تظليل إعلامي عابر الحدود

كتب
الجمعة ، ٠١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١١:٣٧ مساءً
  صلاح السقلدي مساء يوم الجمعة 18مايو كنتُ أستمع إلى تقرير تذيعه قناة العربية الفضائية حول اليمن وتحديدا حول برقية الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي بعثها للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بمناسبة مرور 22عاما على الوحدة بين اليمن الديمقراطي والجمهورية العربية اليمنية. ولولا أنني اعرف من هو مراسل هذه القناة في صنعاء وكيف يتعاطى هو وبقية زملائه من القنوات العربية التي يهيمنون عليه لألتبس عليّ الأمر وتشابهت عليّ بقر قنوات الفضائية، خصوصا عند التوقف عند المصطلحات التي ساقها ذلك التقرير والتي حفظناها ظهرا عن قلب من وسائل الإعلام اليمنية الرسمية والحزبية. - مما جاء في تعليق تقرير قناة العربية على برقية الرئيس الامريكي اوباما والذي سنتخذ من هذا التقرير نموذجا للكيفية التي يتعاطى معها مراسلو الفضائيات العربية بصنعاء حيال الشأن الجنوبي- :(.. فاجأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما المراقبين مستبقاً ذكرى الوحدة اليمنية بأربعة أيام بتوجيهه رسالة تهنئة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حملت دلالات ورسائل دعم قوية للقيادة الانتقالية وبما يمكّنها من إخراج البلد من أزمته والحفاظ عليه موحداً، بالإضافة إلى أن الرسالة تضمّنت نقاطاً صادمة للكيانات المنادية بفكّ ارتباط الجنوب عن الشمال، حيث تتهمهم أمريكا بتلقي الدعم من إيران، وشددت في ذات الوقت على وحدة التراب اليمني.. واعتبر محللون أن ما أكد عليه الرئيس الأمريكي بخصوص الوحدة اليمنية يشكّل رسائل صادمة لقيادات معارضة في الخارج وكيانات عديدة في الداخل تنشط تحت مسمّى الحراك الجنوبي وتنادي بالانفصال وفكّ ارتباط جنوب اليمن عن شماله والعودة إلى ما كان عليه الحال قبل 22مايو/أيار 1990...) أنتهى.! - ونحن نستمع الى هذا التقرير تملكتني حالة من الدهشة ليس مما ورد فيه فلديّ اعتقاد راسخ ان ثمة توظيف سيء قد جرى لتلك البرقية ولكن الدهشة تملكتني ان يوصل الحال بقناة فضائية بحجم العربية إلى ما وصلت إليه من الاستدراج والخديعة التي وقعت فيهما على يد مراسلين يقطرون تظليلا ويفتقرون إلى أبسط قيم الحياد والمهنية.! وبعد ان فرغت من الاستماع إلى هذا التقرير عمدت الى المواقع الإلكترونية للبحث عن نص مترجم للبريقة التي كانت سبب هذا التقرير، لأجد ان شيئا مما ذهب إليه صاحب التقرير والجهة السياسية التي تقف خلفه ليس له وجود بتلك في البرقية ولا تحمل هذه البرقية أي جديد خارج اطار العرف الدبلوماسي المعهود والمجاملات السياسية بمثل هذه المناسبات إذا ما استثنينا فقط ان أوباما ارسل برقيته قبل أيام من المناسبة( عيد الوحدة) ، أما ما دون ذلك فقد قـوّل ذلك التقرير اوباما بما لم يقله وطفق يخبط خبط عشواء تارة باسم الوحدة وتارة باسم مكافحة الارهاب وكأني أمام وحدة تغرق بالأعماق وتتعلق بقشة أسمها (برقية امريكية)، بل ان ما أورده أوباما في برقيته بشأن الوحدة اليمنية التي أفرد لها تقرير قناة العربية الحيز الكبير يشيئ بعكس ذلك، فهو -أي اوباما- قال بهذا الخصوص ما يلي:(.. نحن نمد يد العون لكم لدفع عجلة التقدم نحو توحد افضل للبلاد واستقرار وعدالة ديموقراطية ..). فحين يتحدث أوباما عن دفع العجلة نحو ((توحد افضل)) فهذا ليس له تفسير إلا ان الرجل يعرف أكثر من صاحب تقرير قناة العربية والجهة التي يعمل من لحسابها ومن قناة العربية نفسها ان ثمة وضعا وحدويا باليمن ليس بالوضع الافضل الذي يجب ان يكون وإلا لما تحدث هذا الرئيس عن ضرورة دفع العجلة الوحدوية إلى وحدة أفضل ان كان هناك وحدة مكتملة وعادلة (فالأشياء تعرف بأضدادها) كما يقال. اذن من أين أستوحى هذا التقرير وصاحبه ومن يقف خلفه كل تلك الأوهام ليسوّق كل تلك التأويلات وكل تلك المغالطات ليهدف منها أولاً إلى التمسح بالقوة الأمريكية وليستمد منها شرعية وجودها على هذه الشاكلة الفاسدة التي هي عليه اليوم وتلويح بالعصاء الأمريكي بوجه الجنوبيين المعترضين على مثل هذه الوضع الوحدوي الفاسد والناهب والمستبد، ثانياً يهدف بصورة لئيمة إلى احباط الحالة المعنوية والإيحاء للجنوبيين ان القوة الأمريكية الطاغية تقف بوجههم ليرتكس بالتالي الجنوب ويجنح الى قبول الوضع الاستعماري الحالي. . -قال تقرير قناة العربية أو بالأصح قناة مراسليها بصنعاء لا فرق :( ..وكان السفير الأمريكي بصنعاء (جيرالدفايرستاين) قد قال خلال لقائه مؤخراً ممثلين عن ملتقى الجنوبيين إن بلاده لا تمانع في عقد مؤتمر حوار جنوبي إذا كان ذلك مفيداً شريطة أن يكون تحت سقف الوحدة اليمنية، وتزامن ذلك مع تصريحات صحافية اتهمت فيها إيران بدعم أطراف في الحراك الجنوبي من المتشددين المنادين بالانفصال وفكّ الارتباط..) . ! ونحن نقول هنا ان ما هو أقبح من البحث عن داعم خارجي من أيران أو غير أيران لفك الارتباط مع الشمال هو وحدة تستمد قوتها من تصريح سفير أو من برقية رئيس دولة اجنبية أو تقرير إخباري كاذب ومظلل، وان وحدة لا يكون كل من تهمهم هم الضامن لبقائها وديمومتها، فلا كانت ولا بقيت، ولتذهب هذه الوحدة الكاذبة ومن يجعل من أسمها غطاء للنهب والفيد واللصوصية إلى الجحيم وبئس المصير. - واجمالا في القول فان هذا التقرير ليس إلا نموذجا للتعاطي الإعلامي المخاتل والمظلل الذي يتكرس كثقافة شمالية مقيتة وليست فقط سياسية إعلامية مقتصرة على إعلام الرئيس السابق علي عبدالله صالح كما كنا نعتقد. وعليه نستنج من هذا النموذج من التقارير المصدرة إلى الخارج كبضاعة يمنية كاسدة ما يلي:- 1- إن مَـن أعد هذا التقرير هو قلم يمني نعرفه تماما ونستمع لتقاريره منذ ظهيرة يوم 22ما يو90م حتى وان رايناه على شاشة فضائية عربية ،فهو يستخدم نفس العبارات ونفس الكلمات بتعاطيه مع الشأن الجنوبي مثل عبارة (وحدة التراب اليمني) وهو نابع من معين تلك الثقافة اليمنية التضليلية العتيقة. 2-ان مراسلي القنوات الفضائية العربية هم أقرب الى عناصر حزبية استخباراتية منهم إلى مراسلين استحوذا بطرق شتى لقربهم من المركز المهيمن على كل صغيرة وكبيرة . 3- ان أسلوب تجيير الحدث وليّ عنق الحقائق وتزييف إرادة ووعي المواطن لازال يفعل فعله حتى مع الحديث عن سقوط نظام علي عبدالله صالح، وهذا يعني ان طرق واساليب المغالطة و الكذب والتدليس ليست أساليب آنية طارئة اقتضتها الحاجة فقط بقدر ما هي ثقافة متجذرة لدى البعض لا تنفع معها ثورة ولا تغيير نظام حكم أو نقل السلطات من فلا ن إلى علان واضحت هذه الأساليب تصدّر منتجاتها إلى خارج الحدود ولا يتحرج اصحابها بان تقولون ويفترون حتى على أكبر قوة سياسية بالعالم.!  
الحجر الصحفي في زمن الحوثي