاتقها ، كما يجب ان تعلم العمل الاستخباراتي لا يقتصر على وسائل التنصت ومراقبة الاتصالات والاطلاع على الاعلام ، فتلك الوسائل قد لا ترفع بتقارير حقيقية لتشخيص المشكلة والفرد والشارع ، بل ان العمل المخابراتي يجب ان يعتمد على وجود الفرد البشري الذي يعمل مع تلك الاجهزة الامنية ، ويجب ان يكون التواجد شامل لكل موقع وحي وحارة ومدينة وريف ومرفق حكومي وغيرها ، كما ان قيادات العمل المخابراتي يجب اختيارها بدقة وعناية ، ممن تتوفر فيهم العقليات الكبيرة والافكار الواسعة .
 
عندما اسقطت جماعة الحوثي مؤسسات الدولة ركزت بشكل اساسي على جهازي الامن القومي والسياسي واحكمت السيطرة عليه واخترقته وسيرته لتنفيذ اهدافها ومهامها ، بل جعلت جهاز الامن السياسي هو جهة الضبط الكبيرة وأوكلت اليه مهمة التعامل مع مختلف القضايا بدرجة رئيسية ، واعتمدت عليه في ذلك وشكلت له اجهزة مخابراتية لتعينه في هذا الجانب كالامن الوقائي الذي يتبع التنظيم الداخلي لجماعة الحوثي ، وكما هو معلوم ان اجهزة الامن السياسي والقومي في المناطق التي لم تتحرر قد اصبحت مخترقة من قبل إيران ، وهذا مايفرض على الشرعية ان تقوم ببناء اجهزتها المخابراتية من البداية ، ويجب ان يكون البناء قوي حتى نضمن وجود دولة قوية غير قابلة للسقوط مرة أخرى .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي