الدبلوماسية المغربية الطامحة! ! وروح التقارب الخليجي اليمني الفاعل!!

د. عبدالحي علي قاسم
السبت ، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٨:٥٦ مساءً

 تزحف الدبلوماسية المغربية بهدوء، تترنح أحيانا تسترد نفس المراجعة والتقييم، بيد أنها في الأعوام الأخيرة، وتحديدا منذ بواكير العام 2014 تتحرك بفاعلية، وسرعة غير معهودة، فاقت توقعات المثبطين والمتفائلين. 

   مسار الانسجام الداخلي، وحسن تدبير تفاعلاتهالسياسية، ووتيرة النمو  المستمر والآمن، وروح الثقة في بناء العلاقات مع الآخر، والواقعية السياسية في تقديري هي سر المكانة، والقوة التي تتبوأها المملكة المغربية، وحافز هامش الدبلوماسية التي تنشط ماكنتها بفاعلية. وهي مرتكز، ومحور قوة ونفوذ السياسة الخارجية المغربية، التي يحسن إدارة زمامها الملك محمد السادس. علاوة على عمق العلاقات الأسرية فوق الأخوية بين عائلات الحكم على ضفتي المنطقة العربية.  

   إن الذهنية المغربية الدبلوماسية مطبوعة بسمات معتدلة، ومنفتحة ليس فقط تجاه أشقائها،ولكن حتى تجاه الآخر تمكنها من اختراق تحصينات الهويات المتمترسة، والمشككة بالآخر لبعض الخلافات، وتقبع خلف سياجها تمانع من أي تقارب مهما كان مثمرا ونافعا.

 

على أكثر من عمق تعيد المملكة المغربية أكتشاف مزايا وفرص الهوية، وجذور الديمغرافيا، ومكانة الجيوسياسية الحيوية التي تتبوأها، تتنكب من خلالها استحقاقات وفرص الدور المستقبلي المهيئة، والمنوطة لتحمله، في ضوء فهمهالمعطيات وتداخلات الحسابات الإقليمية والدولية.

      إن توظيف الروابط الروحية، وحسن أستثمار مفرداتها يساعد كثيرا الدبلوماسية المغربية في تجاوز العراقيل، ويختصر عليها الطريق في ولوج مسار المحدد الاقتصادي بكل كفاءة، والاستفادة المتبادلة منه بأعلى كفاءة اقتصادية حدية، وتوسيع شراكتها الاقتصادية الاستثمارية والتجارية مع الخليج بنوع من المزايا المغرية، بحيث تنعكس ثمارها التنموية على طرفي الشراكة بصورة كبيرة وملموسة، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا.

     ميزة الهوية المغربية التي تتوزع أفريقيا، وفي الجانب المهم عربيا، أتاح لأذرع دبلوماسيتها أن تتخطى الشمال الإفريقي العربي المنهمك بمداواة، ولملمة جروحه، ليستقر نشاطها الدبلوماسي مهد مستقرها العربي، ومنبع هويتها الزاخر لتستمع بروية الأخ الأكبر هموم، ومخاوف، وآمال الشرق العربي وتحديدا منه الخليجي.عودتها القوية إلى حضنها العربي الدافئ تزامن مع هجمة خيانة تنفذها أطراف إقليمية ودولية انتهازية طامعة رأس حربتها إيران، التي تتدثر تقية عدمية لا تؤمن بلغة التعايش البتة، ولا مساحة تحول وتصدير مشروعها الفوضوي بمسوحه الطائفية المريضة إلى كل مكان ولو كان المغرب.

أهمية الحاجة لدور مغربي فاعل

 

عودة المغرب بقوة وشراكة إستراتيجية متنوعة ومعنوية تعطي معنى، وتعريف قوي، وسند لا يستهان في معادلة الأمن القومي العربي، وتحديدا في ضوء الفراغ الذي خلفته مصر السيسي، وترجيحها لكفة المتأبطين شرا بالمنطقة.

 

     فبعد أن أضحت مصر مخطوفة يسوسها عقل سياسي مفلس، يفتقر لأبسط أبجديات الحس الأمني العربي والأفريقي، لا بد من ردم فجوة الخيبة والخذلان إن خجلنا أن نسميها الخيانة. فصنف السياسة الانتهازية، التي تنتهجها الدبلوماسية المصرية، ويستوحى منها الإجهاز على الأمن القومي العربي، وعقر المنطقة بدعم الزحف الإيراني في عمقها الإستراتيجي، يستدعي بالضرورة حضور قوي، وفاعل للمغرب أفريقيا وعربيا، لدرء مخاطر الدور المصري، الذي اعتقر خمر الخيانة، حتى لمن مد له يوما يد الحسنى.

    فعلى آثار السيسي ما زال بعض الأقزام يلهثون في تسويق أنفسهم على استحياء، لكنهم في الأخير ليسوا أكثر من قصر رمال، وبالتالي لا بد أن تكون هناك دبلوماسية تتحرك على قاعدة صلبة، فقدرتك الدبلوماسية لا تعززها سوى قدراتك الاقتصادية، وما تتمتع به من ثقة واحترام الآخرين، وكل هذه المقومات أضحت ليست في متناول الدبلوماسية المصرية. وتتمتع به المغرب إلى حد ما.

     دبلوماسية عرض المصالح المتبادلة، وتقوية روابط التفاهم، وإزالة كوابح العزلة، وليس دبلوماسية الشحات الانتهازي البلطجي، إن لم تمكنه من محفضتك ينهبها كيف يشاء، فجر بيتك، وسعى في خراب انقلابي عليك، وهذا حال مصر السيسي.يخطئ، ويقزم من يعتقد بأن زخم الدبلوماسية المغربية، وذروة حيويتها، تنحصر فقط في البحث عن دعم دبلوماسي لقضية الصحراء، والحقيقة التي يتعاماها، أو يجهلها الكثيرون أن هناك طموح غير مسبوق تضطلع به دبلوماسية القمة، التي يتصدرها ملك المغرب في عمقه الأفريقي والعربي على السواء، لتوسيع خيارات المغرب الاقتصادية والسياسية والأمنية، بحيث يؤهل المغرب يوما لدور لا يتوقعه أعداءها المتربصين، والحريصين على الوقيعة به، وإجهاض تجربته الناجحةفي خضم المتغيرات المتسارعة.

 

وأمام هكذا معطيات تجد المغرب نفسها مدعوة، ومرغوبة، ومهيئة أكثر من غيرها، لممارسة دبلوماسيتها الناعمة، والطامحة، وتعبئة موارد قوتها الدبلوماسية، وبعثها بمستوى يتلاءم واستحقاقات مصالحها الحيوية في أهم منطقة عربية، وفي ضوء رؤيتها الطموحة لا يمكن إغفال مقاربتها الدبلوماسية، وتعبئتها بما يساعد في لجم الأبواق الانفصالية في إطار دائرة التأثير الخليجي واسع التأثير عربيا وأفريقيا. وفي ذات السياق عقدت القمة الخليجية المغربية في الرياض بمبادرة مهمة للقياداتين الخليجية والمغربية في 20/4/2016، حيث أكد القادة الخليجيين على موقفهم الداعم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي أساسا لأي حل لهذا النزاع، كما أكدوا رفضهم لأي مس بالمصالح العليا للملكة المغربية، وأهم أن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز ركز، أن القمة تعكس عمق العلاقات الوثيقة في الجوانب كافة.

 

   إدراك السياسة الخليجية لأهمية المغرب، ومكانته، جعلها تندفع بقوة لبناء مدماك علاقات متينة، وهندسة أسسها بنوع من الثقة والأخوة، وروح المشاعر الجياشة، ووحدة المصير المشترك، والفكر الإيجابي لأهمية أبعاد التكتلات القوية، والتعاون والشراكة الجادة في خلق خيارات جيدة لمستقبل آمن ومزدهر. إن تعاطي النضج الخليجي مبني على قناعة أنتدخل الآخر معظمه سلبي يجتهد في الهدم أكثر من حرصه على البناء لكن أخ الهوية يراعي إرث المصالح المشتركة كما يتقاسم معك بتفاني المخاطر المصيرية.

 

     لذلك، فإن تقزيم الدور الدبلوماسي المغربي في طبيعة جهود معركته مع متمردي البوليساريو فيه نوع من التسطيح، وسوء تقدير لتلك الدبلوماسية الصاعدة، والطامحة في حافة فجوة افريقية وعربية خلفتها دبلوماسية مصر السيسي فارغة المحتوى والأخلاق.إن انخراط المغرب في شراكة حقيقية، وحيوية ملموسة سواء كانت مع جنوب- جنوب، أو كانت بحجم علاقتها بالخليج، وهو الأهم في اعتقادي، يضفي نوعا من تحصين الأمن القومي المغربي، ويتيح للمغرب أن تقفز خطوات كبيرة، وتختصر فيها سنوات نمو متسارع مما لو بقيت محصوره في ذات المربع التقليدي السابق.

      وفي وارد تأكيد الحضور الفاعل عربيا، والأداء الدبلوماسي المميز للمملكة، ألا تنظر بنفس مادي صرف، وأن تعير الأخلاق أهمية، لأن المتغير الأخلاقي هو أهم متغير مفقود في عالم الشكوك المتبادلة، والمنطقة العربية وفي مقدمتها الخليج يبحث عمن يعول على مصداقيته بعد الطعنات المتتالية التي تتلقاها من قبل شركائه التقليديين ومصر المخطوفة.

 

ولا أنسى أن أذكر، وسبق أن أشرت في مقالات سابقة أهمية أن تكون للمغرب لفتة دبلوماسية أخوية تعاونية تجاه اليمن أكبر من دورها كعضو فاعل في التحالف العربي الإسلامي، الذي تقوده السعودية سواء في مجالات الأمن والطاقة، التي نحن بأمس الحاجة لها، أو في غيرها من المجالات. فاليمن في الأخير هي جزء أصيلا من منظومة الأمن الخليجي والعربي، وبدونها لا يمكن لمعادلة المصالح والأمن أن تستقر، ومصير اليمن أن يستقر، وأن ينهض من كبوته، وسوف تؤسس لعلاقات واعدة مع المغرب.التي تربطها مع هذه الأخيرة وشائج أخوية متميزة وفريدة.

 

في المقابل، تداول بعض المحللين والكتاب المغاربة أهمية تطبيع العلاقات مع إيران، والدفع بها لما لإيران من قدرة هائلة على التشويش والإزعاج، وربما يجهلوا تماما عبث المشروع الإيراني، ومخاطره المزعجة، والطامحة بلا حدود، وحساسية عدوى متغيرات الجغرافيا والطائفة، وقدرة إيران على تصدير مشروعها، ببعث وتنمية أذرع لها بفترة وجيزة، وهذا ما يجب التنبه له!!وألا تلتفت المملكة لاعتبارات القوى الدولية في علاقاتها مع إيران، لأن هناك تزحزح في المواقف، وتغيير مهم في الموقف الأمريكي تجاه إيران، خصوصا مع إدارة ترامب القادمة، والتي ألغت أي معنى حفيقي للاتفاقية النووية، بتصويت الكونجرس على تمديد العقوبات على إيران، ومؤشرات الموقف المعادي أو التصادمي للإدارة الجديدة مع إيران.

 

أخيرا، إذا ما أرادت القيادة المغربية لدبلوماسيتها أن تستمر بذات الوهج، ومستوى التأثير، والقبول، والثمرة لدى الآخر، فهي معنية بضرورة  استمرار الانسجام، والرضى الشعبي والسياسي الداخلي، القائم على مزيد من أزدهار الديمقراطية، والشراكة الفاعلة بين مكونات الفعل السياسي، لأن من شأن أي نوع من التوتير الداخلي نتيجة لتعثر مسار التجربة الديمقراطية أن تنسف، وتفرمل تلك النجاحات، وتفوت فرص الخارج، وتهدر الدولة جل طاقاتها للسيطرة غير الطبيعية على الداخل.

 

ولا بد من دفع آفاق الأنسجام إلى مستويات أكثر حصانة لمواجهة أيادي الفعل الخارجية في الداخل، فرد الفعل المشاكس الحاسد على الدور الفاعل والحيوي للدبلوماسية المغربية لن تتفاعل مخاطرها مع التحرك الخارجي، بل سوف تركز نشاطها المعادي على تغذية مشاكل الداخل الاجتماعية والاقتصادية وأهمها مشكلة البطالة، كونها أكثر فتكا لكم النشاط الخارجي، مستغلة بعض هفوات النظام في الداخل، وأهم استهداف لن يكون في قضية الصحراء بل هامش الأنسجام الذي يتمتع به المغرب.

 

*كاتب وأكاديمي يمني مقيم في المغرب

الحجر الصحفي في زمن الحوثي