في الذكرى الأولى.. شاهد على الهولوكوست

كتب
الثلاثاء ، ٢٩ مايو ٢٠١٢ الساعة ١١:٠٨ مساءً
  نبيل البكيري كنت هناك في ساحة الحرية ليلة المحرقة، ولم أغادرها إلا فجراً وقد أوشكت كل خيم الساحة على الاندثار أمام وحشية نار الحقد والكراهية التي صبت جام حقدها الاسود على ساحة روت معاني الحرية في كل شبر من أرض اليمن. مضى صالح وكل جلاوزته الاوغاد، لكن تعز وساحتها وثوارها لازالوا هنالك شامخين كجبل صبر الذي كنت فيه عصر ذلك اليوم، حيث بدأت حملة الحقد بالهجوم على الساحة منذ الرابعة عصراً، فقررت النزول من جبل صبر إلى الساحة ووصلتها في المغرب تماماً، حيث وجدت روح الثوار في قمة الحماس والاستبسال في مواجهة خساسة الاوغاد وحيوانيتهم الوحشية. كان الجميع مستعد للموت، يتنافس الجميع على مواجهة الرصاص، يتسابقون نحوها، لكن الاوغاد كانوا قد قطعوا صلتهم بعقولهم وقلوبهم كبشر، وكانت توجيهات حيوانية عليا وصارمة قد أوكلت لهم أن يدعوا الساحة أثر بعد عين. ليلة ها نحن نحتفل بذكرها الاولى، وقد سقط الجلاد ولم ينل عقابه بعد، لكنها ليلة سيسجلها التاريخ وستذكرها الأجيال على أنها كانت الليلة التي سقط فيها الطاغية وإلى الأبد. ليلة لم يكن صدفة ما حدث فيها، بل كان مخطط ومدبر تدبيراً دقيقاً، حٌصرت الساحة من كل جهة ومنفذ، وتم استخدام أقصى أنواع العنف المفرط بالرصاص ومختلف أنواع القذائف بما فيها الار بي جي، ولم نجد مناصاً من شدة القصف والرصاص، وهول ذلك الجحيم الذي كان يلتهم كل شيء أمامه، وأمام إلحاح جمال السامعي وعدد من شباب الساحة الذين كانوا بجواري، قررت الخروج من منفذ غير معروف كان عبارة عن زقاق صغير ومهجور من المارة، لكن المفاجأة كانت هناك سيارة مخبرين تنتظرنا عند الزقاق، كانوا متنكرين على هيئة إسعاف حكومي. أصروا على أن نصعد لسيارة الاسعاف، فأبينا بحجة أننا لدينا سيارة وفعلا كانت سيارة الاخ جمال هناك، وبعد أخذ ورد تطور إلى مشادة صعدنا إلى سارتنا وتوجهنا إلى البيت، وكنت على تواصل تلفوني في تلك اللحظة مع الزميل أحمد الشلفي، الذي أوصلني بقناة الجزيرة حينها، التي كانت تغطي مباشرة المحرقة. كنت مشدوهاً من هول الحدث، لم أتمالك نفسي ولم تطاوعني الكلمات لوصف ما حدث أمامي، كنت مرتبكاً وفي حالة ذهول من هول الصدمة وهمجية القطعان البشرية، ولم اعد أذكر مما قلته للاخ جمال ريان مذيع الجزيرة سوى كلمة أنها محرقة، إنها هولوكوست، ومجزرة بشعة. وما إن وصلنا إلى البيت، حتى أتصل بنا أحد الاصدقاء كان معنا هناك، أخبرنا أنه لم يعد في المكان من أحد، سوى سرية الفيد التي تجمع كل ما يقع في يدها من مقتنيات الساحة التي ربما سلمت من أللسنت الحريق والملتهبة، وأنه في مكان محاصر لا يستطع أن يخرج منه، لانهم كانوا يطلق النار على أي شيء يتحرك هناك، وكان الوقت الرابعة والنصف فجراً، فقررنا الذهاب إليه لإنقاذه بأي طريقة، لكن الأخ جمال السامعي أصر أن يذهب وحيداً بسيارته، حتى لا يثير شبه بكثرة عددنا في السيارة على أن أبقى أنا في البيت، أقنعني بالفكرة وأنطلق، لكنه لم يستطع الوصول للمكان حيث الاخ رشاد محاصر هناك مع مجموعة من شباب الساحة. منع الاخ جمال من التحرك في عقبة القصر حيث تتمركز أعداد كبيرة من أفراد الحرس الجمهوري الذين كانوا منتشرين هنالك، في حالة تأهب لأي شيء، أوقفوا السيارة وأخرجوه منها وفتشوه تفتيشاً دقيقاً، وأمروه بالعودة من حيث أتى، وتحت تهديد السلاح والسب والشتم المقذع، عاد جمال أدراجه إلى البيت، دون أن ينجح في مهمته التي خر ج من أجلها. لم نستطع النوم، فبقينا نتابع الجزيرة وبثها الحي حتى الصباح، ذلك الصباح الكئيب الذي لم أشاهد مثل كآبته قط، كان يوماً مشؤماً ونحساً، وبعد تواصل مع بعض الشباب قررنا الخروج باكراً بالمظاهرة تحدياً لحالة الطوارئ المفروضة بالانتشار الكثيف للعسكر، حيث كانا في جولة حوض الأشرف، حددنا مكان التقائنا في التحرير الأسفل، وبدأنا كجماعات صغيرة بدأت تكبر، ولكنن كان الأوغاد لنا بالمرصاد، حيث أتت الأطقم العسكرية من كل اتجاه وبدأوا بالضرب المباشرة للرصاص، وكان الوقت حينها التاسعة صباحاً، ومن شدة ضرب الرصاص، تم تفريقنا، وكان قد سقط شهيداً قبل وصولنا للمكان أحد المارة، وأصيب أيضا أحد المارة الذي أراد إسعاف الشهيد. عدنا أدراجنا إلى البيت في حالة انهزام وقهر نفسي، وأعتقد أنه في تلك اللحظات كانت تعتمل في داخل كل الشباب أن المواجهة لازالت تتطب نوعاً جديداً من الصعيد، ولا أخفيكم القول، أن خيار السلاح كان مطروحاً لدى كثير من الشباب ذلك اليوم، الذين عجزت عن إبعادهم عن ذلك الخيار، وكنت أقول لهم أنهم بهذا يكونوا قد نجحوا إلى جرنا إلى المربع الذي يريدون هزيمتنا به، لكنه هزموا سلميا أمام شباب الثورة أنهم بالسلم فقط أدركوا أنهم منهزمون، وإذا مكناهم من المواجهة المسلحة فإنهم قد سيستعيدون قواهم، وسنكون نحن قد خسرنا معركتنا الحقيقة وهي معركة السلام والثورة السلمية العظيمة التي أمامها انهزموا للحديث بقية... [email protected]
الحجر الصحفي في زمن الحوثي