مديح محرقة 29 آيار

كتب
الاربعاء ، ٣٠ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٣٨ مساءً
وليد البكس في مثل هذا اليوم قذفت الثورة بكرة لهب في القلب، كادت تفضي إلى نسفها، وأن تعود إلى عنفوانها السابق ونبضها الضاج بالحرية والتغيير، فذاك شيء يقترب قليلاً من المستحيل؛ لأنها ببساطة ضربت في مهدها، وقَليت بزيت الأوغاد ونار حقدهم، فأصبحت الآن ساحة الحرية بتعز- بعد خمسة أشهر- تحمل من الآثار والجروح والبقع السود والتشوهات ما لم يكن متوقعاً، إلا أن ذلك - وفي نظر كثيرين - أعاد للثورة ألقها المتقد الأول. انقلب المخطط الإجرامي ضد أهله، لنشكر الأيدي الخبيثة التي حاولت تلطيخ الساحة البيضاء بالدم، شكرناها ولو لهذه المرة فقط لأجل إعادتها الثورة لنا. لتبدو في مجمل ما لحق بها كالعنقاء التي انتفضت من تحت الرماد، وبفعل شبابها الغاضب على الدوام، المتفجر من صخب الحرية، ابتسم بكاؤهم مرة أخرى. كان عليهم خاصة في هذه الساحة أن يضعوا مشاعرهم جانباً؛ جراحاتهم تخضع للتطبيب، وأن جريمة من هذا النوع لا تمس هيبتهم فقط، بل تحاول النيل من خامة حلمهم الكبير، لطالما بدأت معالمه تتضح. كان عليهم أن يثبتوا كأي قادة مخططين وشعب مسحوق، أن تكن ثورتهم هذه كغيرها من الثورات؛ إذ لا وجود للمشاعر الشخصية، أو أنها توضع في لحظة الثورة جانباً، لم تؤثر إحدى حلقات مسلسل وأد الثورة وقتل الحلم، كانوا يعلمون ذلك تماماً فاستمروا؛ ليقدموا أبعد مما هو حادث. يوم التاسع والعشرين من أيار الفائت، يدشن بفرق من العسكر مدعمين بمجاميع ممن يوصفون بالبلطجيين، الجميع مدججون بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، باشروا عصر ذلك اليوم مداهمة ساحة الحرية بتعز، تعددت الأوصاف، وأخذت الحادثة زوايا متعددة في الرويات والاستغراق في الشرح، لكن كل ذلك حدث في حضرة المصورين، ونقلت بعض شاشات التلفزة والقنوات الإخبارية تنفيذ المهمة الإجرامية المباشرة. تمت المداهمة وفقاً لأكثر الرويات - ربما دقة - بعد أن رمى المخططون بجندي من المنفذ الجنوبي الغربي للساحة كطَعم، ارتكب بعض الحماقات، لكن بعض الشباب لم تمر عليهم تصرفاته، ولم يكونوا على اطلاع بأن مخططاً ما يجري نسجه ليس ضد هذا المدخل ومن يتواجد هناك ولكن ضد كل هذه الساحة الواسعة. يدخل بعضهم معه بمشادات تحولت إلى عراك، ادعى الجندي بأنه تعرض للضرب من قبل الشباب، ليمثل ذلك المدخل فيما بعد منفذاً مفتوحاً للمتوقع وغير المتوقع. كان مفتتحاً لكل شيء؛ القوات العسكرية والبلطجيون يعززون المكان، وتحت حجة ما قالوا: إن زميلاً لهم تابعاً لمديرية أمن القاهرة تعرض للضرب حتى الموت، ظهروا مستنفرين إلى أقصى الحدود اللاأخلاقية. أوقدوا الحقد في نفوسهم قبل المخيم، وأطلقوا الرصاص المباشر ضد الشباب، والمباني المجاورة.. المشهد يتسع، ألسنة اللهب ترتفع والدخان يغطي المكان. أصاب الرصاص الكثير من أبناء المخيم، بعضهم يسقط بالرصاص والبعض الآخر يغمى عليه من أدخنة قنابل الغاز السام، ليأخذ مشروع محاولة طمس الساحة إخماد الثورة طريقه إلى الإنجاز، أشعلت النار في الخيام القريبة، كان نصيبها الأشد وجعاً والمناسب، لأن يصير فاجعة لكل من تابع ما يجري، منذ البداية وحتى الأخير. استمرت عملية المداهمة ما يقارب 17 ساعة (منذ عصر اليوم الأول، وحتى فجر اليوم الثاني)، وعلى كل واقع الساحة بمكوناتها وحالتها المشرقة جاءت، وهي بذلك تكون تجاوزت حالة العقل، وجعلت من عقول ومشاعر أبطالها من القتلة والمجرمين في إجازة مفتوحة. كل ذلك ترك مشاهد مروعة في نفوس الناس، ليلتها لم تنم تعز وغيرها من محافظات ومدن الثورة، ولا يمكن للوطن أن يتعرض في نبضه إلى مختلف أساليب العنف أن يهدأ. وكالعادة أعادت محاولة إحراق ساحة الحرية، بغرض إخماد الثورة، أعادت الثورة إلى لحظة ولادتها الأولى، وأخذت تتشكل الساحات، من ساحة النصر التي ذهب شباب الحرية لتأسيسها كبديل اضطراري لساحتهم الأم، تلتها في الأسبوع أكثر من خمس ساحات في مناطق متفرقة من المحافظة ومديرياتها، ولم يمر حوالي شهر حتى وصلت الساحات إلى عشرين ساحة ويزيد، وكان لدور هذه الساحة المعهود في صدارة النضال نصيبها الوافر من الشهداء، فقط ليحيا وطن. [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي