ما لا يدركه التمرد في عدن!!

د. عبدالحي علي قاسم
الخميس ، ٢٣ فبراير ٢٠١٧ الساعة ٠٩:٢١ مساءً

 في ضوء الأندفاع الجمعوي المتساوق مع بعض الدفع الخارجي، والمفتقر للعقل السياسي الراجح، تتحدد بوصلة التمرد الانقلابي ذو الهوية الانفصالية...

   السؤال الذي يضع نفسه لرؤوس التمرد: هل تدرك قوى التمرد أنها الحلقة الأضعف؟ وأن أي مغامرة غير محسوبة المآلات ستكون لها تداعيات كارثية لم تحسب نذر مخاطرها على مستقبل هذه القوى؟   

   واقع الحال في عدن وحزامها الأمني يعطي نوع من الارتياحية لدى التمرد، بأن من شأن أي أحتكاك، أو مغامرة عسكرية تحت وقع الاستئثار بقرار الإقليم، وإلغاء، أو تهميش واقع سلطة الشرعية سيؤول لصالحها، خصوصا أنها الطرف المتقاطع، أو التابع للقوة الأماراتية المتواجدة بتأثيرها وثقلها في عدن. مسلما أن معطيات الحلقة الأمنية الصغرى في عدن قد يبدو أنها ترجح قوة التمرد، وتسيل لعاب أطماعه، لكنها تغفل، وتسيئ تقدير الموقف وروافعه تماما. فاليمن ليست حزام بن بريك، ولا عمقها الجبلي، الذي يتعوذ من هكذا تمرد، وكوارث تداعياته، وإن أظهر بعض التعاطف تحت شحن التهميش والمظلومية، وأبوية رفد المشروع الانفصالي.

    يدرك الكثير من العقلاء، بأن العمق الرافد للتمرد مخطوف بعقلية غير موزونة، ومتهورة، ويخشى الكثير من العقلاء تبعات التصرفات الصبيانية، وسوء حساب تقديراتها.  على الطرف الآخر توجد الشرعية مصممة على نجاح مشروعها الوطني، وتتعاطى مع الموقف بنفس تعايشي مقبول، ولا تريد أن تذهب إلى كارثة قرارات لا تحمد عقباها، ومستعدة لمد يد التعاون، والتوافق مع جماح التمرد، والقبول بشراكة تمثيلية، وتحرص أكثر أن لا تصطدم مع الوجود الإماراتي ومساعي أجندته، وتفهم مخاوفه ومصالحه، بيد أنها ليست الحلقة الأضعف سوى في مربع عدن العسكري، رغم قوة منطقها والشرعية الواسعة التي تتمتع بها. وهي الأقوى في حلقة اليمن ومربع تحركه، وهي الأقوى أيضا في العمق الجنوبي، فلا تغتر قوى التمرد أنها يمكن أن تخرج متعافية إذا ركبت جماح أطماعها، بل سوف تكون الأكثر خسارة وضررا، ولن تسعفها في شيء معارك الشرعية الجانبية وتحديدا مع الانقلابيين، ناهيك عن البعد السياسي الحزبي، وقوة التفافه حول الرئيس هادي. وهذا ما تسيء قوى التمرد حساباته، وهو نائم في ظاهر الأمر، ولكنه سرعان ما يتحول إلى طوفان سيعصف بأوراق التمرد إذا استدرج للمنازله، وعبثا أن تسعف قوة الحليف الأضعف خارجيا.

    التمرد أيضا هو الأضعف في الدائرة العربية والدولية، فإذا افترضنا جدلا، أن الإمارات سوف تذهب لمغامرة خارج توجهات التحالف الذي تقوده السعودية خدمة لعفاش، ونزوة مصالحها المتقاطعة في التمهيد للانفصال، طمعا في وصاية تنويمية لميناء عدن، فهناك السعودية وقطر هم اللاعب الأقوى والأقدر على تركيع الإمارات حال انحرافها عن مسار التحالف وأهدافه، والتي ترى، ومعها تركيا وبعض دول الخليج، أن من شأن أي انفصال أو تشضي لو سمح الله أن تكون له مخاطر إستراتيجية على أمنها. ولن تقف متفرجة، أو تتهاون بأن تمس ثوابت توجهاتها الإستراتيجية في اليمن، ولو انفرط عقد تحالفها مع الإمارات.

   الحلقة الدولية هي الأخرى لم تعد مشجعة، بل محبطة لقوى التمرد في عدن، فنحن أمام موقف أمريكي مساند ودعم للشرعية، ومعادي لتوجهات ونفوذ طهران في اليمن، وهذا يجعل أي مغامرة لقوى التمرد بدعم إماراتي في موقف خسارة لا تحسد عليها.

   وبذلك، فإن معادلة العقل والرشد والضمير الوطني تستدعي قوى التمرد أن تعود لرشدها، وبيت الطاعة للشرعية التي منحتها الثقة من أجل مشروع وطني كبير يسع أحلامنا جميعا، تتعايش على ترابه أنفاس أحلامنا جميعا، وأن نجنب مستقبل أطفالنا مآسي الماضي العقيم، وحقبة حكم الفاسد عفاش. كما على الأخوة الإماراتيين أن يبقوا على علاقة متزنة من واقع اقترابهم من الشأن السياسي اليمني، حتى لا تمسهم نار دخنه.  

  أخيرا، أتمنى أن تتناول مقالتي العقول، وليس الانفعالات والشطط، والله من وراء القصد.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي